لم تفد الدعوات المتكرّرة إلى تكريس مبدأ الحوار البناء ، والتعقّل وعدم التسرّع ، بل يبدو أن العكس هو الّذي أصرّت الأطراف الفاعلة في الشأن القضائي عموما على تكريسه. والغريب أن الإرتطام "بجدار الخطأ" لا يثني المخطئ عن مواصلة التصارع مع نتاج خطاه، و لا يجعله يراجع نفسه أو يعدّل ما يمكن تعديله لتحقيق الهدف الذي يرجوه. لذلك لم يعدّل المساكون بسلطة القرار العلني والمعلن ، توجّهاتهم رغم الفشل الملموس الّذين حصدوه . فالنّداء بعد 14 جانفي الدّاعي إلى عقد مؤتمر إستثنائي لجمعية القضاة التونسيين بهدف التجميع و الإنخراط في مسار جديد ، لم يُسمع ، و النتيجة حصول شرخ و بعث نقابة جديدة، أبدت في البداية تبنيها لخطاب رصين ، ثم ّ أفضى نقص التجربة في العمل النقابي والجمعياتي إلى تبنّي خطاب وًصف بالحدّي و التصعيدي و الموتّر للعلاقات . و بخصوص المحاماة لم تفد الدعوة إلى فصل المهني عن السياسي ، ورغم أن فضاء العمل الحزبي و الجمعياتي أصبح متاحا و تكاد تنعدم فيه القيود ، فإنّ نشوة التخلّص من الكبت والقيود الّتي ميّزت المناخ العام ، جعل البعض يرتمون كما اتفق لشق "عباب الحرية" إلى أن بدت بوادر "الإعياء والتعب " فإختلطت السبل على بعض المحامين إلى درجة أن البعض نسوا الصفة الّتي يتواجدون بموجبها صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة ... وإن تحزّب بعضهم علنا و قانونيا ، فإنهم بقوا يفضّلون إستعمال العباءة السوداء لمصارعة الثيران "الحمراء" أو "البنفسجية "على حد سواء. و بعد أن إستبشر الجميع بأن العهد السّابق قد ولّى ، و بأن الهياكل المهنية ستعود إلى العمل بشفافية و نجاعة ، خاب الظن و بدت الأجندات الخاصّة تحلّ محل متطلبات المصلحة العامّة، وأصبح الشأن المهني، حسب رأي البعض، أحيانا خارج الإهتمامات. كما يلاحظ المتابع أن بعض العقارب عادت إلى الوراء ، لمناقشات كان الجميع يعتقد أنّها حسمت ، ولكن كما سبق أن لاحظت في هذا الركن في 3 أفريل الماضي ، أن بعض العدّادات بقت متعطّلة ومتوقّفة على السنوات السبعين .والخوف ، أن يسود هذا المناخ ، لعجز ذاتي في التجاوز، يكون قابلا للإستغلال من الأطراف في الدّاخل و من الخارج لرغبة منهم في السعي لإفشال التجربة التونسية .لذلك تجدر الدعوة مجدّدا للإهتمام بأمهات القضايا ، وتحمل جميع الهياكل لمسؤولياتها ، لإرساء حوار بنّاء ، بعيدا عن الغوغائية . كما تجدر الإشارة إلى أنه حان الوقت لتتوقّف موجة سعي البعض للمبالغة في الظهور من أجل كسب إهتمام عابرللرأي العام ، والسعي إلى الإنخراط في الأعمال الجادّة الّتي تنفع الناس. النصوص، شرعت لتطبق.. عندما إطلعت على "التذكير" الكتابي الملصق على بلور شبابيك الدّوائر المدنية بالمحكمة الإبتدائية بتونس والمنبّهة إلى التقيّد بمقتضيات الفصل 72 من مجلّة الإجراءات المدنية المتعلّق بضرورة تقديم أصل العريضة والمؤيّدات لكتابة المحكمة قبل تاريخ الجلسة بسبعة أيام ، تبادر إلى ذهني أن نيّة تطبيق النصوص القانونية كما يجب قد تمّ إرساؤها. وهو أمر محبّذ ، ولكن بشرط تطبيق جميع النصوص و توحيد تطبيقها على جميع المحاكم دون إستثناء ، و إشعار هياكل المحاماة بهذا التحوّل حتى لا يتضرّر المتقاضي ممّا درجت الدّوائر القضائية على إعتماده . نعم النصوص القانونية شُرّعت لتطبّق على الجميع ، فليكن كذلك. بداية ...؟ بطاقة الإيداع الّتي أصدرها قاضي تحقيق المكتب الثامن بالمحكمة الإبتدائية بتونس ضد أحد القضاة السابقين، جعلت البعض يخمّنون في مراحل التحقيق القادمة الّتي من المفترض أن تكشف حقائق تتعلّق بأطراف أخرى لها ضلوع في التهم المنسوبة للمظنون فيه والحال أن تهمة الإرتشاء والبعث على ذلك تستوجب بطبيعتها وجود طرفين أو أكثر. وما يمكن الخروج به بعد مثول المعني أمام التحقيق، أن الإشاعات الّتي تواتر ترديدها حول فرار المظنون فيه ونسج القصص حول ذلك، يؤكّد سهولة بث الأخبار الزائفة والإنخراط السريع للعديد من الأطراف في تغذية تلك الإشاعات والمس أحيانا بنزاهة بعض الأجهزة في التعامل مع بعض الملفات .والترحيب ببداية المحاسبة ، لاتعني التشفّي، وإنّما في ذلك إعلان لبداية مرحلة جديدة يرجى أن لا تستثني أحدا خاصّة ممّن ظلم أوإعتدى على حقوق وحريات الأفراد وإستحوذ على مال البعض بالباطل. ولتكن المحاسبة رحيمة، إذا ردّت الحقوق إلى أصحابها و عوّض المظلوم عماّ لحقه من مظالم. وفي كل ذلك بداية لتطبيق بعض مبادئ العدالة الإنتقالية. ردود فعل التسخير أثارت مسألة تسخير بعض المحامين للدفاع عن المخلوع تعاليق كثيرة ، لا تتعلّق بمبدأ حق الدّفاع الّذي يجب أن يتمتّع به كل متهم، وإنّما بهوامش أداء هذا الواجب و ما يقتضيه من أمانة ورصانة. فما قيل وما نقل من تصاريح، إعتبره البعض غير جدّي وتجاوزا لا يليق جعل البعض يطالبون الهياكل بفتح ملفات للمتجاوزين حسب ما أكّده لنا مصدروثيق. فقد بلغ للفرع الجهوي للمحامين بتونس فاكس من مكتب محاماة بلبنان يتضمّن سند التوكيل الّذي أسنده المخلوع لهذا المكتب مصادق عليه من طرف القنصلية العامّة اللّبنانية في جدّة.وإستنادا إلى هذا التوكيل أكد المكتب المذكورأنّ موكّله "لا يعترف إلاّ بدفاع يتولّى تعيينه عن إختياروقناعة منه لتولّي النزاع عنه في الإثبات.." و لكن بما أن المحكمة قالت كلمتها، فللمحكوم عليه أو للمحامي الّذي إختاره أن يعترض على الأحكام الّتي صدرت ضدّه طبق إجراءات القانون التونسي . التساخير اللاّحقة أفادنا مصدر من فرع تونس للمحامين أنّه خلافا لما فهم من بعض التصاريح الصحفية فإن التساخيرالسّابقة الخاصّة بقضايا المخلوع وزوجته قد إنتهى مفعولها بصدورالأحكام فيها. وبخصوص القضايا الّتي سوف تنظر فيها المحكمة الإبتدائية بتونس والمحكمة العسكرية والمتعلّقة بالمخلوع ومن معه والّتي لم تعيّن بعد ، فقد دعا رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس، "كافة المحامين الرّاغبين في التسخير الإتصال بكتابة الفرع لتسجيل أسمائهم، علما وأن هذه القضايا سوف يتمّ النظر فيها خلال العطلة القضائية ." كتاب جديد صدر عن مركز الدراسات القانونية والقضائية كتاب بمناسبة إحياء ذكرى وفاة المرحوم القاضي محمّد صالح العيّاري تضمّن 21 مقالا قانونيا في فروع قانونية مختلفة بقلم عدد من القضاة والمحامين في حولي 580 صفحة. وكان تقديم الكتاب بقلم السيد زهير إسكندر المدير العام لمركز الدّراسات القانونية والقضائية، الّذي أعطى في 3 صفحات، نبذة سريعة عن حياة المرحوم محمّد صالح العياري.