السياحة الثقافية أو التراثية تحتاج لكثير من الدعائم لنجاحها ولعّل أهمّها الدعم المالي فغياب البنية التحتية من طرقات ومطارات ومراكز للترفيه لا تحقق متعة العودة للماضي لدى سياح الحاضر. وفي موقع أوذنة الأثري من ولاية بن عروس ورغم سحر المكان وشموخه وأصالته مازالت الطريق إليه مهجورة ومجهولة للكثيرين.. فوراء المسالك الفلاحية غير المعبدة تختفي عظمة وتجذر هذه المعالم الأثرية التونسية التي هي في حاجة لمجهودات كبيرة مادية وبشرية لتكون مصادر استثمار للقطاع الخدماتي ببلادنا. موقع أوذنة الذي شهد رسميا انطلاق الدورة الجديدة لشهر التراث يوم 18 افريل بحضور وزير الثقافة مهدي مبروك وغيره من المواقع الأثرية التونسية في حاجة للترميم والتهيئة لاستقبال الزوار فيما بعضها مازال مطمورا هذا دون الحديث عن ما أتلف منها أو سرق وأهدى في المراحل السابقة من تاريخ تونس ومسألة فتح ملف الآثار في بلادنا يتطلب سنوات عديدة لتدارك أخطاء السابقين في حق حضارتنا وثقافتنا وثراثنا. في هذا السياق أكد مدير المعهد الوطني للتراث عدنان الوحيشي أن موقع أوذنة يعد من أضخم القصور الرومانية في بلادنا وهو مبلط بالفسيفساء ممّا يتطلب عملا كبيرا لإبراز هذه المعالم مشيرا إلى أنه سيقع تثمين هذا الموقع بالتعاون مع وزارة التجهيز، التي ستشرف على تزويده بالإضاءة وغيرها من الضروريات اللازمة لاستقبال السياح مضيفا أن هذا الموقع قادر في القريب على منافسة مسرح قرطاج واستضافة التونسيين معبّرا عن إيمانه بأن السياحة الثقافية هي داخلية بالأساس ومن حق الشعب التونسي الاطلاع والتمتع بآثاره وتراثه وحضارته أمّا الاعتداءات على الأضرحة ومقامات الأولياء الصالحين فأرجعها لبعض الاضطرابات السياسية والمصالح الحزبية قائلا:" الفاتحين العرب حين قدموا إلى بلادنا لم يعتدوا على المعالم الدينية لمن سبقوهم". من جهته أفادنا المدير العام للتراث بوزارة الثقافة عبد اللطيف مرابط أن ميزانية الوزارة المخصصة للتراث ارتفعت والدليل تزايد الأنشطة والبرامج الخاصة بهذا القطاع كما أكد عبد اللطيف مرابط على دور المعهد الوطني للتراث في حماية المخزون الحضاري المحلي وجرده والعناية به مشيرا لوجود عديد المعالم الأُثرية في تونس مازالت إلى اليوم موضع بحث والحفريات متواصلة بها وذلك في رد على أحد الخبراء المستائين من الحال المزري لمعالمنا الأثرية حسب قوله حيث بين الخبير مرشد السماوي أن مدينة قرقنة على سبيل المثال تملك ثروات بحرية كبيرة يمكن إدراجها في التراث اللامادي لبلادنا كما اعتبر المعالم الأثرية في مدينة صفاقس لا تحظى بالاهتمام والعناية التي تستحققها غير أن المدير العام لإدارة التراث بوزارة الثقافة شدد على أن الهيكل العمومي الذي يمثله يعمل على إدراج مدينة صفاقس ومعالمها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. للإشارة فإن مدينة أوذنة تبعد قرابة 30 كم عن العاصمة (أو أوتينا كما تدعى قديما) هي قرية بربرية بونية أصبحت في الفترة الرومانية إحدى مدن المقاطعة الرومانية الإفريقية وحصلت على رتبة مستوطنة من الإمبراطور أغسطس حيث يعتبرها "بلينيوس الأكبر في كتاب " التاريخ الطبيعي" من أقدم المستوطنات بإفريقيا إذ شهدت ازدهارا خلال القرنين الثاني والثالث ميلاديين ويتميز موقع أوذنة بإطلالته على مساحة شاسعة من السهول والبساتين المثمرة.