صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    تونس تُحرز بطولة إفريقيا للبيسبول 5    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفساد.. الإستغلال.. التشغيل.. توزيع الثروات.. الطبقية.. والنمو الاقتصادي
ملف:أي أنموذج إقتصادي نريد؟

(: التداين آلية الرأسمالية المتوحشة.. والنظام السابق جملها
لاشك أن توفير العيش الكريم للمواطن والعدالة الاجتماعية يمثلان مصدر الازدهار والاستقرار لكنهما يغيبان عن غالبية التونسيين (عملة وموظفين) لغياب العمل اللائق وعديد الحقوق في منظومة اقتصاد السوق التي تحكمها التجاذبات بين الليبرالية والرأسمالية المتوحشة، إلا أن السؤال المطروح، هو ما الحل مادمنا لم نتخل عن الاقتصاد الحرّ؟..
لرضا بوزريبة الأمين العام المساعد باتحاد الشغل (مكلف بالتغطية الاجتماعية والسلامة المهنية) موقف من ذلك عندما يقول «.. لا وجود لحل آخر ومنظومة اقتصاد السوق أو الاقتصاد الحر يجب أن تتواصل لكن الأهم هو أن يتغير منوال التنمية في اتجاه يكون فيه للدولة دور فاعل إذ عليها أن تقوم بدورها في التنمية خاصّة بالمناطق التي لم تشملها استثمارات القطاع الخاص خاصّة أن الرأسمالية لا يمكنها أن تكفل العدالة الاجتماعية ومن خلال التجربة ارتفعت نسب البطالة وغابت التنمية كما أن مفهوم السلم الاجتماعية قد تخلخل ولهذا لابد من تغيير منوال التنمية لكن لا يعني ذلك اضمحلال الرأسمالية»..
«ماكياج» الرأسمالية المتوحشة
وعن الطريقة التي يمكن بها حماية العامل وتوفير العدالة الاجتماعية يقول الأمين العام المساعد «.. القوانين هي التي تحمي كل الأطراف فالعامل لابد أن تتوفر له ظروف الشغل والصحة والسلامة بمعنى العمل اللائق من خلال تشاريع تضمن له حقوقه».
وفي علاقة بمسألة التداين الأسري أشار رضا بوزريبة إلى أن هذه الظاهرة تدخل في اطار منظومة كاملة اذ يقول «.. الاستهلاك ليس له حدود باعتبار أن المنظومة الإقتصادية تدعو الى ذلك وتسهّل التداين حتى تدور عجلة الاقتصاد وكسب المال وبالتالي فإن التداين هو أحد آليات الرأسمالية المتوحشة.. كما أن رأسماليتنا متوحشة وقد قام النظام السابق بتجميلها لكن انكشف في نهاية المطاف أنها وراء ارتفاع نسب البطالة.. وتضخم الاستهلاك واستغلال المواطن حتى في فقره فهو مجبر على استهلاك عديد المواد التي لا يقدر على توفير متطلباتها نظرا لطبيعة المجتمع الاستهلاكي».
ويرى رضا بوزريبة أن منظومة الرأسمالية المتوحشة قد تآكلت بمجرد اندلاع الثورة لذلك من المفترض ألا تعود مظاهر الفساد والرشوة لأنه كلما غابت العدالة الاجتماعية وعمّت عقلية الربح والاستغلال إلا وبرزت مظاهر الفساد والمحسوبية إذ يقول «.. من غير الممكن تحقيق الشفافية والحرية والعدل دون مواطنة والابتعاد عن الأنانية والسعي للكسب السريع».

دراسة تكشف
42 % من ألف زوج وزوجة حصلوا على قروض..
