تونس - الصباح:جدّ يوم 23 نوفمبر الجاري بالطريق الرابطة بين جرجيسومدنين حادث مرور أليم ذهب ضحيّته طفل لم يتجاوز السابعة من عمره كان يهمّ بقطع الطريق المعبّد عندما صدمته سيّارة يقودها محام ويقال أنّه أيضا مدافع عن حقوق الإنسان. ويبدوا أنّ السائق لم ينتبه لمخاطر الإسفلت ومفاجآته حتى أنّه لم يجد الوقت الكافي لاستعمال الفرامل فمات الصّغير على عين المكان متأثّرا بجراحه وقد قذفته السيارة على مسافة بعيدة حسب شهود كانوا متواجدين أثناء وقوع الحادث. كلّ هذا مفزع ويدعونا إلى مزيد التحسيس بضرورة توخّي الحذر كلّ الحذر في المناطق العمرانيّة لأنّ الضحايا في هذه المناطق هم عادة من الأطفال لكنّ المفزع أكثر أن تأخذ القضيّة في جلستها الأخيرة أمام محكمة مدنين اتّجاها يجعلنا نتساءل: هل أنّ مجرّد الانتماء إلى رابطة حقوق الإنسان أو ممارسة مهنة المحاماة أو الاتّصاف بصفة المعارض تسمح بخرق مبدا مساواة الجميع أمام القضاء؟ لا أحد فوق القانون نطرح هذا التساؤل بعد أن تجنّد للدّفاع عن سائق السيارة 18 محاميا في حين لا نكاد نعثر على محام في العديد من قضايا حوادث المرور فتضطرّ المحكمة، إذا نتجت عن الحادث جناية، لتسخير محام. فماذا وراء كلّ هذا العدد؟... هل أنّ القضيّة متشعّبة؟ لا نظنّ ذلك فالحادث فضيع لكنّه حسب المعطيات الأوليّة بسيط :سرعة - شقّ طريق - اصطدام ثمّ وفاة... أم أنّ ذلك ناتج عن انتماء المتسبّب في الحادث إلى مهنة المحاماة النّبيلة... لا نظنّ ذلك أيضا لأنّنا نعلم أنّ من نبل هذه المهنة أنّها عرفت لدى عموم الناس بمهنة الدفاع عن الأرملة واليتيم. لا ننكر أنّ من حقّ المحامي عندما يدان أن يستنجد بزملائه... يستنجد بزميل... باثنين أو حتى بثلاثة، أمّا أن ينزل إلى المحكمة 18 محاميا فهذا يعني أنّ المحامي عندما يحال على المحاكمة من أجل أفعال لا علاقة لها بمهنته فإنّ له حقوقا أكثر من المواطن العادي. لا يمكن أن نقبل هذا في بلد نصّ دستوره على أنّ «المواطنون متساوون أمام القانون»، ولا نظنّ مهنة المحاماة وهياكل المحامين تقبل أيضا بذلك. القضاء لا يتأثّر بالضغوطات ربّما هناك من يعتبر أنّ هذا الحضور المكثّف للمحامين ليس بحكم انتماء المتسبّب في الحادث إلى المحاماة بل بحكم ما أصبح يسمّى اليوم «بالنّشاط الحقوقي» أو «بالدّفاع عن حقوق الإنسان»، وإذا كانت هذه العلاقة صحيحة وقائمة فإنّ المأساة تكون أكبر لأنّ هذا يعني أنّ من يدّعي الدّفاع عن حقوق الإنسان هو أوّل من يخرق مبدا المساواة ويستبدّ به ليحصل على حقوق أكثر من المواطن العادي. إنّ المأساة بهذا الشّكل ستكون أكبر لأنّه في هذه الحال سيتأكّد لا فقط ما أصبح يُجمع عليه الكثيرون من أنّ المدافعين عن حقوق الإنسان إنّما هم يرتزقون من «حقوق الإنسان» ونستعمل الفعل عوضا عن المصدر لأنّ المصدر ربّما يوحي بالثّلب. إنّنا ننزّه المحاماة من العمل بالمبدا السّلبي «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» وننزّه المدافعين الأمناء عن حقوق الإنسان الذين برهن العديد منهم في تونس وخارجها عن نكران للذّات في سبيل الدّفاع عن حقوق ضحّت الإنسانيّة طيلة عقود من أجل إقرارها. وننزّه القضاء التونسي الذي بيّن لنا في عديد المرّات أنّه لا يحتكم إلا إلى القانون وأنّ محاولة الضّغط عليه لا تؤثّر على مجرى القضيّة لأنّ مجراها هو ما حدّده الشّعب عبر ممثّليه الذين صادقوا على القوانين.