ذلك هو حال الوطن والمواطن هذه الأيام .. إنهما واقعان بين نارين.. نار الاحتجاجات والاعتصامات الموقدة.. ونار الأسعار المتأججة... نعم، ذلكم هو المشهد في عمومه في تونس اليوم للأسف نيران هنا.. ونيران هناك.. وبين هذه النار وتلك، تحترق مبان وتتعطل مصالح وتضيع فرص عمل من جهة وتضعف، بل وتتدهور، المقدرة الشرائية للمواطن البسيط من جهة أخرى. الغريب أن لا أحد من التونسيين «تجرأ» واحتج على فوضى الاحتجاجات والاعتصامات، واللعب بالنار والوطن.. لا أحد فعل ذلك وكأن الجميع واقع تحت تأثير «مخدر» غريب اسمه.. الانتظار... انتظار أن تأتي ربما هذه النيران وكما يريد ذلك البعض على ما تبقى من مقومات هيبة الدولة، ويعمّ الانفلات ونعود بالتالي الى «المربع الأول»، حيث يصبح كل «شيء» ممكنا من جديد.. بما في ذلك عودة الدساترة والتجمعيين، ولمَ لا بن علي نفسه؟ أو أن ننقلب كمجموعة وطنية على خيارنا الديمقراطي، ونعود القهقرى الى زمن القمع والقهر والدولة البوليسية، فيجد وقتها البعض «راحتهم» وتعود لهم امتيازاتهم التي أفقدتهم إياها ثورة 14 جانفي وانتخابات 23 أكتوبر.. أو أن تتحرك في النفوس فتنة العروشيات والجهويات البغيضة، فتكون الردة الاجتماعية وننتكس كتونسيين الى حيث لا وطن ولا مدنية، وإنما الى جاهلية القبليات والعصبيات بمختلف أشكالها وتجلياتها.. ماذا عسانا ننتظر ونحن نشاهد يوميا ثورتنا الغالية ومشروعنا الاصلاحي الديمقراطي يُستهدف بغاية اجهاضه؟.. لماذا نصمت فيما يشبه الخيانة لأنفسنا وثورتنا ودماء شهدائنا على هذا الخطر الذي مصدره ويا للمفارقة نحن؟! لماذا يستمرئ البعض منا هذا الوضع الكارثي، بل ويسعى من أجل إدامته وتعميقه؟ هل هو العمى الايديولوجي الذي يطال القلوب والأبصار؟ أين الوفاء لدماء الشهداء؟.. أين الوطنية؟ هل من يقظة ضمير جمعية تعيدنا قبل فوات الأوان الى حيث يجب أن تعيدنا.. الى الالتفاف حول الوطن، ولا شيء غير الوطن؟ إن ثورة 14 جانفي العظيمة، باتت مهددة بفعل هذا الانفلات الأمني المشبوه.. وكذلك مشروع الدولة الديمقراطية.. دولة العدل والحقوق والحريات.. فإما أن نتحمل كمجموعة وطنية مسؤوليتنا التاريخية، ونحميها ونحمي مكتسباتنا، وإلا فإن التاريخ سيكتبنا مع.. الخونة والجبناء... ثم، ماذا تنتظر الدولة ومتى ستتحرك أجهزتها وتتحمل مسؤوليتها كاملة وبشجاعة؟ لماذا هذا التردد.. وماذا يعني التمديد في حالة الطوارئ بالبلاد، اذا لم يكن من أجل تجنيبها حالات الفوضى، وكل أشكال التعدي على السلم الاجتماعي وأمن الناس والممتلكات الخاصة والعامة؟! لنحزم أمرنا جميعا.. ولتكن الكلمة للقانون، وليس للفوضى تحت أي مسمى..