انطلق يوم أول أمس مهرجان النسري بزغوان في دورته التاسعة والعشرين ليمتد على ثلاثة أيام فقط. ليتم بذلك تكذيب الخبر الذي روج مؤخرا ومفاده إلغاء دورة هذا العام. وقد ارتأت الهيئة المشرفة على تنظيم هذه التظاهرة، والتي يرأسها السيد رضا بن حسين وأغلب أفرادها من شباب الجهة، أن تكون هذه الدورة استثنائية من حيث أهدافها والتظاهرات التي تضمنها برنامجها لتكون مناسبة للدعوة إلى حماية الموروث الحضاري من ناحية ولفت أنظار الأطراف والهياكل المسؤولة لتيسير محاولات إيلاء النشاط الثقافي الاهتمام اللازم. فولاية زغوان، التي تمتد على مساحة حوالي خمسة آلاف كم مربع، من أكثر الجهات ثراء بالمعطيات الطبيعية والخصائص الجغرافية والحضارية مما من شأنه أن يؤهلها لتكون مميزة ولينعكس ذلك إيجابيا على اقتصاد وتنمية البلاد في المجالات الثقافية والسياحية وغيرها نظرا للموقع الاستراتيجي الهام لهذه الولاية باعتبارها محاطة بسبعة ولايات وعلى مقربة من العاصمة ومن المناطق السياحية بالشمال والوسط والساحل.
إرث حضاري شاهد على عراقة الجهة
وقد وقفنا على جانب من هذه الحقيقة أثناء تنقلنا، رفقة وفد صحفي، إلى هذه المدينة أول أمس لمواكبة افتتاح المهرجان. ولعل أبرز هذه الخصائص المميزة للجهة امتداد المساحات الخضراء والأشجار المثمرة، من بينها نبتة النسري المحتفى بها في التظاهرة، فضلا عما تزخر به الولاية من معالم ومواقع أثرية تؤكد مدى تجذر هذه الجهة في الحضارة والدور الذي لعبته في حقب التاريخ الإنساني بدءا من عهد الفينيقيين مرورا بالرومان، فكانت معالم ومواقع معبد المياه- الذي تمتد قنواته من خلال "الحنايا" إلى المدينة الأثرية بقرطاج إضافة إلى المقبرة الرومانية أو قصر المنارة على مقربة من بوفيشة والكنيسة بزغوان وتيبوربوماجيس بالفحص وغيرها من المواقع الأثرية الأخرى كالسدود والمغاور الجبلية والحدائق الغناءة بالمدينة العتيقة بزغوان خاصة تلك التي ترسخ دعائم الحضارة الأندلسية بعد أن استقر بها العرب الفارين من اسبانيا إثر سقوط الأندلس في القرن السادس عشر ميلادي. في المقابل أجمع أغلب أفراد الهيئة المديرة للمهرجان على أن ما لاقته الجهة مؤخرا من تهميش وعمليات تهديم وتخريب طالت مخزونها الحضاري شكل دافعا لأبناء الجهة، خاصة في هذه المرحلة الهامة في تاريخ بلادنا للعمل من أجل أن تحظى زغوان بالقيمة والمكانة التي تستحق لتكون هذه التظاهرة بادرة أولى في مسار التحدي حيث يقول مدير المهرجان في الندوة الصحفية التي انتظمت في إطار نفس المناسبة:" إصرار أبناء الجهة خاصة شبابها على تدارك ما فات وتقديم ما عجزت عنه الأجيال السابقة لهذه الجهة سيكون هدفنا وما حرصنا على تنظيم مهرجان النسري رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهناها إلا تأكيدا على هذا التمشي. فضلا عن الحركية التي تدخلها هذه المناسبة على الجهة في الأوساط الثقافية والتجارية من خلال برمجة عروض وأنشطة ثقافية ورياضية وتنظيم معرض للصناعات التقليدية لتكون بادرة أولى لتحسيس أبناء الجهة وزائريها ولفت نظرهم لخصوصيات الجهة من ناحية ولترغيب ودفع أبنائها للمساهمة في تنشيطها."
لطفي العبدلي وشباب زغوان للموسيقى وبندرمان في الموعد
وأكد زياد بن منصور المكلف بالأنشطة الثقافية في المهرجان أنه تم اختيار ثلاثة عروض متنوعة سعيا للتنفيس والترفيه عن متساكني الجهة بعد الضغوط التي عاشها المواطنون في الفترة الأخيرة كعرض مسرحية "مايد أن تونيزيا" للطفي العبدلي وعرض للراب يؤثثه فرقة شباب زغوان للموسيقى وسيكون الموعد اليوم مثلا مع بنديرمان. أصبحت حاجة الجهة إلى إقامة متحف أثري لحماية المخزون الأثري والحضاري الذي لم يسلم من النهب والسرقة والإهمال ملحة إذ يقول رضا بن حسين :" حوالي 645 قطعة أثرية أُخِذت من المواقع الأثرية التابعة لولاية زغوان وتم وضعها بمتاحف أخرى كمتحف باردو ودار الآثار. كما أن أغلب هذه المواقع لم تحظ بالاهتمام اللازم من الهياكل المختصة الجهوية أو الوطنية، في حين كان أحرى أن يتم بعث متحف بالجهة يمكن من تشغيل الكفاءات المختصة بالجهة ويحمي تراث بلادنا الذي يمكن استغلاله في تنشيط السياحة بها". إضافة الى ذلك طالب بعض أبناء الجهة بضرورة بعث مركز ثقافي تابع للولاية بما يمكن من استقطاب الكفاءات والمواهب بالجهة وبالمناطق القريبة منها ليساهم في بعث قطب ثقافي من شأنه أن يخفف من عبء الضغط على المؤسسات والهياكل الثقافية بالعاصمة نظرا لتوفر كل ممهدات إنجاح هذه البادرة حتى تساهم في بعث حراك ثقافي واجتماعي واقتصادي بنقطة عبور هامة تربط مختلف الجهات.