الأستاذة ثريا أحمد التيجاني ل«الصباح»: «عيب النظام البرلماني.. تركيز السلطة بيد رئيس الوزراء» --- اتسعت رقعة الجدال حول اختيار النظام السياسي لتونس ما بعد الثورة، داخل المجلس الوطني التأسيسي بداية الأسبوع الجاري على خلفية التصويت بأغلبية من ممثلي كتلة النهضة على اختيار النظام البرلماني أثناء جلسة لجنة السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والعلاقة بينهما التي انعقدت يوم 3 جويلية الجاري، فكان الخلاف على أشده بين ممثلي كتلة النهضة وكتلة المؤتمر من أجل الجمهورية. بعيدا عن التجاذبات السياسية والجدل القائم بالمجلس الوطني التأسيسي، ارتأت «الصباح» أن تُعرّف بالأنظمة السياسية في جانبها القانوني بإبراز خصوصيات كل نظام بإيجابياته وسلبياته، فكان اللقاء التالي مع ثريا أحمد التيجاني مختصة في القانون العام حيث قالت «قبل الحديث عن التعريفات من المهم أن نفهم ما معنى النظام السياسي؟ فالنظام السياسي يُعرّف بكونه جملة القواعد القانونية والمؤثرات الواقعية التي تحدد تنظيم المؤسسات السياسية والعلاقات بينها وممارستها للسلطة السياسية في دولة ما». الفصل المرن أضافت الأستاذة التيجاني «يعتبر النظام السياسي أشمل من النظام الدستوري الذي يتوقف على دراسة المؤسسات والقواعد التي نصّ عليها الدستور، إذ أن دراسة القواعد القانونية عامة والدستورية خاصة لا تكفي لفهم حقيقة سير الحياة السياسية داخل الدولة، حيث توجد مؤثرات واقعية ومؤسسات لها دور في التأثير على الحياة السياسية مثل الأحزاب وجماعات الضغط في بعض الدول». وتُبوب الأنظمة السياسية إلى «نظام برلماني»، «نظام رئاسي» و»نظام مختلط»، فالنظام البرلماني يقوم على «الفصل المرن بين السلط السياسية مع التوازن الإيجابي بينها» ويعنى «بالفصل المرن بين السلط إمكانية التداخل بين السلط في مستوى الهياكل وإمكانية التعاون بينها على مستوى الوظائف» أما فيما يتعلق «بالتوازن الإيجابي فهو توازن يقوم على الفعل أي بإمكان البرلمان أن يجبر الحكومة على الاستقالة في حين أنه يمكن للحكومة أن تطلب من رئيس الدولة حل البرلمان للدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها». وأضافت الأستاذة التيجاني « تتمتع كل من السلطة التشريعية والتنفيذية في النظام البرلماني بوسائل مراقبة» فبالنسبة لمراقبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية «نجد أربع وسائل، أولا الأسئلة الكتابية والشفاهية، ثانيا لجان البحث والتحقيق، ثالثا الاستجواب، ورابعا لائحة اللوم» وفي المقابل «تتمتع الحكومة بثلاث وسائل أساسية للضغط على البرلمان، وهي أولا توجيه العمل التشريعي، ثانيا طرح مسألة الثقة، ثالثا حق حل البرلمان». وأضافت الأستاذة التيجاني «من المفروض أن يؤدي اللجوء إلى وسائل الضغط هذه إلى تكريس مبدإ التوازن بين السلطتين لكن هذا التوازن لم يتحقق واقعيا وفعليا لا في بريطانيا مهد النظام البرلماني ولا في الدول الأخرى التي تأثرت بالتجربة البريطانية مثل إيطاليا وألمانيا». التخصّص الوظيفي أما في ما يتعلق بالنظام الرئاسي فهو «يقوم على التوازن بين السلط السياسية أي أنه بخلاف النظام الرئاسوي لا يقر سيطرة مؤسسة رئيس الجمهورية على بقية السلطات»، وبينت «يرجع ظهور النظام الرئاسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية بمقتضى دستور 1787، والذي يبرز من خلاله تأثر واضعي الدستور بأفكار فلاسفة الأنوار وخاصة بمبدإ الفصل بين السلط والحكومة المقيدة والتداول على السلطة، كما تأثر واضعو الدستور بواقع النظام السياسي في بريطانيا». وأوضحت الأستاذة ثريا التيجاني أن «النظام الرئاسي يقوم على مبدأين، أولهما التأويل الصارم لمبدإ الفصل بين السلط ويعني السعي قدر الإمكان للفصل بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية من خلال الاستقلال الهيكلي بين السلط ومبدإ التخصص الوظيفي» وثاني المبادئ في النظام الرئاسي هو «التوازن السلبي بين السلط ويعني وجود وسائل التأثير بينهما والتي لا تقوم على الفعل مثلما ما هو الشأن في النظام البرلماني بل على الامتناع، فكل ما توفرت وسيلة في يد السلطة إلا وتوفرت إمكانية توقيفها من السلطة الأخرى، فمثلا لا يمكن للرئيس الأمريكي حل الكونغرس، لكن إذا لم يكن له الحق في تقديم مشاريع القوانين فإنه يستطيع استعمال حق الفيتو أي رفض ختم مشروع القانون مما يجبر الكونغرس، إن كان متمسكا بإصدار القانون على إعادة التصويت عليه بأغلبية ثلثي أعضائه». أما بخصوص النظام المختلط ، فقد بينت الأستاذة ثريا أحمد التيجاني أن «أنظمة المزج تأخذ من النظام الرئاسي انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام المباشر مع منحه صلاحيات تتجاوز عادة صلاحيات رئيس في دولة ذات نظام برلماني، وتتبنى من النظام البرلماني جهاز حكومة تتكون من رئيس وزراء ووزراء متضامنين، فتكون الحكومة مسؤولة أمام مجلس نيابي منتخب مباشرة من قبل الشعب والذي تكون له إمكانية إرغام الحكومة على الاستقالة بحجب ثقته عنها». عيوب الأنظمة في ما يخص عيوب الأنظمة الثلاثة أكدت الأستاذة التيجاني أن «عيب النظام البرلماني هو تركيز السلطة بيد رئيس الوزراء، كما أن الرقابة يمكن أن تضعف في صورة وجود انضباط حزبي قوي، فقد أدت الثنائية الحزبية في بريطانيا، حزب العمال وحزب المحافظين مثلا، إلى تجميد وسائل الضغط بين السلطتين فلم تعد السلطة توقف السلطة كما جاء على لسان مونتيسكيو، بل أصبح حزب الأغلبية يسيطر على كل من البرلمان والحكومة» وأضافت «على العكس من ذلك فان بعض الدول الأوروبية التي كان نظامها الحزبي يتسم بالتعددية المفرطة كإيطاليا من سنة 1947 إلى حدود سنة 1996، فقد عرفت أنظمتها تعسفا وإفراطا في استعمال وسائل الضغط بين السلط مما أدى إلى عدم الاستقرار السياسي وإلى اختلال التوازن لصالح البرلمان، مما أدى إلى محاولة عقلنة النظام البرلماني من خلال التشديد في استعمال وسائل الضغط وتعزيز مكانة السلطة التنفيذية». أما عيوب النظام الرئاسي فتتمثل في «إمكانية تحوله إلى نظام رئاسوي من خلال تركيز السلطة في يد رئيس الجمهورية خاصة عندما يتعلق الأمر بوجود حزب واحد مثلما كان الحال في النظام السابق. في ما يخص النظام المختلط يمكن أن يحدث تصادما بين مصالح رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والذي يمثل عادة الأغلبية في البرلمان، ولا يمكن تجاوز هذه المعضلة إلا بمحاولة وجود اتفاق وتفاهم بين الرئيسين». إيمان عبد اللطيف تعريف موجز للسلط الثلاث تُمارس السلطة السياسية من طرف الحكام من خلال ثلاث وظائف هي السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ولفهم مبدإ الفصل بين السلط لابد من تعريف السلطات الثلاث، فالسلطة التشريعية هي تلك التي تملك سلطة إصدار القوانين ويتولى البرلمان هذه المهمة. أما السلطة التنفيذية فهي السلطة التي تنفذ وتسهر على تطبيق الأوامر التي تأتيها من السلطات الأخرى، ولكن لا تقتصر وظيفة السلطة التنفيذية على مجرد التنفيذ بل تتجاوزها إلى مباشرة الصلاحيات الدولية والعسكرية والأمنية، كما جاء على لسان مونتيسكيو.كما تسيّر الإدارة والمصالح العمومية ويرجع إليها ضبط الاختيارات العامة التي تتولى الإدارة تنفيذها، وتتولى أيضا توجيه العمل التشريعي حتى يسنّ البرلمان القوانين الضرورية لتحقيق السياسة العامة للدولة. في حين تتكون السلطة القضائية من مختلف المحاكم في الدولة وتختص بحل النزاعات وتطبيق القوانين.