تونس- الأسبوعي: «أطمئن الجميع أنّ المحكوم عليهم بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة هم بالدرجة الأولى أشخاص خالفوا القانون الجزائي ليس لأن الإجرام متأصّل فيهم بل الصّدفة وبعض الظروف الخاصة وراء ارتكابهم هذه المخالفات والجنح وبالتالي لا بدّ من إنقاذ هؤلاء الأشخاص من مغبّة الانزلاق في عالم الإجرام وإتاحة الفرصة لهم ليخدموا المجموعة العمومية من خلال عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة البديلة عن عقوبة السجن». بهذه الدعوة توجّه السيد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان إلى الحاضرين في الملتقى الذي نظمته التفقدية العامة بوزارة العدل وحقوق الإنسان بالتعاون مع محكمة الاستئناف بسوسة وحضره عدد كبير من القضاة. توجّه إنساني وانطلاقا من التوجّه الجديد للمنظومة الجزائية التونسية فإن القاضي أصبح مدعوّا إلى عدم الاقتصار، عند دراسة الملف، على الوقائع والعقوبة المستوجبة وجريان العمل القضائي في مثل هذه الوقائع بل أن يتأمّل مليّا في شخصية المتهم وظروف ارتكابه المخالفة أو الجنحة وإمكانية استبدال عقوبة السجن بالصّلح بالوساطة في المادة الجزائية إذا كان الأمر يتعلّق بشكاية ما تزال في مستوى وكيل الجمهورية أو بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة. وقال السيد منصور القديدي جرّاي قاضي ناحية القيروان في محاضرة ألقاها بالمناسبة أن عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة، التي تشمل الجنح والمخالفات التي لا تفوق عقوبتها 8 أشهر سجنا ويقضّيها المحكوم عليه في عمل تطوّعي بإحدى المؤسسات البلدية أو التربوية أو الخيرية مع انتفاعه بالتغطية الاجتماعية ضدّ حوادث الشغل، تؤكد نجاعة الرّدع خارج إطار السجن وترسيخا للبعد الإنساني للعقوبات في مجال حقوق الإنسان غير أن المشرّع أوكل النطق بهذه العقوبة اختياريا للقاضي في نطاق اجتهاده المطلق وسلطته التقديرية إبّان قيامه بتفريد العقوبة. تداعيات عقوبة السجن وتندرج هذه العقوبة وكذلك الأمر بالنسبة للصلح بالوساطة في المادة الجزائية أو عقوبة التعويض الجزائي المنتظر إقرارها قريبا في سياق إيجاد بدائل عن عقوبة السجن السالبة للحريّة وتكريس أنسنة العقوبات باستبعاد العقوبات السالبة قصيرة المدة والاستعاضة عنها بعقوبات أخرى غايتها الإصلاح والتهذيب والإدماج وتقويم شذوذ من زلّت بهم القدم. وفي حديثه عن مساوئ العقوبة السالبة للحريّة قصيرة المدة قال المحاضر أنها تخلّف أثرا بالغا في نفس الجاني فضلا عن التداعيات النفسية والصحية وشعوره بالوحدة بعد مغادرة السجن وأن التغاضي عن سلبيات الاختلاط مع بقية السجناء المحكومين بمدد طويلة في جرائم خطيرة. وقال السيد محسن الدالي قاضي تنفيذ العقوبات بالمحكمة الابتدائية بالقيروان أن طغيان البعد الانساني في تطبيق عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة وإن بدا جليا في كامل مراحلها لا يجب أن يبعث على التفكير في أن المشرّع تساهل مع من خالف القانون على حساب المصلحة العامة وذلك بالنظر إلى أنه خصّ التصريح بها على من لم يسبق له التعدّي على مصالح المجتمع وقصر تطبيقها على بعض الجرائم التي لا تكتسي خطورة بالغة وجعل وكيل الجمهورية رقيبا على تطبيقها بوصفه المدافع على الحقّ العام، غير أن تحقيق تلك الموازنة وبلوغ غاية المشرّع يقتضي من كل الأطراف المتدخلة العمل على احترام القانون المنظم لها والأحكام القاضية بها طالما أنه لا جدوى من قانون لا تطبيق له ولا خير في حكم لا نفاذ له. وقد بلغت الأحكام الصّادرة عن المحاكم التونسية والقاضية بعقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة خلال السنة القضائية الأخيرة 328 حكما مقابل 427 حكما وهي أرقام، كما قال السيد مراد القزاح وكيل الجمهورية لدى المحكمة الابتدائية بالقيروان، متواضعة رغم أهمّيتها وتحتل ولاية القيروان المرتبة الأولى من حيث عدد الأحكام الصادرة عنها بالعقوبة البديلة نظرا لما تحلّى به قضاة هذه المحكمة بالشجاعة في تطبيق التوجه الإنساني الجديد للمنظومة الجزائية وتجاوب المؤسسات العمومية التي تقبل بتشغيل المحكوم عليهم بهذه العقوبة. للتعليق على هذا الموضوع: