كان هناك شبه اجماع أو قل هو الاجماع ذاته، اثر الثورة على ان من أهم استحقاقاتها اصلاح الاعلام والقضاء اذ انهما كانا بالاضافة الى الأمن الأدوات الثلاث الرئيسية التي استعملها النظام البائد في ارساء وتقوية دعائم حكمه الدكتاتوري المافيوزي ولم يكن يتسنى له ذلك الا بعد ان نجح في تطويع هذه الهياكل الثلاثة تطويعا مطلقا وفي افسادها افسادا شاملا فقد غدا الامن اداة ارهاب وقمع وتنكيل ومسخرا لخدمة «بلاط حاكم» على حساب المجموعة الوطنية والقضاء اداة افتكاك للحقوق وتسليط المظالم اما الاعلام فانتهى الى ان يصبح قسم منه بوقا للدعاية الفجة وهتك الاعراض وقسم آخر للتلهية والتمييع والتجهيل والتسخيف وقسمه الباقي لهذا وذاك. واليوم وبعد عام ونصف على الثورة لا يسع المرء الا ان يستنتج بكل مرارة اننا بقينا تقريبا في نقطة الصفر وبدأ يتأكد من يوم لآخر غياب ارادة حقيقية للاصلاح الشامل والجذري وخصوصا في قطاع الاعلام بل يمكن القول أيضا ودون ادنى مبالغة او تجن ان الوضع زاد سوءا في بعض أوجهه فالمكسب الاساسي للثورة والوحيد الذي ربحه القطاع وهو الحرية نراه بصدد التحول الى انفلات غير مسبوق «متميز» بالرداءة وانتهاك الاعراض والشتم والقذف والبذاءة كما ان عديد العناوين الصحفية التي رأت النور بعد الثورة تفوح منها رائحة المال القذر للعصابات البنعلية الطرابلسية. اما «القائمة السوداء» للصحفيين المخبرين فقد قبرتها وزارة الداخلية قبرا لم تلحق المساءلة من تمعشوا من أهل القطاع صحفيين واصحاب وسائل اعلام من أموال المجموعة الوطنية دون وجه حق. اما المشهد السمعي والبصري فقد لحقته بدوره عدوى الفوضى.. فأصبحت القنوات تنشأ كالفقاقيع دون ان يعرف من يقف وراءها ولا جهات تمويلها كما ان التعيينات والاقالات في القطاع العمومي تؤكد ان السلطة الحالية تصر على اعتباره «قطاعا حكوميا» احب من احب وكره من كره وفي نفس الوقت تواصل السلطة تجاهل المطالبات الداخلية والخارجية لتفعيل المرسومين عدد 115 و116 مستثمرة على ما يبدو الفراغ التشريعي الحالي حتى لكأنه يخدم اهدافا لها خفية وغير معلنة: وإن «رمي» هيئة اصلاح الاعلام «للمنديل» امس باعلانها عن وضع حد لعملها اتى ليؤكد هذا الانطباع وليؤكد بصفة لا لبس فيها خطورة الوضع الحالي. فالاعلام هو ام الحريات والضامن لممارسة كل الحريات الأخرى وهو حجر الاساس في بناء المجتمع الديمقراطي التعددي الحقيقي وان فترة ما بعد الثورة مباشرة هي الانسب لاصلاحه وتخليصه من الشوائب العالقة به وان اضاعة الفرصة حاليا هي خطوة نحو المجهول، نحو عودة الدكتاتورية او اطلالة شبح الفوضى والتفتت.