85 % من التونسيين متداينون منهم 73,3 للبنوك
جاء في دراسة أنجزها «الكريديف» حول «المال بين الزوجين والتصرّف في الدخل الأسري» وشملت ألف زوج وزوجة أن نسبا هامة تلجأ للتداين، كما تمثل مسألة ميزانية العائلة أحد أبرز اهتمامات الزوجين وحتى مصدرا للخلافات، وهو ما يتطابق مع سبر للآراء كانت أيضا أنجزته منذ فترة منظمة الدفاع عن المستهلك وبيّن أن 85% من التونسيين متداينون كما بيّنت دراسة «الكريديف» أن القروض الخاصة بالعطل والدراسة ولوازم البيت مثلت نسبة 28% من اجمالي التونسيين البنكية لسنة 2008 وهذه النسبة طبعا حسب العيّنة المأخوذة في الدراسة المذكورة...
علما وأن هذه الدراسة انطلق في إنجازها منذ سنة 2007 وتمّت صياغة التقرير النهائي في 2009... وهي دراسة بحثية تعتمد منهجية كمية وكيفية لكن لم يقع نشر نتائجها لأنها تكشف عديد الحقائق حول وضع الأسرة في تونس...
ثوابت... وعمل ميداني
وأفادت السيدة آمال الزواوي احدى المشاركات في هذه الدراسة أن المنطلقات لهذا العمل الميداني تأسّست على مسألة حساسة وهي المال باعتبار أن مصادر تمويل الأسرة قد تنوعت مع خروج المرأة للعمل... ومن بين التساؤلات كيفية توزيع أملاك الأسرة واستراتيجية التصرّف في ميزانية العائلة وما إذا كان المال يسبّب الاختلافات داخل الأسرة..؟ وشملت هذه الدراسة حديثي الزواج (لم يدركوا السنة العاشرة) ومن تجاوز زواجهم 10 أعوام...
الدراسة تناولت أيضا موضوع الاشتراك في الملكية بين الزوجين وتبيّن أن 54% من المستجوبين رافضون لها و46% مؤيدون لأنهم على دراية بمحتوى هذا القانون.
50 % من العيّنات يختلفون بسبب المال
... الدراسة شاملة وتناولت عديد المسائل بما في ذلك مسألة الحوار حول المال إذ تبيّن أنه موضوع نقاشات الزوجين إذ أثبتت الدراسة أن 89% من الذين شملتهم الدراسة يتطرّقون يوميا لموضوع ميزانية العائلة وخاصة خلال آخر كل شهر... كما تبيّن أن الخلاف حول المسائل المالية بالنسبة إلى 50% ممّن شملتهم الدراسة سببه ضعف الموارد.
«التوانسة مرهونون»
.. والثابت أن غياب العدالة الاجتماعية وتدهور المقدرة الشرائية وراء مثل هذه المسائل وله انعكاسات سلبية على الحياة الأسرية والسلم الاجتماعية وسبب رئيسي في التداين، فقد بيّنت الدراسة ذاتها التي أنجزها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة حيث أثبتت الدراسة أن الاقتراض هو سبيل تلبية الحاجيات الأسرية إذ أن 42% من المستجوبين (500 رجل و500 امرأة) حصلوا على قروض لا يتجاوز مبلغ الواحد منها 5 آلاف دينار أي قروض استهلاك... كما أن 17% ممّن شملتهم العينة حصلوا على قروض لاقتناء سيارة و13% لمجابهة مصاريف عائلية و8% لمجابهة ظروف طارئة و7% لاقتناء تجهيزات منزلية.
وتأتي البنوك في طليعة مؤسسات التمويل والجدير بالذكر أن هذه العيّنة إذا ما تم قياسها على باقي الشعب التونسي وهي نسب ذات دلالة كبرى ويؤكدها استطلاع منظمة الدفاع عن المستهلك الذي بيّن أن 85% من التونسيين متداينون ماليا 77,7% منهم للبنوك و32,3% للأقارب فضعف المقدرة الشرائية لدى فئة كبيرة وتدهورها لدى آخرين فرض هذا التداين وحكم على المواطن بأن لا يتمتع بالعطل والترفيه وحتى إن قام بذلك فإنه عن طريق التداين.

