لاول مرة تستعد تونس مهد الثورة المتأججة في العالم العربي للمشاركة في قمة مجموعة الثمانية المرتقبة الاسبوع القادم في منتجع دوفيل الفرنسي وهي فرصة ما كان لها أن تتحقق بدون ثورة الكرامة التي أخرجت الشعب التونسي من بوتقة أكثر شعوب العالم احباطا واستسلاما لليأس الى أكثرها اصرارا على كسر قيود الخوف والقطع مع تركة الظلم والاستبداد والفساد الذي أفلس البلاد والمؤسسات. ولاشك أن مشاركة تونس في هذا الموعد الذي سيجمع عمالقة الاقتصاد في العالم من شأنه أن يجعل حكومة السيد الباجي قائد السبسي الذي بدأ بالامس زيارة الى فرنسا استعدادا للحدث، في مواجهة واحد من الاختبارات التي لا يستهان بها قبل الموعد الانتخابي القادم لا من أجل تبليغ صوت تونس الى مختلف المؤسسات السياسية والمالية فحسب، ولكن أيضا لتحويل مختلف الوعود التي تسابق في اعلانها كبار المسؤولين في العالم ممن توافدوا على بلادنا منذ الايام الاولى لثورة الرابع عشر من جانفي الى واقع ملموس, وهوما يعني الدخول في حملة اعلامية وديبلوماسية مفتوحة لكسب دعم القوى الاقتصادية الكبرى وكسب ثقة المستثمرين المهاجرين والاجانب في هذه المرحلة المصيرية التي تعيش على وقعها تونس بهدف تحقيق الانتقال الديموقراطي... فليس سرا بالمرة أن التوقعات الاكثر تفاؤلا تنتظر نموا اقتصاديا يراوح بين صفر وواحد في المائة خلال السنة الراهنة نتيجة الواقع الاقتصادي المتردي بعد أن تهاوى وهم النموذج الاقتصادي للنظام السابق بما من شأنه أن يدعو للاستنفار تحسبا للاسوإ نتيجة استمرار وتيرة الاضرابات والاعتصامات وما سجل من حرق أو نهب للمؤسسات الاقتصادية التي اضطرت بدورها لاغلاق أبوابها. كل ذلك اذا ما أضيف اليه نحو 700 الف من العاطلين ثلثهم من أصحاب الشهادات الجامعية الى جانب نحو عشرين مليار أورو من الديون الخارجية فان التركة لن يكون من الهين تخفيف أعبائها أوالحد من تداعياتها الانية أو المستقبلية. أكثر من سبب اذن من شأنه أن يدعو للعمل جديا للمطالبة بالغاء الديون الخارجية أوعلى الاقل تخفيف عبئها الثقيل لا سيما وأن جزءا من تلك الديون لم يقع استثماره في مصلحة البلاد بل في خدمة فئة غارقة في الفساد استغلت ثقة الشعب لنهبه... ولعله من المهم في هذه المرحلة أن يكون للحكومة خطة واضحة ودقيقة حول الاولويات الاقتصادية المطروحة والمشاريع التنموية التي تحتاجها البلاد خلال الفترة القادمة وما تتطلبه من تمويلات ودعم للنهوض بالجهات الاكثر بؤسا بما يمكن أن يساعد على خلق فرص جديدة ودائمة للتشغيل في مختلف المجالات االفلاحية والتجارية والصناعية وقطاع الخدمات الذي تحتاجه البلاد وبالتالي استعادة ثقة الرأي العام المحلي والدولي. ان ثورة الكرامة التي أعادت لتونس موقعها على الساحة الاقليمية والدولية وأعادت للمواطن احساسه المفقود بالمواطنة وجعلت أنظار العالم تتابع بشغف هذه التجربة الناشئة للديموقراطية في العالم العربي والقطع مع ما كان يروج له بان الديموقراطية والعرب ضدان لا يلتقيان، تحتم اليوم على الحكومة الانتقالية الاستثمار في الديموقراطية فعلا لا قولا لاقناع العالم بأن في تونس شعبا يتوق الى أن يكون له موقع بين الامم الراقية...