قد لا ينبغي أن نحمّل الدراما التلفزيونية التونسية المعروضة على المشاهد التونسي منذ بداية شهر رمضان ما لا تحتمل فالدراما تبقى عملا فرجويا واقتراحا فنيا خاضعا لمقتضيات العمل الفني وانتظارات الجمهور حتى وإن كنّا دائما ننتظر من الفن والإبداع أن لا يكتفي بدوره الأساسي في إمتاع العين وتغذية الروح وتهذيب الذائقة و أن يكون شاهدا على العصر. وبالتالي فإننا إن أقررنا أن الدراما التلفزيونية إن تكن تطمح لكتابة التاريخ فهي على الأقل تساهم في التوثيق لمرحلة ما بأدوات العمل الفني و في حدود الإمكانيات المتاحة. و من الواضح أن الدراما التونسية الرمضانية لهذا العام أخذت على عاتقها مسؤولية مواكبة المرحلة التاريخية الهامّة التي يعيشها المجتمع التونسي منذ انتصار الثورة الشعبية. بقي السؤال هل أن الدّراما التونسية توفّقت إلى حدّ ما في محاولاتها الإضطلاع بأكثر من دور وهل أنّ طبيعة التحوّلات التي يشهدها المجتمع التونسي من شأنها أن تجعل من مهمة صناع الدراما التلفزيونية وخاصة كتاب السيناريو والمخرجين وطاقم الممثلين مهمة يسيرة وهينة؟ إن الملاحظ للحلقات التي تمّ بثها إلى حد الأيام الأخيرة من أبرز المسلسلات وخاصة على قناتي نسمة والتونسية والوطنية الأولى وقد شدت هذه القنوات الإهتمام أكثر من غيرها حسب الأرقام التي أصدرتها المؤسسات المختصة في الإحصاء في المجال تؤكد أن بعض العناصر تكاد تكون قارة في مختلف هذه المسلسلات وعلى رأسها التعرض للممارسات التي كانت سائدة خلال نظام بن علي المخلوع. وقد بدا الأمر بوضوح خلال مسلسل " من أجل عيون كاترين " على نسمة ومكتوب في جزئه الثالث على التونسية. تجسّد بعض المشاهد من هذه المسلسلات جشع أقرباء الرئيس المخلوع والمقربين منه ومن كانت لهم حصانة مطلقة وممارساتهم وأخلاقهم وتتعرّض كذلك إلى ضحايا هذه الممارسات. الفن و المجازفة و لكن تبقى مختلف هذه المحاولات محتشمة بل هي مشاهد ضمن أخرى وفي بعض المواقف فإنّها تبدو إما هامشية أو مسقطة. بعض المشاهد أو الشخصيات نتفطن إليها بالقوة لأن العمل يستعمل الرمز والإيحاء. وإن كنّا نتفهم الحذر الذي أبداه منتجو هذه الأعمال لأنه يلزمنا الكثير من الوقت قبل أن تتوضّح الرؤيا بخصوص المنحى الذي ستتخذه الثورة التونسية, وإن كنا نفهم رغبتهم في عدم المجازفة بمواقف أو بأعمال مهداة بالكامل للثورة التونسية فإننا نعتقد مقابل ذلك أن الفن مجازفة وأن الإطناب في الحذر قد يهدد قيمة العمل الفني ويجرده من جوهره. الأحداث التي تشهدها بلادنا تجعل الإنسان في حالة ترقب ولكننا لا نفهم رسالة الفن والإبداع إلا من خلال اضطلاعه بدور طلائعي في المجتمع. ماذا يضيف الفن وماذا يضيف الفنان إذا لم يجازف وإذا لم يغامر وإذا لم يستبق الأحداث. وبالتالي يمكن القول أننا توقعنا هذا العام أعمالا أكثر جرأة وأكثر فهما للتحولات التي تعيشها تونس. أمّا والحال على ما هو عليه فإن الدّراما التونسية لرمضان هذا العام بدت متأرجحة بين ماض يرفض أن يغادرنا بالكامل وبين حاضر تبدو فيه الرؤيا ضبابية وهو مفتوح على احتمالات كثيرة بحكم حداثة التجربة الديمقراطية في بلادنا وبفعل التحولات التي يشهدها المجتمع. مازالت الدراما التونسية تتحسّس طريقها ولا يمكن أن نعول كثيرا على أعمال رمضان لهذا العام كي تتكون لنا صورة واضحة حول المنحى الذي يتوقع أن تتخذه الدارما التونسية مستقبلا. ذلك أنه لا بد أن تتغير الصورة بعد استفادة التونسيين من حرية التعبير التي تكفلها ثورة 14 جانفي 2001. لا بد أن تتغير الصورة لأن التونسيين لا نخالهم يقبلون بأعمال فنية لا تأخذ بعين الإعتبار التغييرات الجذرية التي تعيشها البلاد والطموحات الكبيرة التي ولدت مع انتصار الثورة التونسية والآمال التي فتحتها هذه الثورة وكذلك خيبات الأمل التي تلت الفرحة الكبرى بخلع الديكتاتورية. قد يشفع الوقت (أقلّ من عامين) على انتصار الثورة الشعبية لانتاجات هذا العام لأنه لا يعتبر وقتا كافيا خاصة وأن الأحداث التي يعيشها التونسيون تتلاحق وتتدافع ولا تسمح برؤيا واضحة تماما لكن ننتظر بطبيعة الحال مستقبلا أعمالا درامية تونسية تطرح إشكاليات واضحة وقضية بعينها. ننتظر ذلك العمل الذي ينطلق من زاوية واضحة أو من فكرة محددة ليجنبنا بذلك تشعب المواضيع والإشكاليات وكثرة الأفكار في العمل الواحد مثلما هو موجود في أغلب أعمالنا الدرامية التلفزيونية لهذا العام.