محسن البوعزيزي (مختص في علم الاجتماع(: نحتاج الى ليبرالية فكرية وسياسية وليست اقتصادية
كأي تيارفكري تثيرالليبرالية استفهام فيما يتعلّق بطروحاتها السياسية والاقتصادية بحيث نجد لبسا في مفاهيمها غيرواضح في ذهن العامة بالاضافة الى أنها تقوم على مبادىء أساسية قد لا تتوافق مع طبيعة مجتمعنا المحافظ حسب ما يعتقده البعض..وحرصا منّا على وضع الأمور في نصابها اتصلت «الأسبوعي» بالدكتور المحاضر في علم الاجتماع في الجامعة التونسية محسن البوعزيزي لتسليط الضوء على المفهوم والبحث في مدى توافقه مع خصوصيات المجتمع التونسي...
الأحزاب تعبّرعن الليبرالية السياسية
وحول ما تقدّم يقول الدكتور البوعزيزي: «ينبغي علينا لمّا يتعلّق الأمر بالليبرالية أوّلا أن نميز بين نوعين منها: ليبرالية متوازنة تثمّن قيمة الفرد في علاقته بالمجتمع، فلا تحكمه كوابح إلا الحدود التي يضعها القانون. إنّ رؤية العالم هذه قد تنسجم، ولو إلى حدّ، مع معنى الحرّيّة، حرّيّة الأفراد الذين يحقّقون وجودهم في العالم بلا قيود إلا القيود التي تفرضها قواعد القانون. وضمن هذه الفلسفة للوجود الجمعي يمكننا أن نستفيد من معاني الحرّيّة التي حرمنا منها كثيرا. وليبرالية ثانية، جامحة، متوحّشة، تتّسم بالقصوويّة في تطبيق المبدأ المعروف في الاقتصاد السّياسي الذي يقول» دعه يعمل، دعه يمر «، تذهب بالفكرة مداها وتستغل مبدأ الحرّيّة في الاقتصاد حدّ المغالاة واستغلال كل عناصر الثروة بصرف النظرعما يمكن تسميته بأخلاق الليبرالية. هذا النمط المتسيّب والمفرط من الليبرالية الاقتصادية هو الذي خلق الرأسمالية المتوحّشة التي لا تشدّها حدود، وهو الذي أفضى إلى الإمبريالية بما تعنيه من بلوغ الرأسمالية درجة الاحتكار والهيمنة على الأسواق الخارجية، وأخيرا إلى العولمة. فالليبرالية، إذن، أنواع: ليبرالية اقتصادية كلاسيكية وهي الأخطر لأنها تكرّس التفاوت وابتلاع الثروة من قبل الأقلّيّة، في حين تسحق بقية الشرائح الضعيفة تحت نعال الأغنياء وليبرالية جديدة تدخل فيها عناصرمستحدثة كالاستهلاك والوسائط التقنية للاتصال والمعلوماتية. وليبرالية سياسيّة تضمن حرّية التعبيروالرأي والانتماء والوجود لكل أفراد المدينة. وهي ههنا هيئة فكرية مبدعة وخلاّقة تأبى الثّبات على حالة واحدة، تجعل من الحريّة قاعدتها الأساس. إنّ هذه الليبرالية السياسية لا تضع قيودا في ممارسة العمل السياسي. وإنّ تطلّع أحزاب عديدة إلى الحصول على تأشيرة يعبّر بكيفية ما عن هذه الليبرالية السّياسيّة حتى وإن تناقضت المبادئ الأيديولوجية لدى بعض الأحزاب مع روح تلك الليبرالية. وإذا رمنا تحديد تاريخ ميلاد للّليبرالية، فيمكن إرجاعها إلى «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بتاريخ 1789 « إبّان الثورة الفرنسية التي أرجعت السيادة إلى الأمة عوضا عن الملك. وها هي الثورة التونسية اليوم تردّ هي أيضا السيادة إلى الشعب بعد أن كانت لدكتاتورية الحاكم بأمره.
