بعد خطابه أمام الكونغرس ثم في قاعدة نورث كارولينا لم تتضح صورة السياسة الخارجية الأمريكية التي يعتزم الرئيس الأمريكي أوباما انتهاجها كنوع من القطيعة مع سياسة الرئيس السابق بوش الإبن إذ يبدو أن المسألة تتطلب انتظار بعض الوقت بسبب تركيز الإدارة الأمريكية على معالجة الأزمة المالية والاقتصادية إلى حين توفر معطيات في أعقاب الجولة الأسيوية لوزيرة الخارجية الأمريكية وزيارة مبعوث خاص إلى الشرق الأوسط. فباستثناء تأكيد انتهاء الانسحاب من العراق في حدود أوت 2010 والتشديد على أهمية مواصلة الحرب في أفغانستان في سياق محاربة الإرهاب والإشارة إلى العودة إلى القيم الأمريكية لم تتضح الرؤية بخصوص القضية الفلسطينية والتضامن بين دول الشمال مع البلدان النامية ذلك أن الحملة الانتخابية التي خاضها أوباما أوحت بنقلة نوعية في السياسة الخارجية الأمريكية بل إن آمالا عريضة علقت عليه في دول الجنوب ليكون نصيرا لها في التنمية والتقدم وأصبح إسم أوباما رديفا للتغيير الذي يبدو أن الرئيس الأمريكي يريده مدروسا وبنسق أبطأ مما كان يعتقد. ولعل عديد العوامل ساهمت إلى حد ما في أن يبرز أوباما متريثا أهمها بالتأكيد الفرق بين الوعود الانتخابية ومتطلبات الممارسة السياسية التي كثيرا ما تحتم على صانع القرار النظر إلى الأمور من زوايا متعددة وتدعو المنتظرين إلى التريث والتفهم إضافة إلى فريق الإدارة الأمريكية الذي يضم شخصيات لها خبرة تدرك أنه لا يمكن لواشنطن أن تغير سياستها الخارجية ب180 درجة وهو ما نبه له عديد المحللين حتى أثناء الحملة الانتخابية بأن أوباما لا يمكنه أن يعمل خارج إطار المؤسسة الأمريكية المشكلة بجملة من المبادئ والمحددة لمجموعة من المصالح لا يمكن لأي رئيس مهما كان انتماؤه الحزبي ان يحيد عنها. ولا شك أن الرئيس الأمريكي مطالب بآداء جيد خلال المائة يوم الاولي حيث بدأ العد التنازلي منذ توليه مهامه وهي فترة تقييمية قادرة على تحديد شعبية أوباما وهو ما يعني أن الاهتمام سيتركز على الوضع الاقتصادي والاجتماعي بدرجة أولى خصوصا أن قرار سحب القوات الأمريكية من العراق يحد من ضغط نفسي على قطاع معتبر من الرأي العام الأمريكي ومن هذا المنطلق فإن الخطة الاقتصادية واحتمالات إخراجها الاقتصاد الأمريكي من الانكماش ستكون على المحك أولا من وجهة نظر مختلف الفاعلين في العملية الانتاجية وخصوصا من قبل كبرى الشركات التي يعول عليها في امتصاص أعداد العاطلين وثانيا من قبل الاوساط الاقتصادية في بقية بلدان العالم. وبالنسبة للوضع في الشرق الاوسط فإنه من الخطإ الترقب ففي الوقت الذي يستعد فيه ناتنياهو لتشكيل حكومة وبينما توصل الجانب الفلسطيني إلى حل لتجاوز الخلافات لا يجب على الإدارة الأمريكية أن تؤجل النظر بجدية في تسوية للقضية الفلسطينية بما يحقق للفلسطينيين إقامة دولتهم المستقلة حتى لا تقع إدارة أوباما في نفس الخطإ الذي وقع فيه بوش الذي فضل إبقاء الوضع على ما هو عليه بما تتطلبه مصلحة إسرائيل . لكن لا بد لإدارة أوباما من الأخذ بعين الاعتبار أن الحرب على غزة ومن قبلها على لبنان أظهرت حقيقة إسرائيل حيث أصبحت عسكريا هشة أمام المقاومة رغم آلاتها الحربية وبالتالي فإن وجود رئيس وزراء إسرائيلي متطرف يعول على القوة العسكرية لن يعود بالضرر سوى على واشنطن وعلى مصالحها وصورتها. لقد آن الأوان أن تقدم الإدارة الأمريكية تصورا للخروج من الوضع الراهن في الشرق الأوسط وتقدم بالتالي على مواقف تحسب لها خصوصا أنها ستكون صادرة عن رئيس يدرك معنى المعاناة من الظلم والعنصرية والتهميش مثلما يستلهم نقاطا مضيئة في التاريخ الأمريكي حول التحرر إضافة إلى كونه داعيا إلى إعادة الاعتبار إلى القيم الأمريكية والتي من ضمنها احترام حقوق الانسان ..فهل يتحرك أوباما لوضع حد لآخر قضية استعمار مباشر لم تجد إرادة صادقة من قبل القوى الكبرى لوقف الممارسات الإسرائيلية التي وصلت ذروتها في العدوان على غزة واتخذت شكل جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.