استأنف المجلس الوطني التأسيسي صباح أمس جلسته العامة المخصصة لمناقشة توطئة الدستور ومبادئه العامة في غياب لنواب المعارضة الذين شاركوا في الندوة الصحفية المنعقدة ببادرة من اللجنة الوطنية لمساندة المضربين عن الطعام من النواب وغيرهم. وخلال النقاش اقترح الحاضرون العديد من التعديلات، وصلت حد التناقض، وعبرت تدخلات بعض النواب عن إصرارهم على الخروج عن سياق التوافق الذي حصل داخل اللجان بشأن مسائل شغلت الرأي العام طويلا، وتتعلق بتطبيق الشريعة والتكامل بين المرأة والرجل وتجريم الإعتداء على المقدسات. ففي الوقت الذي أكد فيه العديد من النواب على أهمية بناء نظام جمهوري ديمقراطي تكون فيه الدولة مدنية تقوم على المؤسسات وتكون فيها دور العبادة محايدة، تعالى صوت النائب الصادق شورو من حركة النهضة ليكرر مطالبته بتطبيق الشريعة واعتمادها مصدرا أساسيا للتشريع وبتجريم الاعتداء على المقدسات. وفي نفس السياق يرى النائب محمد الصغير من حركة النهضة أن المسجد مدرسة وبالتالي فهو يعلم الناس، وعلى الإمام في فترة الانتخابات أن يبين للشعب على أي أساس يختار مرشحيه.. وقال:" الاختيار يجب أن يكون على أساس أن المترشح تقيّ ورع وليس سكيّرا". واعتبر أنه لا فرق في الإسلام بين السياسي والديني. علوية الفصل الأول أما النائب جمال بوعجاجة من حركة النهضة فيؤكد على ضرورة التنصيص على علوية الفصل الأول من الدستور، وعلى أن الدولة راعية للدين من خلال رعاية المؤسسات الدينية والمعالم الدينية الخاصة بالمسلمين والمسيحيين واليهود. وطالب بأن تكون جميع مؤسسات الدولة محايدة وليس المؤسسات الدينية فحسب واعتبر أنه لا جدوى من التنصيص على منع الدعاية الحزبية في المساجد لأن هذا الأمر من تحصيل الحاصل. واسترعت الفصول المتعلقة بحقوق الطفل والمرأة والأسرة اهتمام النواب وكانت بدورها محل خلاف إذ أكد النائب مبروك الحريزي من كتلة الحرية والكرامة بعد أن انتقد التوطئة التي لم تنصص على ثورة 17 ديسمبر، على أهمية الأسرة بصفتها الخلية الأساسية في المجتمع وطالب بالتنصيص عليها في التوطئة. أما النائب أحمد السميعي من حركة النهضة فقد اعتبر أن الفصول 7 و8 و9 المتعلقة بحقوق المرأة والطفل والأسرة تعد على غاية من الأهمية.. ويرى أن الحديث عن التكامل في محله، لأن الأسرة في العالم -على حد قوله- تمر بأزمة، إذ ظهرت مفاهيم جديدة لها في ظل الزواج المثلي مع تبني الأطفال. ومن هذا المنطلق يرى النائب أهمية التنصيص على التكامل بين المرأة والرجل..وفسر أن التكامل الذي أثار الحديث عنه في لجنة الحقوق والحريات ضجة اعلامية نتيجة سوء الفهم، هو حقيقة بديهية تعبر عن الزواج بين المرأة والرجل لانجاب أطفال، لكن هذه الكلمة حذفت وجوبهت بالرفض من قبل من يريدون ترسيخ العلاقات الحرة والانجاب خارج إطار الزواج.. تجريم التطبيع ومن المسائل الأخرى التي كانت محل خلاف بين النواب ما يتعلق بتجريم التطبيع، ففي الوقت التي يرى فيه النائب محمد الصغير من حركة النهضة أن تجريم التطبيع مثل تجريم الاعتداء على الحيوانات يمكن أن يتم التنصيص عليه في القوانين وليس في الدستور، دعا العديد من النواب عكس ذلك ويطالبون بالتنصيص على هذا التجريم في التوطئة. وفي هذا الصدد شدّد النائب ربيع العابدي عن حركة وفاء على مطالبته بتجريم التطبيع مع اسرائيل، وعبّر عن رغبته في أن تكون تونس رائدة على مستوى البلدان العربية في دسترة تجريم هذا التطبيع. وتدخل عدد من النواب لمناقشة بعض المسائل الأخرى التي لا تقل أهمية وذكر جمال الطوير من كتلة حزب التكتل أنه كان لا بد من الإشارة في التوطئة، إلى دستور 1959، لأن لجنة التوطئة استلهمت منه كثيرا ومن الضروري الاشارة إلى هذا الارث الدستوري وفاء للتاريخ واعترافا للآباء المؤسسين. حسب قوله. وقال "هذا ليس بدعة تونسية لأن دساتير بلدان اخرى على غرار فرنسا أشارت إلى الإرث الدستوري الخاص بها." ولاحظ النائب هيثم بلقاسم من كتلة المؤتمر أنه من الأفضل التنصيص في التوطئة على رفض القهر الداخلي والسيطرة الأجنبية، وعلى الوفاء لأهداف الثورة، والتأكيد على أن الشعب صاحب السيادة ومصدرا لجميع السلطات، والتدقيق في أن لغة البلاد هي العربية. حياد المؤسسة الأمنية وأكد النائب الهادي الشاوش من حزب المبادرة على ضرورة دسترة حياد المؤسسة الأمنية حتى يبقى الأمن جمهوريا، واقترح التنصيص على واجب أداء الضرائب في التوطئة. وذكر النائب عماد الحمامي من حركة النهضة أن الثورة التونسية كانت سلمية ولا بد من التنصيص في التوطئة على أنها سلمية. وعبر عن مساندته التنصيص في التوطئة على أنه لا يتم أي تعديل لهذا الدستور إلا بعد خمس سنوات من دخوله حيز التنفيذ، وذلك لضمان الاستقرار. وكرّر النائب محمد قحبيش من الكتلة الديمقراطية دعوته للنواب للتعالي عن الانتماءات الحزبية وقال "إن الشعب انتخب النواب لكتابة دستور للبلاد لذلك يجب أن تغيب الألوان الحزبية لما فيه خير تونس وعزتها وخير الشعب التونسي وطموحاته." وشدد على ضرورة التنصيص في التوطئة على احترام حقوق الانسان ومبادئها في كونيتها. ورفعت الجلسة العامة التي أشرف عليها مصطفى بن جعفر رئيس المجلس الوطني التأسيسي ليقع استئنافها بعد عطلة عيد الأضحى صبيحة الاثنين.