فالليبرالية هي في خاتمة التحليل رؤية للعالم وللوجود خرجت من رحم الثقافة الغربية، وقد لا يكون من المفيد غرسها كما هي في ثقافتنا المحلّيّة، لأنّنا ونحن ننشد الحرّيّة وتسيل دماؤنا من أجلها، ونَصلُ حدّ شواء أجسامنا تعلّقا بها، فإنّنا نتعلّم من ثورتنا أن لا حرّية مع الاستغلال والهيمنة والتفاوت الطبقي الحاد، ولا حرّية لجغرافيات اجتماعية تحت الحرمان، جغرافيات لطالما أقصاها الحكم السابق وحُرمت من أبسط الحقوق الأساسية كالحق في الصحّة وفي العيش الكريم، كما حدث في سيدي بوزيد والقصرين والكاف وجندوبة والمناطق المحيطة بقفصة بقراها وأريافها الشاسعة... وبالمحصّلة فقد نحتاج في تونس، من وجهة نظري، إلى ليبرالية فكرية سياسية ثقافية تسمح برؤية جديدة للإنسان ، أما في الاقتصاد فنحن في حاجة إلى تدخّل الدولة للحد من الفروق الطبقية وتوزيع عادل للثروة ولكن دونما تكميم لرأس المال الوطني ومبادراته الحرّة، ما دامت وطنيّة».

هشام اللومي (رجل أعمال(:الشيوعيون في تونس ليسوا ضد اقتصاد السوق لكن لابد من تنظيمه
هل يمكن أن يكون رجل الأعمال وطنيا؟... ألن تطغى الرّغبة في الربح الوفير، ومنطق اقتصاد السوق وتتغلب على أهداف تحقيق العدالة الاجتماعية، إجابة عن هذه الاسئلة وأخرى قال رجل الأعمال هشام اللومي «...من المفترض أن يؤدي كل طرف دوره في المنظومة الاقتصادية وأعني بذلك الحكومة والمؤسسات وسوق الشغل لأن المهم لدينا هو أن تتقدم البلاد والاقتصاد بتوفير أيسر الطرق لتشغيل الشباب وضمان العيش الكريم وقد أكّدت التجربة أن أفضل نظام هو اقتصاد السوق لكن يجب أن يكون منظما...
كما لاحظت خاصة خلال الفترة الاخيرة أن اقتصاد السوق مقبول لدى عديد الأطراف بمن في ذلك الشيوعيون ويبقى الأهم في كل ذلك هو كيف يطبّق هذا النظام وما هو دور الحكومة ونظام الحكم المرتقب ودور رجل الأعمال والعامل والموظف فيه؟ وما أراه هو أن يكون نظاما عادلا يقوم على عدة مبادئ وهذا دور السياسيين فاليوم لدينا كل الاتجاهات والتيارات السياسية والمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي محور الانتخابات القادمة وأما عن موقفي الشخصي فأرى أنه لابد من الإبقاء على حرية المبادرة كما أن اقتصاد السوق هو أفضل اختيار للمستقبل..
وفاق وطني لإنقاذ الاقتصاد
وأما عن موقع العامل أو الموظف في نظام اقتصادي وفي ظل الوضع الحالي فيرى رجل الأعمال هشام اللومي أن ضمان حقوق الشغل لا مَحِيدَ عنه حيث يقول:« مبادئ الدفاع عن الحق في الشغل وحقوق الشغالين لابد أن تكون واضحة ولابد من تحسين الوضع والمناخ الاجتماعيين لكن علينا أيضا أن نهتم بالقدرة التنافسية للبلاد ولاقتصادنا دون أن نضر بالموارد البشرية وهذا يفرض علينا ايجاد التوازن المطلوب ونحن ننتظر انطلاق المفاوضات الاجتماعية لمناقشة هذه المسائل... إضافة الى ذلك فإن الاشكال البارز الذي ظهر هو الارتفاع البارز للبطالة فالتأثير السلبي لانسحاب الأمن إبان الثورة أدّى الى فقدان آلاف مواطن الشغل فضلا عن الازمة الليبية التي تسببت في عودة عديد العمال التونسيين، زيادة عن تعطل حركة التصدير نحو ليبيا كما لا ننسى أنه بالإضافة الى عدد العاطلين حاليا ننتظر في جوان المقبل 80 ألف خريج من الجامعات مما يعني أننا نعيش أزمة تشغيل ولهذا علينا كاتحاد صناعة وتجارة واتحاد الشغل والحكومة أن نجد الحلول لانقاذ الاقتصاد حتى لا يتضرر أي طرف وتتقدم البلاد وذلك في إطار وفاق وطني لإنقاذ الاقتصاد...».
