تتعالى الأصوات في هذه الفترة الأخيرة مزمجرة في وجه الادارة العمومية تحت تسمية الحق تارة والقانون طورا آخر والغطاء الأمثل هو الادارة في خدمة القانون ولكن وبالرغم من أن ألسنة الدفاع تبدو مهيأة متماسكة في تحميل الادارة المسؤولية عن كل خطإ فالغاية من هذا الكرنفال ان تخرج إلى اللانهاية ظالمة او مظلومة المفيد أن يكون هناك قربان من أجل «"شهرة اللاشهرة"». وفي صلب هذه الجدلية ظهر ما يعتري الخطاب والتخاطب الاداري من عيوب فالإدارة التي تواجه سؤال المفاجأة أو الاعتباط تسعى لأن تقدم شبه اجابة تبدو من خلالها احيانا كثيرة غير ملمة لا بالواقع ولا بالقانون اضافة الى ما تكتسبه الاجابة المعدومة بهائل من الكاميرات وبطلاقة لسان «الدفاع» من ارتباك وتردد وشخصية تسيء في الحقيقة لمسار تاريخي لهذه المؤسسة التاريخية التي قدمت لبناء هذا الوطن الكثير والكثير من التضحيات من أرواح وأجساد العاملين بها. فالادارة التي انغمست لعقود عدة في براغماتية العمل الميداني استفاقت مؤخرا على مرض عضال يسكنها اسمه افتقاد المخاطب الكفء اساء لمشهدها العام وطمس المكتسبات التاريخية وأظهرها في موقع المقصر، فالبعض ممن مثل الادارة في اجابتها عن ادعاءات "الدفاع المدجج" بالدموع احتجب أحيانا وتسرع احيانا أخرى وكأنه يسابق الزمن للملمة الموضوع وحل الموضوع - الإشكال بعصاه السحرية الشيء الذي يطرح السؤال لماذا لم يقع حل هذا الموضوع بالسبل العادية سابقا وهل كل من يقصد حلبة هذا الدفاع سيجد الحل فهل أصبحت الادارة تقدم خدماتها على أساس شخصي. إذا فالإشكال جلي يتمثل في المخاطب الكفء المدافع عن الادارة بموضوعية وبتريث معقول مبني على الإلمام بالموضوع ومعرفة معمقة لاستراتيجية المعالجة وانطلاقا من الواجب المقدس والاحترام للجهاز الاداري لابد من التحرك والمساهمة في بلورة مشروع يمكن أن يساعد الادارة العمومية على بلورة المخاطب الكفء من خلال اعطاء بعض الخواطر كالتي سأسعى إلى تقديمها والمتمثلة فيما يلي: 1 - أولا لابد من الانطلاق من ملاحظة أن طرق المساءلة المتواترة حاليا على بعض الأجهزة الاعلامية المرئية والموجهة الى الادارة تختلط بكل أسف من خلالها المفاهيم والاجراءات فالاشكال الذي يطرح على الادارة من قبل هيئة «الدفاع - الادعاء» يكون في الغالب ذا طابع قانوني ويطرح على طريقة المحاكمة الشيء الذي يطرح تساؤلا حول مشروعية الصلاحية وكذلك حول ضرورة تفعيل المبدا القانوني المتداول الا وهو الأهلية الكاملة للمكلف العام بنزاعات الدولة في تمثيل الدولة والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الادارية والجماعات العمومية المحلية في مواجهة الاشكالات القانونية دفاعا او ادعاء. 2 - لقد درج العمل على تعامل الملحق الصحفي بالوزارات والمؤسسات العمومية والجماعات العمومية مع تساؤلات وسائل الاعلام، ولقد تبين بأن الملحق الصحفي والذي غالبا ما لا يتسنى له الاحاطة بالشؤون الفنية والادارية للمؤسسة المعنية يقوم بالاحالة على الهيكل المختص وهنا كثيرا ما لوحظ أن المختصين بالرغم من الاطلاع العلمي والمباشر على النواحي الادارية والفنية لا يجدون سهولة في كيفية تسويق هذه الأمور وربطها مع الاشكال المطروح خاصة وان طرح الاشكال من قبل «هيئة الدفاع - الادعاء» يعتمد على اساس المفاجأة والارباك والمجادلة في القانون وفي غير القانون لذلك لابد من تقنيين للتعامل مع وسائل الاعلام من خلال تركيز مكاتب تخاطب عام تسند المسؤولية في الاشراف عليها لاطار اداري ذي حنكة على مستوى المعرفة بالتنظيم الاداري وكذلك بطرق التحاور والاستماع وربما يكون كذلك من الاجدى التفكير في ارساء لامركزية بعض الاجهزة التي لها علاقة ببعض الاشكاليات القانونية مع الادارة كالمكلف العام بنزاعات الدولة او الموفق الاداري وادراجها ضمن الهيكلة الادارية المركزية. 3 - تدعيم التكوين في مجال التخاطب من خلال وضع استراتيجية وطنية ترتكز على الية التصرف التقدير المرتكز على استقطاب الكفاءات القادرة على التأقلم مع مقتضيات التخاطب العمومي وتكوينها بطرق علمية مع الإشارة إلى أن التكوين بالادارة العمومية يستوجب التدخل العاجل من أجل اعادة النظر للاستراتيجيات التي يمكن اعتمادها في هذا المجال خاصة فيما يتعلق بمأموريات التكوين بالخارج والتي كثيرا ما يتمتع بها المسؤول الأول بالادارة لعدة مرات في نفس السنة على حساب بقية الموظفين الذين يمكن ان يكون التكوين ذا فائدة على قدرتها المهنية. 4 - ضرورة مراجعة التحاور الداخلي بالادارات العمومية لأن ذلك أضحى من الضرورات المفيدة لخلق اللحمة الايجابية داخل الادارة فحوار التسلط والتقزيم الذي يمارسه بعض الموظفين المكلفين بخطط وظيفية على حساب مرؤوسيهم أصبح بدون جدوى لأنه مدعاة لتوتير العلاقات واسقاطها في منعرج اللاحترام واللاتعاون فالخطاب ما بين الاداريين رؤساء او مرؤوسين لابد ان يكون خطاب ثقة واحترام وتبادل للخبرات. 5 - لابد كذلك من تحفيز من عرفوا بتخاطب مهني مشرف للادارة العمومية ويندرج التحفيز في اطار سياسة عامة قوامها احترام الكفاءات واعطاؤها الأهمية المستحقة وتغليب الكفاءة على المعايير اللاموضوعية في تقييم مردودية الموظف العمومي كما يتوجب في هذا الاطار التصدي للتقييمات المخلوطة والمسمومة التي ترمي الى احباط الكفاءات على أساس حزازات مشخصة ومريضة.