بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صراع طائفي جديد أم مخطط أجنبي لاعادة تقسيم المنطقة ؟
ملفات الصباح: حرب مفتوحة بين القرضاوي ونصر الله ...
نشر في الصباح يوم 06 - 06 - 2013

سوريا بين حلم التغيير "السلمي" وحسابات القوى الخارجية
◗ ملف من اعداد: كمال بن يونس واسيا العتروس
من التناقضات الحاصلة مع موسم الربيع العربي أن يشهد الصراع الطائفي والاقتتال الدموي بين أبناء الوطن الواحد في أكثرمن بلد حالة من الفوران الذي لم يسبق له مثيل قبل الان, انطلاقا من ليبيا وقبل ذلك في مصر كما اليمن وغيرها من الدول حتى تجاوز الامر كل الخطوط الحمراء وبات ينذر بالاسوأ, فلا يكاد يمر يوم دون أن يسجل العراق سقوط المزيد من الضحايا بسبب العنف الطائفي حتى باتت لغة الارقام الرسمية تتحدث عن ثلاثين قتيلا في الصراعات اليومية فيما ترجح كل المؤشرات امتداد العدوى بشكل يكاد يكون منتظما في سوريا التي تعيش على وقع المواجهات اليومية بين القوات السورية وبين الجيش الحر وما أحاط به من مجموعات ارهابية متطرفة وجدت لها في الحرب الكلامية والاتهامات المتبادلة بين القرضاوي وبين حسن نصر الله زعيم حزب الله ما زاد تأجيها وامتداد لهيبها الى لبنان المجاور... الصباح تطرقت الى مخاطر العنف الطائفي وأسبابه وتداعياته على حاضر ومستقبل الدول العربية المتطلعة لواقع جديد بعد الثورات الشعبية التي هزت عروش أنظمة غارقة في الاستبداد والفساد والتقت للغرض خبراء ومؤرخين ومحللين من تونس وخارجها في محاولة لرصد وبحث سبل تطويق هذا الصراع الذي بدأ يتسلل بطريقة أو بأخرى الى تونس عبر محاولات لم تعد بالخفية لزرع الفتنة واحياء العروشية والطائفية البغيضة...

المؤرخ والجامعي عبد الجليل بوقرة :على المذاهب المتناحرة الالتزام باحترام الاتفاقية بين الشيعية والسنية
-كيف يمكن تفسير عودة الصراع السني الشيعي المتأجج في أكثر من بلد عربي اليوم وأية تداعيات لهذا الصراع الدموي في أحيان كثيرة ؟ عن هذه الاشكالية يقول المؤرخ عبد الجليل بوقرة أنطلق من قاعدة ذهبية ملازمة للاستعمار وللقوى العظمى التي هيمنت على الدول العربية وهي قاعدة معروفة تقول"فرق تسد "والتي اعتمدها الاستعمار الفرنسي والبريطاني بعد الحرب العالمية الأولى واستغل بذلك التعدد المذهبي الذي يميز بلدان الشرق العربي وتحديدا سوريا الكبرى ولبنان وفلسطين والعراق حيث دعموا الأقليات ومكنوها من عدة امتيازات لتأمين ديمومة المصالح الفرنسية في تلك المنطقة وبعد الحرب العالمية الثانية وبداية تراجع وتفلص النفوذ الفرنسي البريطاني في المنطقة عوضت أمريكا تدريجيا الاستعمار الأوربي وحافظت على نفس القاعدة, وستكون نفس القاعدة منطلقا خاصة بعد الثورة الايرانية حرصت الاستراتيجية الامريكية على وجود هلال سني مطيع مقابل هلال شيعي متمرد والذي تقوده ايران الخمينية وهذا التقسيم هو الذي يفسر الى حد كبير ما جرى في أفغانستان وما جرى ويجري في العراق وفي لبنان وفي سوريا حاليا, وما نراه الان أن أمريكا تصر على المحافظة على هذا الهلال السني الذي تقوده تركيا وتموله بعض البلدان الخليجية لكسر شوكة ايران وسوريا وحزب الله, ومع الأسف سقط العديد من السنة في هذا الفخ بتحريض من الدعاة الوهابيين الذين اغدقت عليهم قطر بالاموال وانتشروا في كل مكان ليحرضوا السنة على الشيعة بدعوى انهم كفار وهذا الخطاب التكفيري يخرب العراق وسوريا رغم أن الشيعة والحق يقال توقفوا تقريبا عن نشر دعواتهم في البلدان ذات الغالبية السنية وكأنهم اكتفوا بالعراق.