ضعف المقدرة الشرائية والتداين
الاقتصاد الحر هو النظام المتبع منذ أكثر من عشريتين لكن رغم نجاحه بالنسبة الى المستثمرين وأصحاب رأس المال والصناعيين والتجار فإن الطبقة الشغيلة (عملة وموظفين) ظلت تراوح مكانها ولم يتحسن وضعها... وهي الأغلبية التي تمثل ما تسمى بالشريحة المتوسطة، فهل ستبقى في نفس الوضعية (ضمن المقدرة الشرائية والتداين) بعد الثورة والمناداة بالعدالة الاجتماعية والتخلص من عدد هام من رموز الفساد والرشوة والمحسوبية؟ بالنسبة الى رجل الأعمال وممثل اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لابد من النظر الى هذه المسألة من زاوية مخالفة تقوم على الحوار البناء والمطلبية المشروعة في ظل الأجواء الهادئة خاصة عندما يقول:«... لا أحد ينكر أن هذا الموضوع شائك ويحتاج الى حلول إذ علينا أن نعترف بضعف المقدرة الشرائية التي طرحت مسألة التداين فالعامل البسيط غير قادر على توفير عديد المتطلبات لذلك علينا دراسة هذه المسألة، لكن أول حل يجب اتخاذه هو انقاذ الاقتصاد فبعد أن كنا نقول لو يقع القضاء على الفساد بمقدورنا تحقيق نسبة نمو يصل 8% أصبحنا اليوم وخلال هذا الظرف نتحدث عن نسبة نمو ب 1% لكن طالما نحن في أزمات مختلفة وعلينا أيضا ألا نترك الفرصة للأجانب حتى يغادروا بلادنا ويستثمروا في أماكن أخرى باعتبار أن مؤسساتهم تستقطب ثلثي العاملين ومن مصلحتنا أن نحافظ على الاستقرار والطمأنينة ونخلق إطارا للنقاش البناء فتحقيق المطالب لا يتم بالضغط والاعتصامات والاضرابات إذ رغم أن أغلب المطالب شرعية فعلينا كمؤسسات وأطراف اجتماعية أن نبرمج منح الامتيازات الآنية الضرورية والبرمجة للبقية رغم أن عدة شركات بصدد التفاوض حاليا حسب روزنامة مضبوطة مع الاطراف الاجتماعية...من جهة أخرى اذا وجدت مؤسسات لا تعمل حسب الاتفاقيات المشتركة عليها اصلاح حالها وشخصيا كممثل لمنظمة الأعراف لا أعترف بمثل هذه المؤسسات لأن الاقتصاد الحر ليس فوضى..».
على أن كل هذا لا يمنعني من الحديث عن الدور الوطني لرجال الأعمال فأفكارهم واتجاهاتهم واضحة وأهدافهم ليست مضادة لمصالح العمال فهم يكّونون الخريجين ويوفرون مواطن شغل وتكنولوجيا.. أي المؤسسات تجلب قيمة مضافة للبلاد... وتستثمر أرباحها خاصة الشركات العائلية بما يمكّن من خلق مواطن شغل إضافية وهذا دور وطني واليوم لدينا عديد رجال الأعمال الشبان في منظمة الأعراف الذين يسعون الى خلق مؤسسات مواطنة (لها قيمة مضافة) ومسؤولة اجتماعيا...».

