نظمت المندوبية الجهوية للثقافة بتونس يوم الجمعة ندوة فكرية حول ترجمة أدب الطفولة . وقد التقى عدد من المتدخلين من المعنيين مباشرة بالأدب والترجمة وعدد من المشرفين على مراكز التنشيط الثقافي بتونس بالمكتبة العمومية بضاحية قرطاج بيرصة للخوض في هذا الموضوع . ولم يستغرق المتدخلون وقتا طويلا قبل أن يحددوا الإشكاليات الأساسية المتعلقة بترجمة أدب الطفولة في تونس كي تدور حولها مختلف النقاشات . المشكل الأساسي يتعلق بغياب خطة لترجمة الأعمال الأدبية الموجهة للطفل في تونس . وقد شددت الكاتبة عروسية النالوتي على ذلك وأوضحت في مداخلتها أن الترجمة تبقى اعتباطية ومحكومة بالذوق الشخصي للكاتب وتقتصر على بادرة شخصية لصاحبها كما أنها نبهت إلى أن الإقتصار على ترجمة الأعمال المكتوبة باللغة الفرنسية يجعلنا نتعامل مع العالم الخارجي من خلال ما أسمته بثقب اللغة الفرنسية . ويكتسي هذا الأمر خطورة في نظرها لأنه يحد من تنوع الكتابات والإنفتاح على الثقافات الأخرى. الإشكالية الثانية التي تعرضت لها الكاتبة تتعلق بمدى ما هو متاح للمترجم القيام به أثناء نقله أو ترجمته للاثر الأدبي وتساءلت في هذا السياق : هل يجب على المترجم أن يفتح النوافذ على الثقافات الأخرى وأن ينقلها بوفاء حتى لو كان لها فعل الصدمة لدى المتلقي . و هل ينبغي أن نحمي الطفل وإذا كان الأمر كذلك هل ينبغي غلق هذه النوافذ أم فتحها . بالنسبة لها لا ترى الكاتبة فائدة من تربية الطفل على التقوقع داخل ذاته . تركّز الجهود على أدب الكهول على حساب الطفل الإشكالية الأخرى التي تم الإجماع حولها بالمناسبة تمثلت في مدى توفر شروط أساسية لدى ممارسي الترجمة في بلادنا . وقد شدد المتدخلون على ضرورة أن يحذق المترجم لغتين على الأقل حذقا كاملا . ودعوا بالمناسبة إلى ضرورة استقطاب الكفاءات الموجودة وتكوين مختصين إن لزم الأمر والإستفادة منهم سواء في إطار المركز الوطني للترجمة الذى تم احداثه عام 2008 الماضي أو بعث مركز للترجمة يكون متخصصا في ترجمة الأعمال الموجهة للأطفال . الكاتبة نافلة ذهب وهي من المعروفات بتخصصها في أدب الطفولة كتابة وترجمة استعادت في مداخلتها فكرة ضرورة بعث خطة وطنية لترجمة أدب الطفولة . ونبهت الكاتبة إلى أن أغلب ما يروج في الساحة من مؤلفات مترجمة موجهة للطفل في تونس ضعيف وهزيل وأن الأمر لا يخضع للمراقبة . كما استغربت المتدخلة عدم استفادة التونسيين من الإنترنيت للتعريف بالمجهودات التي تبذل في مجال الترجمة في تونس في حين أن بلدانا عربية أخرى تقوم بذلك بشكل جيد . بخصوص مضمون النصوص أشارت المؤلفة إلى ضرورة أن يقدم الكاتب للقارئ الصغير أجواء تمسه بشكل مباشر تقتضي من المؤلف أو المترجم بذل جهد كبير يصل به حتى إلى استعادة طفولته . وهي تنبه إلى أنه مطلوب من المترجم بشكل عام أن يكون أقرب ما يكون إلى المناخ ذاته الذي يتحرك فيه المؤلف الأصلي . وهي تستعيد بذلك نفس الفكرة التي طرحتها الكاتبة عروسية النالوتي المتعلقة بضرورة حذق لغتين على الأقل بشكل كامل مقابل ذلك فإن نافلة ذهب تشير إلى أنها ترى أن الأدب الخاص بالطفولة ينبغي أن يكون هو الأساس ثم مرحبا بالترجمة . و استغلت الكاتبتان المناسبة لاستعراض تجارب وصفتاها بأنها هامة بالتعاون مع بعض دور النشر لم يكتب لها الدوام . السبب الرئيسي يعود مثلا حسب عروسية النالوتي إلى أن دور النشر لها حساباتها الخاصة في إشارة واضحة على أسبقية عامل الربح على عوامل أخرى من بينها التثقيف . وأوضح الأستاذ عادل المجبري الذي أدار اللقاء وقدم مداخلة أنه في المطلق يفضل الإبداع على الترجمة لأن الترجمة فيها خيانة للنص الأصلي. وقد اتخذ كدليل على ذلك ما يذهب إليه حتى الأدباء الكبار في العالم من استهانة وتحريف للنص الأصلي حيث استشهد بنص من الأدب اليوناني القديم وما تعرض له من أذى على يد الكاتب الفرنسي الشهير جون ديلا فونتان . كما أعرب المتدخل عن عدم رضاه عن التوجه إلى ترجمة نوعية من كتب الأطفال على غرار قصص الخيال من الأدب العالمي كسندريلا وبيضاء الثلج وغيرها التي تكرس حسب رأيه عقلية التواكل لدى الطفل. وهو إذ يدعو إلى إيقاف ما أسماه بعبث النشر والذي يتسبب حسب رأيه في خلق أجيال متذبذبة لا هي بعربية ولا هي بفرنسية مثلا فإنه يرى أنه لا بد من فتح شبابيك موازية - من خلال تشجيع الإبداع - للشبابيك التي تفتحها الترجمة. النقاش الذي فتح إثر ذلك كان مناسبة لاستعادة نفس الأفكار تقريبا كالإستفادة من الكفاءات في مجال الترجمة وخاصة الإستفادة من المترجمين الذين يحذقون لغات أخرى غير العربية والفرنسية كما تم تقديم عدد من الإقتراحات من بينها بعث اختصاص في ترجمة أدب الطفل مستقل بذاته. ولئن أعرب مختلف المتدخلين عن تفاؤلهم بالمركز الوطني للترجمة الذي وقع احداثه بمناسبة احتفاء بلادنا كامل سنة 2008 المنقضي بالسنة الوطنية للترجمة فإنه وقع التنبيه إلى أن الجهود مركزة على أدب الكهول في انتظار حركة جادة لفائدة الطفولة.