-ولكن الواقع أن الصراع ليس وليد اليوم بل هو صراع طفا على السطح منذ اليوم الأول لوفاة الرسول محمد فكيف ستكون تداعيات هذا الصراع مستقبلا على المشهد في تونس وحتى مغاربيا؟
بالعودة الى التاريخ القديم فان السنة التي تمكنت من حكم العالم الإسلامي والشيعة كانوا دوما مهمشين في الأطراف يتحسبون الفرصة للانقضاض على الحكم وكان لهم ذلك مع الدولة البويهية ثم الدولة الإسماعيلية الشيعية في تونس ولكن لم يستمروا طويلا والسنة بكل طوائفهم هم الأغلبية ومن هنا فان الصراع كان دوما موجودا ولكن السؤال الأهم اليوم كيف يمكن التعامل مع هذا الصراع في القرن الواحد والعشرين, بالنسبة للمشهد في تونس فقد اصبح مفتوحا على كل التيارات الفكرية والمذهبية والأنشطة المخابراتية على كل الألوان ومن كل الجهات في ظل ضعف الدولة المركزية واليوم ما نراه أن الشيعة يحاولون التموقع من جديد في خضم هذا الخليط وهذه التركيبات المتعددة مثل غيرهم وقد وقعت محاولات من جانبهم حتى قبل 14 جانفي من خلال معرض الكتاب عبر كتب تروج للمذهب الشيعي ولكن بأغلفة مغلوطة عن الزهور والحدائق وغيرها ووقع التفطن لها ولكن وقع التعتيم عليها بعد سحب تلك الكتب, والمحاولات من جانب انصار الشيعة تكررت بعد ذلك ولكن لا نسمع بها. ما نلاحظه اليوم أنه وبعد 14 جانفي تكثفت المحاولات وتعددت وأصبح الشيعة يعلنون انتماءهم صراحة وفي قناعتي أن هذا المذهب لن يكون له شان كبير أو تأثير في النسيج الاجتماعي التونسي والوحدة المذهبية بسبب تجذرالمذهب السني المالكي بين التونسيين وعموما فان التونسيين لا مشكل لهم مع الشيعة ولا يعتبرونهم أعداء كما يحدث في الشرق حيث يسود العداء والكراهية العلاقة بين السنة والشيعة والعنف المتبادل, ولكن في تونس انتهى ذلك العداء منذ القرن التاسع منذ خروج الاسماعيليين من المهدية الى القاهرة, وانا اذكر ونحن أطفال أنه في سنوات الجفاف كان الرجال يخرجون لصلاة الاستسقاء والأطفال كانوا ينتشرون في الشوارع يرددون اغنية "مطرة يا مطرة خلي عيونك شرشرة اسقي محمد وعلي وفاطمة بنت النبي"وتقديري أنه لا مجال للخوف من صراع سني شيعي ولا خوف على الوحدة المذهبية للتونسيين وتواتر المذهب السني المالكي الذي يسود بيننا عن قناعة وليس مجرد ايمان العجائز أو نتيجة خوف وترعيب وهذا أيضا لا يعني أن الشيعة سيتوقفون عن محاولة كسب الأنصار في المغرب العربي الذي بقي بعيدا عن التأثيرات الشيعية التي تعود في خضم الربيع العربي وضعف مؤسسات الدولة لتروج للفكر الشيعي وذلك رغم وجود اتفاقية بين المرجعيات الشيعية والازهر على الالتزام بضرورة احترام اختيارات كل بلد للمذهب المؤثث.

عبد الحميد صيام أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتغرز بولاية نيوجرزي :الطائفية خطر على الدولة الوطنية...
الطائفية في العالم العربي تشير إلى انقسام مكونات المجتمع الواحد على أساس ديني بين مسلم وغير مسلم، أو على أساس مذهبي بين المسلم السني والمسلم الشيعي أو العلوي أو الزيدي أو الدرزي، أو على أساس عرقي بين العربي وغير العربي كالأكراد والأمازيغ والتركمان أو على أساس المنابع والأصول كالفلسطينيين في لبنان وسوريا والكويت واليمنيين في السعودية والسودانيين في مصر والأفارقة في موريتانيا.