بلقاسم العياري (أمين عام مساعد باتحاد الشغل(:العامل يجب أن يتموقع في نظام العدالة الاجتماعية
أي موقع للمواطن بين الليبيرالية والرأسمالية المتوحشة؟ اجابة عن ذلك، السيد بلقاسم العياري الأمين العام المساعد باتحاد الشغل المكلف بالقطاع الخاص، يرى أنه لا مكان للمواطن أو العامل بشكل عام في احدى هذين المنظومتين فالاقتصاد الليبيرالي والمفهوم الليبرالي بمفهومه الغربي لا يجد فيه العامل موقعه الحقيقي تماما مثل الرأسمالية خاصّة عندما يقول.
«لابد للعامل أن يتموقع في نظام تسوده العدالة الاجتماعية وتتوزع فيه الثروات في نطاق العدالة فالاقتصاد الحر بمفهومه العام يجب أن يبنى في مجتمع المؤسسات الذي يتميز بحرية الاعلام واستقلالية القضاء... بما يمكّن من توزيع الخيرات توزيعا عادلا».
النمط المؤسساتي
الاقتصاد المتحرّر يقتضي بدوره توفر نمط المجتمع المؤسساتي وهو من وجهة نظر بلقاسم العياري ليس اقتصادا جديدا على تونس بل يتواصل اعتماده إذ يقول محدثنا «.. ليس مشكلا أن نواصل في نمط الاقتصاد الحرّ لكن يبقى الاشكال الرئيسي هو أي نمط مؤسساتي سنعتمد في ظل هذا النمط الاقتصادي فقد حدث من قبل التفويت في المؤسسات العمومية لكن لا يمكن أن يكون الاقتصاد متحرّرا إلا إذا ما توفرت القوانين والمؤسسات لحماية العامل فصاحب المؤسسّة لابد أن يضمن هامش الربح لكن دون أن يكون ذلك على حساب العملة.. وأما الدولة فهي الراعي لكل العملية باعتبارها دولة القانون والمؤسسات بالنمط الصحيح والمعنى الفعلي للكلمة وذلك حتى يحصل كل طرف على حقوقه لكن الواقع الحالي (وما كنا فيه سابقا) يؤكد أننا لسنا في دولة القانون والمؤسسات ولما نصل لبناء المجتمع الذي نريده، لمكونات المجتمع المدني دور فيه ستتحقق المعادلة ونعني بمؤسسات المجتمع كل من يعمل ويستثمر ومن ينجز قوانين تضبط حقوق جميع الأطراف.. كما أن العدالة الاجتماعية يجب أن تتوفر لتحقيق مجتمع التكافؤ والتضامن وهي ميزة تنقص بعض الأعراف حاليا لذا فالمفروض ان يكون للأعراف حسّ وطني قبل التفكير في الربح وعلينا جميعنا أن نحب بلدنا من أجل مجتمع التكافؤ..»
الفساد السياسي والاجتماعي
وأما أي سبيل يمكّن من القضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية التي تولّدها الرأسمالية المتوحشة أو غول الاقتصاد الحر قال بلقاسم العياري «.. هذا الهدف يمكن تحقيقه في ظل دولة القانون والمؤسسات الشفافة اذ لابد أن يكون القضاء نزيها ومستقلا والاعلام حرا وغير خاضع للوصاية.. بالاضافة الى مؤسسات المجتمع المدني وذلك حتى ينتفي الفساد السياسي والاجتماعي وكل من يحيد عن النهج لابد أن يحاسب»..
من جهة أخرى فسّر بلقاسم العياري أن الاتحاد العام التونسي للشغل منظمة المنظمات المساهمة في بناء المجتمع ولترسيخ هذه المفاهيم لابد أن يكون المجتمع بكل مكوناته (عمال وأعراف وموظفين).. محبا لتونس وعلى الدولة أن تفرض ذلك لأن الرأسمالية الفاحشة نمط اقتصادي فاشل ولا يؤدّي لتكافؤ الفرص بل يولّد المحسوبية والرشوة والفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.