المكان ساحة الفردوس بالعاصمة العراقية بغداد والزمان قبل عشر سنوات وتحديدا عصر التاسع من أفريل 2003، تاريخ لا يمكن لمن تابع أحداثه وعايش مرارة وقائعه والتقط أخباره، ليس من دون ألم، لحظة بلحظة أن يزول من ذاكرته، فقد كان احد أطول أيام الاجتياح الأمريكي للعراق في 20 مارس من نفس السنة... رتل من الدبابات الأمريكية يخترق ساحة المدينة تتوقف احدى الدبابات فجأة يترجل جندي أمريكي يتقدم الى حيث تمثال الرئيس العراقي صدام حسين الذي لم يكن نظامه قد سقط بعد، وفي حركة قد تبدو مفاجئة ولكن يتضح لاحقا أنها مدروسة بدقة، يتسلق الجندي التمثال وبحركة سريعة يضع علم بلاده على رأس التمثال... لحظات تمضي ليظهر مواطن عراقي وكأنه يرد الفعل، يتسلق التمثال ويضع علم بلاده... إلى هنا انتهت المسرحية الكبرى أقل من شهر كان كافيا كي تدخل قوات "المارينز" بلد الرشيد وتسيطر عليه فيما كان الصحاف وزير الاعلام العراقي في أحد فنادق العاصمة العراقية يعلن عن "استعدادات الجيش العراقي لسحق العلوج من الوجود وطردهم وهم يجرون أذيال الخيبة"... بقية الحكاية باتت معروفة، اختفى الصحاف ولم يظهر بعد ذلك إلا وقد حصّن مواقعه في الامارات، أما الجيش العراقي فقد تبخر واختفى من الوجود فيما ظل صدام حسين يعيش متخفيا الى حين العثور عليه في أحد الانفاق لينتهي به الأمر إلى المقصلة في فجر عيد الأضحى... خرج جورج بوش الابن معلنا نهاية المهمة وكان يدرك جيدا أنها لا تزال في بدايتها وأن مشروع "الشرق الأوسط الجديد" لن يتوقف عند حدود إسقاط نظام صدام حسين وأن المطلوب خارطة جديدة لعراق يكون فيه إقليم كردستان منفصلا عن سلطة بغداد... خطوة أولى ستتلوها خطوات باتجاه تعدد الأطراف المتنافسة على العراق ليصبح محل شد وجذب بين واشنطن وطهران ... عشر سنوات تمرّ اليوم على سقوط بغداد ولا يزال العراق يبحث عن طريق الخلاص الذي كلما بدا قريبا إلا وتحوّل الى ما يشبه المستحيل. عشر سنوات دفع خلالها العراقيون الكثير من دماء وأرواح أبنائهم ومن أمنهم واستقرارهم وسلب منهم الكثير من ثروات وكنوز العراق ومتاحفه وذاكرته، بل ومن عقوله ومفكريه وعلمائه الذين استُهدفوا في الجامعات والمخابر وفي الطريق... أغرقت الدماء العراق ولاح شبح التقسيم بين السنة والشيعة والاكراد وبات العراق ينام ويصحو على وقع التفجيرات التي لم تستثن المستشفيات ولا المدارس ولا المواقع المقدسة... كل ذلك فيما بات العراق في مختلف الدراسات البلد الأقل أمنا والأكثر فسادا وآخر بلد يطيب فيه العيش وباتت بغداد تصنف ضمن المدن الأكثر قتامة... الغريب أن العراق، وهو بلد النفط، بات يستورد مشتقاته من الخارج ليسدد احتياجاته، ومنذ وقوعه تحت الاحتلال أنفق العراق ثلاثين مليار دولار للحصول على النفط، وهومبلغ كاف لإنشاء ستة مصارف نفطية طوال العقد الماضي ... التاسع من أفريل موعد ارتبط بالدم في اكثر من موقع وفي أكثر من بلد عربي وقد لا تكون الصدفة وحدها شاءت ان يعلن الأمين العام للأمم المتحدة بالأمس استعداد الفريق الأممي المكلف بالتحقيق في استعمال النظام السوري للأسلحة الكيمياوية ضد مواطنيه بما قد يوحي بتكرار ذات السيناريو العراقي بعد أن برع العرب في قدرتهم على الخروج المهين من التاريخ وفي تفويت الفرص وتقديم التنازلات وجمع الاهانات واستعداء شعوبهم الذين لفظوهم، حتى ذهب بعضهم الى حد الاستقواء بقوى خارجية للتخلص منهم. سيبقى التاسع من أفريل في الذاكرة موعدا للمآسي المتكررة، ولكن أيضا موعدا للوقوف على حجم التضحيات التي قدمتها وتقدمها شعوب عربية من أجل الحرية ومن أجل إنسانية الانسان... التاسع من أفريل لم يكن تاريخ نكبة العراقيين وحدهم الذين حلموا بالديموقراطية والحرية والكرامة فغرقوا بدلا من ذلك في تصفية الحسابات والصراعات والاقتتال بعد أن اختفت أسطورة أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الأمن والسلم الدوليين وحلت محلها دعوات لإنقاذ الحريات المصادرة، فضاعت السيادة وتبددت الحرية وكادت معها تضيع الأرض. التاسع من أفريل 1948 كان أيضا ذكرى مجزرة دير ياسين وكل جرائم الإبادة التي اقترفتها عصابات "شتيرن" و"الهاغانا" الصهيونية في حق الفلسطينيين الذين هُجّروا قسرا من بيوتهم وديارهم. 65 عاما تمضي اليوم على تلك الذكرى بكل ما تخللها من معاناة ومن ظلم وعدوان قائم... التاسع من أفريل 1938 وأحداث الزلاج في تونس كان ولا يزال محطة في تاريخ المعركة النضالية من أجل السيادة والاستقلال ودحر جرائم ومخططات الاستعمار في تونس ومنعرجا حاسما نحو دولة الاستقلال التي لم يكن بالإمكان تحقيقها بدون تضحيات وبدون دماء التونسيين التي سالت لتمنح بقية الأجيال حق الحياة ... العراق وفي الذكرى العاشرة لسقوط بغداد لم يكشف بعد كل أسرار تلك الحرب التي قد لا يعرف العالم يوما عدد المدنيين العراقيين الذين قتلوا خلالها، ولا تكاليفها الحقيقية أو تداعياتها على عراق المستقبل وعلى المنطقة بأكملها... أخيرا وليس آخرا، قد يكون من المهم الإشارة إلى أنه، وفي الذكرى العاشرة لسقوط بغداد، أقر مجلس الوزراء العراقي بالأمس تعديلات مهمة في قانون "المساءلة والعدالة" بما سيفتح الباب أمام عودة آلاف البعثيين المبعدين من مناصبهم الى الحياة السياسية بعد أن كان الحاكم المدني الامريكي بول بريمر شكل هيئة "اجتثاث البعث" التي ترأسها آنذاك أحمد الجلبي زعيم حزب "المؤتمر الوطني العراقي"..!