تفسير الظاهرة
يستسهل كثير من الكتاب والمحللين تفسير هذه الظاهرة بنظرية المؤامرة، أي أن هناك جهات معادية لهذه الأمة خلقت هذه الظاهرة وغذتها ودفعت إلى تصعيدها لضرب الأمة في مقتل. ومع أننا لا نستبعد على الإطلاق قوى الشر التي تغذي ظواهر التفتيت في العالم العربي لخدمة الكيان الصهيوني كما حدث في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي، إلا أن انفجار الأقليات وتغول الطائفية وتفاقم الجذب الطائفي لم يكن ليستجيب للمؤامرة الخارجية لو لم يكن هناك أرض خصبة معدة سلفا بسبب سياسة الحكومات الدكتاتورية والتي استخدمت الأقليات بطرق ملتوية ومشبوهة.
بعضها اعتمد عليها لقمع الأغلبية أو تهميشها أومحاصرتها، وبعضها همش الأقليات نفسها وقمعها وصنفها في الدرك الأسفل من نسيج المجتمع فميز ضدها في الوظيفة والمسكن والدخل والمعاملات..
لم يكن وضع الأقليات في العالم العربي مثاليا قبل ثورة الخميني في إيران والتي، كما يصر كثير من الكتاب، أطلقت الغول الطائفي من عقاله وذلك بتكوين تحالفات شيعية في كل من العراق وسوريا ولبنان وضخت دماء وحماسة شديدتين في الأقليات الشيعية في منطقة الخليج. نقر أن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات (1980-1988) وسعت التجاذب الطائفي بأشكاله الفجة فقد عمل نظام صدام حسين القائم أصلا على أقلية سنية على قهر الغالبية الشيعية والأقلية الكردية فوقفت معه دول الخليج داعمة وممولة لحصر أثر الثورة الإسلامية داخل إيران خوفا من وصول ألسنتها لدولهم، بينما وقف النظام السوري القائم كذلك على أقلية علوية داعما ومؤيدا للنظام الإيراني في حربه مع العراق العربي.
ثم قام النظامان معا الإيراني والسوري بدعم الفرز الطائفي في لبنان ممثلا بحركة أمل ثم ما لبثا أن دعما عناصر المقاومة الخارجة من عباءة حركة أمل تحت اسم حزب الله والذي قاد مقاومة مشرفة ضد العدو الصهيوني وتمكن من تحرير الجنوب اللبناني المحتل عام 2000 وكسر هيبة إسرائيل في حرب 2006 مما أكسبه شعبية خيالية في طول البلاد العربية والإسلامية وعرضها. لكن حزب الله، رغم انتصاراته العظيمة وتجاوب كافة قطاعات الشعب العربي معه، بقي أسير التركيبة الطائفية قيادة ومرجعية وانتماء وموقفا وهو ما يفسر حماسة الحزب اللامحدودة لثورة البحرين ووقوفه إلى جانب إيران في دعم النظام السوري ضد مطالب الغالبية الساحقة من الشعب السوري في الحرية والعدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون مثله مثل الشعوب العربية في تونس ومصر واليمن والبحرين التي أيدها حزب الله. لقد أساء الحزب كثيرا لنفسه وخسر الكثير من شعبيته بسبب هذه المواقف المتناقضة غير المبررة، ولا تفسير لها إلا أن يكون الاصطفاف الطائفي خلفها.
الأقليات والدولة الوطنية
لا تكاد دولة عربية تخلو من الأقليات العرقية أو الدينية أو كلتيهما. وهناك ظاهرتان واضحتان في غالبية الدول العربية. عندما تحكم الأغلبية تهمش الأقليات، وعندما تحكم الأقلية تفرض نفسها على الأغلبية بالقهر والاضطهاد والقتل. وهناك على الأقل خمس دول عربية تحكمها أقلية عرقية أو دينية، أما بقية الدول العربية فأنظمة الحكم السلطوية فيها تحكم باسم الأغلبية لكنها تمارس القهر والاضطهاد على شعوبها بشكل عام وتعمل على تمزيق الأقليات إما بالاحتواء أو التهميش أوالاضطهاد أوالقتل.
