مؤتمر دولي لاسترجاع الأموال المنهوبة في ديسمبر - حاوره: جمال الفرشيشي - حراك كبير يعيش على وقعه مرفق القضاء ناهيك عن المؤسسات السجنية إبان الثورة وإلى الآن، حيث تعالت الأصوات منادية بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين، وللحديث أكثر عن هذين الموضوعين وغيرهما التقت «الصباح الأسبوعي» نور الدين البحيري وزير العدل الذي تطرق إلى العديد من الملفات والمواضيع تكتشفونها في الحوار التالي. وتجدر الإشارة إلى أن موقف الوزير من الوضع داخل السجون ننشره في الصفحة 10 ضمن ملف الأسبوع. * اتهمت وزارة العدل بالتخاذل والإهمال في التعاطي مع ملف المضربين من الموقوفين ووفاة القلي والبختي في سجن المرناقية. كيف تردّ؟ في البداية لا بدّ من التأكيد على أن سجن المرناقية يضمّ 6 آلاف سجين يسهر على متابعتهم والعناية بهم 600 عون سجون وهو عدد قليل جدا. أما الحديث عن التخاذل والإهمال من قبل الوزارة اللذين أديا إلى وفاة موقوفين فهو أمر غير صحيح لأن الأخوين القلي والبختي كانا محل رعاية طبية يومية من أطباء السجن والصحة العمومية وهنالك تقارير طبية تثبت ذلك. إن قرار نقلهم اليومي للمستشفى أو إعادتهم للسجن يبقى قرارا طبيا في النهاية. وللإشارة فقد حاول رئيس ديوان وزير العدل والوكيل العام لمحكمة الاستئناف بمحاولة لإقناعهما بالتراجع عن قرار إضراب الجوع، كما استدعينا عائلاتهما وأصدقاءهما لإقناعهما لكن دون جدوى. للتذكير ونفيا لما تردد حول تعرض الموقوفين إلى التعذيب أو ما شابه ذلك داخل السجون فقد قال السجين حسن بريك إنهم لم يتعرضوا له، وإن وجدت حالات تعدّ من قبل أعوان السجن فهي قليلة وتمت معاقبة من ثبت تورطه. * هل وقع تطهير سلك القضاء أم إنه اقتصر على دفعة واحدة من القضاة تحدثتم عنها منذ أشهر. وهل هناك نية لإعادة إنتاج للمجموعة القديمة من أصحاب «الرداء الأسود»؟ عملية تطهير سلك القضاء استحقاق ثوري وفيها جانب يهم التشريع لذلك لن يكون سلطة مستقلة إلا من خلال تطوير قانون القضاء واستبعاد القضاة الفاسدين وإقصائهم عبر الإعفاء والإحالة على مجلس التأديب وتشجيعهم على الاستقالة والعزل من الوظائف القضائية وإحالة الملفات على التفقدية العامة ولدينا ملفات في ذلك- لارتكابهم خطأ أو فعلا يستوجب العزل أو الإعفاء. لابدّ من تطوير مداخل القضاء وبرامج التعليم بالمعهد الأعلى للقضاء والأساتذة وتمكين القضاة من حقوقهم المادية والمهنية. * ما جديد ملف جلب الهاربين: بن علي وأصهاره، والأموال المهربة؟ دخل الملف منعرجا خطيرا إما أن ننجح أو نفشل لا سمح الله، إذ نواجه تعقيدات قانونية في بعض البلدان وآثار وانعكاسات غياب اتفاقيات دولية تجبر الجميع على الخضوع لنفس قواعد المعاملة. كما أننا نواجه تلكؤ بلدان أخرى لاعتبارات سياسية ومصلحية. استوفينا كل إجراءاتنا القانونية شكلا ومضمونا ودخلنا في حوار معمق مع هذه الدول من أجل استردادنا لأموالنا مستعملين أكثر ما يمكن من وسائل الضغط ومستفيدين من دعم البنك الإفريقي للتنمية وبرنامج الإنماء الدولي. * وماذا بشأن القرارات التي أبرمتموها مع هذه الدول؟ لدينا قرار من محكمة التعقيب الإيطالية برفض طلب معز الطرابلسي إلغاء قرار تسليمه لتونس، وآخر باسترجاع يخت على ملك أحد أصهار المخلوع. وقرار من القضاء الإسباني باسترجاع يخت على ملك بلحسن الطرابلسي، وآخر يقضي باسترجاع أموال ليلى الطرابلسي من أحد البنوك اللبنانية، وقرار من القضاء الكندي برفض طلب بلحسن الطرابلسي اللجوء السياسي وغيرها من القرارات. نستغرب من عدم التجاوب السريع من هذه البلدان مع مطالبنا خاصة الأخوة اللبنانيين والأصدقاء الفرنسيين، لكننا لن نبقى مكتوفي الأيدي ومثلما نظمنا في مارس الفارط مؤتمرا وطنيا للمطالبة باسترجاع الأموال فإننا سننظم مؤتمرا دوليا في أواسط شهر ديسمبر من السنة الجارية. كما قمنا بتوسيع دائرة المشاركين في هذا الملف بتشريك رئاسة الحكومة وعدّة وزارات وجمعيات وطنية. * كمحام هل ترون في بث حوار سليم شيبوب على قناة التونسية إحداثا للبلبلة كما جاء في عريضة المكلف العام بنزاعات الدولة؟ تمنيت لو كنت قادرا على الإجابة عن سؤالك كمحام لكن موقعي الحالي يحرمني من تحمل تبعات المسؤوليات.عموما هو خلاف بين المكلف العام لنزاعات الدولة وقناة التونسية حيث لم تلتجئ الدولة للقوة والعنف كمداهمة القناة وإيقاف البث أو قطعه بل تمّ اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم لم يعرفه البحيري إلا بعد صدوره وهي صورة للدولة الديمقراطية بدأت تكتسبها تونس يوما بعد آخر وعلامة مضيئة في تاريخ بلادنا. * اتهم القضاء والوزارة في اعتماد مناهج مختلفة في التعاطي مع القضايا المطروحة عليه حيث يبت في عدد منها بسرعة فائقة ويطيل النظر في أخرى. ما هو موقفكم؟ يعاني القضاء من ثلاث معضلات هي تعطل مرفق العدالة لمدة طويلة سبقت الثورة وتعقد الأوضاع المادية في المحاكم وللقضاة وكثرة القضايا التي أكثرها تافهة ومتابعتها مجرد إضاعة للوقت. إن إعادة الطعن في الأحكام والطعن في التعقيب وجب أن يكون محل نظر وهو إضاعة للوقت. كما أن ضغط الشارع وحملات التشكيك جعلا القاضي يتردد في تسريع البت في ملفات بالإضافة إلى تعطل عدد من المرافق العامة في البلاد دون أن ننسى غياب الأمن لدى القضاة في المحاكم التي عملت يوم 14 جانفي 2011 فأغلبيية القضاة شرفاء وجديون في العمل من أجل مصلحة تونس حتى أن بعضهم يجلس في 3 دوائر. * ما سبب تنحي قاضية مكلفة بالنظر في قضية سامي الفهري. وكيف تقرأ هذا القرار؟ بمناسبة النظر في قضية سامي الفهري اختارت قاضية فاضلة التنحي بعد أن حوّل محامو المتهم القضية إلى قضية رأي عام مع احترامي لهم. وقد أثبتت هذه القاضية أنها من القضاة النزهاء والشجعان لأنها عندما وجدت نفسها في موضع يمكن أن يكون محل شبهة عملت بالأحوط واتقاء الشبهات وتنحت عن النظر في القضية درءا لسوء التأويل وبذلك جسدت التزام القضاة وتقيدهم بموقفهم كسلطة فاصلة بين الناس والابتعاد عن موطن الشبهة وذلك لتدعيم ثقة العامة في القضاء والقضاة. * هل ستتحالف حركة النهضة مع الحزب الجمهوري وحركة وفاء وغيرهما؟ تجربة الائتلاف الثلاثي التي نعيشها مع حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل والتي أعتبرها ناحجة لا تعني أن ننغلق على أنفسنا لأننا مع خيار الانفتاح على الآخرين وتوسيع دائرة المشترك بيننا كأطراف سياسية. غايتنا توسيع دائرة التوافقات مع الحزب الجمهوري أو حركة وفاء أو غيرهما من باقي مكونات المجتمع السياسي لأننا في حاجة إلى قناعات مشتركة الهدف منها إنجاح العمل الديمقراطي داخل الحكومة أو خارجها. * وصف البعض مشروع إقصاء التجمعيين في شكله الجديد بأنه استهداف لحزب وفاء تونس.. ما هو موقفكم؟ من حق الثورة تحصينها من بعض الاختراقات، وهذا المشروع من القضايا الوطنية الهامة التي يجب أن تحظى بجدية في مناقشتها وطرحها بل وتوسيع دائرة الحوار حولها مع التطرق إلى كل أبعاده المختلفة واستيعابها والابتعاد عن الاعتبارات الظرفية وإكراهات الواقع الراهن ليكون عميقا وليأخذ بعين الاعتبار دون نسيان أننا بصدد إعادة بناء تونس بصفة جديدة. وهو استتباع وتكريس للمبادئ العامة من المساءلة والمحاسبة حيث لا يمكن لأي كان الإفلات من العقاب ولا ينجو مخطئ من تبعات ما ارتكب مع ردّ الحقوق كاملة لأصحابها لتحصين الثورة من كل الاختراقات ومحاولات الردّة.