يسعى اليوم بعض الفاعلين السياسيين إلى طرح موضوع تعريب المناهج العلمية والبرامج التربوية في جميع المستويات (الى جانب تعريب بعض العلوم الصحيحة) على طاولة النقاش. وهي خطوة يراها القائمون على الشأن التربوي بمثابة "الضربة القاضية" على حد تعبير احدهم استنادا إلى أنها تضرب عرض الحائط حاجيات سوق الشغل لا سيما في ظل العولمة التي تؤشر لضرورة الاقتداء فضلا عن ان لغة العصر وبورصة الشغل يقتضيان التفتح على اللغات وامتلاك جميع الوسائل والتقنيات الحديثة. في تعليقه عن هذه المسالة يشير السيد عمران بخاري (خبير تربوي) إلى أن هذا الطرح الذي أثار حفيظة البعض كما أثار إعجاب البعض الاخرلا يمكن أن يكون مجرد قرار سياسي فهو ليس مسؤولية حزب أو قيادة وإنما تعود بالنظر إلى إطارات مختصة إلى جانب سلطة الإشراف كما تقتضي تشريك جميع الأطراف التي ستتلقى نتائج التعريب كالقائمين مثلا على منظومة التكوين المهني وسوق الشغل إذ لا بد أولا من تقييم للوضع الراهن عبر دراسات حقيقية تؤشر لتقييم حقيقي. وأضاف في نفس السياق انه لا بد من التساؤل من المؤهل للخوض في هذه المسالة هل هي وزارة التربية أو التعليم العالي أم منظومة التكوين المهني؟ ولا بد في هذا الصدد أن تتولى سلط مختصة ومحايدة الخوض في هذه المسالة. وفي جانب آخر يتساءل الخبير ماهو مال اللغات الأخرى التي تمثل نافذة على الحداثة بمعنى التكنولوجيا والقيم والحضارة. وخلص الى القول انها عملية خطرة ستسهم في الجذب الى الخلف فضلا عن انعكاساتها على سوق الشغل التي تتضمن قطاعات تتطلب تكنولوجيا عالية في حين أنها تبقى قضية لا يمكن طرحها من منظور سياسي أو حزبي كما انها تمثل طرحا مشبوها لا يكشف عن كل الحيفيات فهنالك العديد من جوانب الظل التي لا بد ان تطرح على طاولة نقاش حقيقي.
اي جدوى من التعريب؟
من جهة أخرى يرى الباحث في علم الاجتماع التربوي السيد طارق بلحاج محمد أننا نعيش عالما مفتاحه اللغات وعديدة هي المجتمعات التي تريد تدريس الصينية ضمن مناهجها التربوية لا لشيء إلا أن أكثر من مليار يتكلم هذه اللغة في حين تطرح تونس اليوم مسالة التعريب والحال أن المشكل ليس في التعريب في حد ذاته وإنما في ماهية المضامين التي ستعرب فهل تستحق العلوم الحديثة أن يبذل فيها مجهود للتعريب علما أن المرحلة الابتدائية والإعدادية معربة؟ ومع ذلك فان مستوى الخريجين دون المأمول على مستوى اللغة الأم. وأشار في السياق ذاته الى أن مشكل التعريب في تونس طالما طرح من وجهة نظر سياسية فهو يمثل مناورة سياسية أكثر منها رغبة في المحافظة على الهوية. ويبقى الخوف أن يكون هذا الطرح سياسي ودعائي لأشخاص تسوق نفسها على أنها حماة الهوية وأن يكون بعيدا كل البعد عن المنظومة التربوية التي تحتاج الى تغيير في المضامين التي تدرس أكثر من حاجتها الى التعريب. من جهة أخرى تساءل بلحاج أي علاقة للتعريب بسوق الشغل اليوم؟ وكيف سيسوق في إطار حضاري واقتصادي واجتماعي؟ فمن المؤكد انه سيعاد إنتاج التخلف بالعودة الى قضية التعريب في هذا الوقت. وختم بلحاج بالقول:" لقد وقع الاستخفاف بالتعريب باسم الحداثة ولا يجب الآن ارتجال عملية التعريب باسم الأصالة لأنه في الحالتين إساءة له كما انه لا بد أن يكون النقاش أعمق حول المضامين الدراسية وليس حول بأي لغة ندرس"؟ و قبل التمشي نحو التعريب يجب أن نقيم سياسات التعريب السابقة بما فيها التعريب القائم الآن وخاصة في الابتدائي والثانوي وندرس نتائج سياسات التعريب وخاصة في المشرق العربي وأن نتساءل عن جدواه الاقتصادية في علاقة بسوق الشغل في عالم مفتوح. فاذا كانت الازدواجية اللغوية في التعليم لم تعط نتائج جدية في مستوى الخرجين فما بالك لو اعتمدنا على لغة واحدة لا يتكلم بها سوى بعض المئات من الملايين في العالم نصفهم أميون- ويبقى السؤال المطروح من وجهة نظر الباحث في علم الاجتماع التربوي هل يمكن تامين اقتصاد منفتح على العالم بمنظومة تربوية منغلقة على نفسها؟ خصوصا وأن لغة العلم والتقنية هي لغات اجنبية لا يكفي مجرد ترجمتها الى العربية لنقول اننا تقدمنا. أما لإعادة الاعتبار للغة العربية يجب أولا النهوض بكل مؤسسات المجتمع وهياكله فاللغة العربية لا يعاد لها اعتبارها إلا عندما يعاد الاعتبار للإنسان العربي أولا وإلا عندما يتقدم هذا المجتمع ويصبح منتجا للمعرفة والتقنية بلغته الخاصة لا مترجما ومستهلكا لها.
بلد منفتح
ومن جهته يبين السيد محمد البوصيري البوعبدلي (صاحب مؤسسة تعليمية خاصة) انه ضد مسالة التعريب مضيفا انه من الافضل العمل على تحسين هذه اللغة والعمل على الانفتاح على باقي اللغات خاصة أن العالم يتطور بسرعة فائقة وأمام البلاد تحديات كبيرة في المستقبل ولا سبيل للرجوع الى الوراء خاصة أننا منفتحون على العالم الأوروبي. ومن هذا المنطلق فاننا نطالب بتدريس 3 لغات مع المحافظة على الهوية العربية الإسلامية.