نجحت المسيرات العمالية التي انتظمت امس بالعاصمة في جمع كل فئات المجتمع التونسي وخاصة الفئات العمالية والنقابيين والسياسيين.. وقد امتلأ «لافيني» على طول الطريق ذهابا وايابا وقدر عدد المتظاهرين بأكثر من 40 ألف متظاهر.. وقد أجمع كل من تابع مسيرة اتحاد العام التونسي للشغل التي جابت شارع الحبيب بورقيبة انطلاقا من ساحة محمد علي على نجاح المسيرة ودقة التنظيم، خاصة أن مسيرة الاتحاد ساندها ورافقها ودعمها نقابيو الاتحاد ومنخرطوه واحزاب سياسية ونشطاء من المجتمع المدني.. ورغم حضور لافت لأنصار حركة النهضة ومتعاطفين مع حكومة الائتلاف ومع عدة أطياف سياسية أخرى وآلاف المواطنين بشارع الحبيب بورقيبة، فإن المسيرة خلت من أي مظهر من مظاهر العنف او الاستفزاز المجاني، باستثناء بعض المناوشات الصغيرة الضيقة هنا وهناك.. فقد احترم الجميع بعضهم البعض، فكان المشهد أشبه بمهرجان شعبي احتفالي امتزجت فيه الألوان والأطياف والأشكال والتعبيرات المختلفة ورفعت فيه شعارات عمالية وسياسية متباينة لكنها خلت من التهجم والعنف اللفظي أو الانتقاد الحاد للحكومة او للمعارضة... ولم تطمس التعبئة الهامة والحضور الجماهيري الضخم الذي اتسمت به المسيرة الاحتفالية للاتحاد العام التونسي للشغل بعيد العمال العالمي حالات الاختلاف الفكري والسياسي التي يعيشها المجتمع التونسي.. فرغم أن الجميع قد شارك أمس في المسيرة تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل وتبنى مسار الشغيلة النضالي وكل أسماء مناضليه ( فرحات حشاد محمد علي الحامي، الحبيب عاشور، أحمد التليلي، حسين بن قدور...) إلا أن الصراع الفكري والسياسي لأغلبية المشاركين بدا طاغيا على المشهد العام للمسيرة. في حين دعا البعض الحكومة إلى التحكم في الارتفاع المتواصل للأسعار وفتح ملفات القناصة وشهداء الثورة والفساد والتعجيل بإيجاد حلول لمعضلة التشغيل، اعتبر البعض الآخر أن هذه الحكومة حكومة شرعية ووحدة وطنية وليس من حق أيا كان توجيه النقد لها ففي ذلك معارضة للشرعية الشعبية.. فقد اعتبر محمد القوماني الأمين العام لحزب الإصلاح والتنمية « أن حالة الانقسام والتجاذب بالعنف مازال موجودا في صفوف التونسيين رغم أننا كنا نتمنى أن تكون غرة ماي مناسبة للتجميع لا التفريق خاصة بعد دعوة الحكومة وحركة النهضة إلى التفاف كل التونسيين حول منظمتهم، اتحاد الشغل يوم الاحتفال بالعيد العالمي للعمال..» من جانبها رأت نجيبة الحمروني نقيبة الصحفيين التونسيين أن غرة ماي قدمت أحسن مشهد عن المجتمع التونسي فقد حضرت جميع الأطياف السياسية والحقوقية يجمع بينهم همّ مشترك وهو التشغيل، وذكرت أن نقابة الصحفيين انطلقت بدورها في حملة مناهضة للتشغيل الهش للصحفيين واتفقت مع نقابة الثقافة والإعلام التابعة لاتحاد الشغل على توسيع هذه الحملة في إطار عمل مشترك. وأشارت المحامية راضية النصراوي (جمعية مناهضة التعذيب) أن مسيرة اتحاد الشغل سلميّة غاب فيها البوليس القمعي والغاز المسيل للدموع حضرت فيها جميع الانتماءات كل ينادي بشعاراته الخاصة دون استفزازات تذكر. ووصف سعيد العايدي عن الحزب الجمهوري المسيرة ب»الناجحة» عكست حقيقة الشعب التونسي الذي يتكون من خليط قادر على التعايش. ودعا أعضاء المجلس التأسيسي إلى إعطاء أولوية لملف التشغيل والتنمية الجهوية.
من ساحة محمد علي
وكان حسين العباسي أمين عام اتحاد الشغل قد قدم في جو حماسي كلمته بمناسبة عيد الشغل بعد الكلمة التي ألقاها كل من ممثل اتحاد الشغالين الفرنسي وممثل النقابات العمالية الفرنسية.. كلمة جمعت في الوقت نفسه بين الشأن النقابي والشأن العام فقد أكد العباسي على الدور الذي يحتله العمال في عجلة الاقتصاد وفي تحقيق التنمية وقدرتهم على وضع حد لغطرسة رأس المال وصمود الاتحاد أمام كل محاولات الإطاحة به أو إضعافه، وذكّر بأن من مشمولات المنظمة العريقة الحفاظ على ثورة الشعب التونسي والعمل على تحقيق أهدافها. وأشار العباسي أن الاتحاد قام مؤخرا بمعاينة حالات تعدي على حرية الصحافة وعدد من المناضلين الحقوقيين والنقابيين، كما لمس مساع للتفرد بالقرار والتهافت على مواقع القرار، مؤكدا أنه لن يسمح من موقعه بحياد مسار الثورة أو الانتقال الديمقراطي وسيقاوم كل محاولات التفريق أو إعادة إنتاج الاستبداد مطالبا الحكومة بالتخلي على عمومية الخطاب أو المباشرة دون تلكؤ وتردد في توفير الشغل للعاطلين وتكثيف الاستثمار في المناطق الداخلية.
مكاسب جديدة
تجدر الإشارة إلى أن العباسي أعلن خلال كلمته الاتحاد وفق في تحديد الأجر الأدنى الفلاحي والصناعي، كما توصل إلى الاتفاق مع الحكومة المؤقتة الحالية على إمضاء الاتفاقيات 144 و151 و154 الخاصة بنقابة التعليم الثانوي دون أي تحفظات كما بيّن أن الاتحاد سيعمل على الإسراع في إنهاء المفاوضات الاجتماعية وحث الحكومة على إيجاد السبل المثلي للتحكم في القدرة الشرائية والأسعار. والتقى أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل خلال تقدم المسيرة على مستوى شارع الحبيب بورقيبة بوزير الداخلية وبعدد من الوجوه السياسية والحقوقية التي عبرت عن مساندتها للمنظمة الشغيلة ومشاركتها احتفالها بالعيد العالمي للشغل.