البلدان اللذان خرجا عن هذه القاعدة هما تونس وفلسطين حيث لم يشهدا أي نوع من التجاذب الطائفي. فتونس هي البلد العربي الوحيد الذي يكاد يخلو من التنويعات الطائفية من جهة كما أنه البلد الذي ارتقى أكثر من غيره في بناء الدولة المدنية القائمة على المؤسسات والمهنية والتعليم والكفاءة وتوسيع شبكة حقوق المرأة. أما فلسطين فلأن الاستقلال لم ينجز ولأن العدو القومي الخارجي ظل القاسم المشترك بين كافة مكونات المجتمع ويعمل على توحيد كافة فئات الشعب وزجهم في النضال ضد عدو يهدف إلى اقتلاع المجتمع من جذوره وتفريغ البلاد من شعبها الأصيل وإحلال مجموعات غريبة لا يجمع بينهم إلا وهم العلاقة مع الرب الذي فصلوه على مقاسهم بحيث يبرر الاغتصاب والقتل والتشريد "للأغيار" ويجعل من تلك المجموعات الغازية شعبا واحدا مميزا مختارا كأنه فوق مستوى البشر.
معاملة الأقليات القائمة على التمييز أو التهميش أو الاحتواء في الدول العربية المستقلة ساهمت في إيجاد مخزون عال من القهر والشعور بالدونية وكبت الغضب والإحباط. وظل هذا المخزون يعتمل في النفوس بانتظار اللحظة المناسبة للانفجار. وما إن لاحت الفرصة حتى وجدت تلك المجموعات العرقية أو الدينية تمتشق السيف إما بسبب ضعف الدولة المركزية أو بتشجيع من الخارج لأسباب عديدة أو التأثر بالحركات الإقليمية كالثورة الإيرانية وانتصارات حزب الله في لبنان أو لتلك الأسباب جميعها.
سوريا – العراق - لبنان
لا يساورنا شك أن النظام البعثي في كل من العراق وسوريا قد ساهم في التعبئة الطائفية. فالعراق كانت تحكمه أقلية سنية همشت الغالبية الشيعية واضطهدت الأقلية الكردية، وتكاد تكون التجربة السورية نسخة طبق الأصل، فالأقلية العلوية التي تحكمت في أجهزة الدولة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية قد إضطهدت الأغلبية السنية وهمشت الأقلية الكردية.
والأمر المحير أن الغالبية الشيعية في العراق والتي تسلمت الحكم عن طريق الدبابة الأمريكية تعيد إنتاج إضطهاد الأقليات أوتهميشها كما كان الحال أيام النظام السابق. فالحراك الشامل الذي تشهده محافظات الأنبار ونينوى وديالي وصلاح الدين في غالبه مطلبي ولم يطالب بإسقاط النظام لأن أحوال السكان في هذه المناطق ذات الغالبية السنية تدهور كثيرا وشعروا أن الدولة تعاقبهم عن عمد وتهمل مطالبهم عن سبق إصرار وترصد وترفع في وجهوهم سلاح الشرعية والانتخابات وهم الذين ساهموا بشكل أساسي في هزيمة الاحتلال الأمريكي من جهة وطرد تنظيم القاعدة من مناطقهم بعد تشكيل الصحوات. وقد أججت مذبحة الحويجة يوم 23 أفريل 2013 الانقسام الطائفي عندما اقتحمت قوات الجيش خيمة المعتصمين وقتلت بدم بارد أكثر من 80 وجرحت أكثر من150. أعيد إنتاج المشهد في بلدة البيضا ومدينة بانياس في الساحل السوري يوم7 ماي حيث ارتكبت مجازر مروعة لتفريغ المنطقة من سكانها السنة.
وما يجري في مدينة القصير الآن أشبه بمختبر عملي على حرب طائفية شاملة حيث يقف "حزب الله وإيران مع النظام السوري عمليا بينما تجمعت أطراف عديدة مدعومة من السعودية وقطر وبعض الأطراف اللبنانية لدعم المعارضة السنية. السيد حسن نصر الله لم يحاول أن يناور أو يتحايل على موضوع إرسال مقاتليه إلى جبهة القصير للدفاع عن النظام السوري بحجة الممانعة والمقاومة ولا نعرف كيف يكون في هذا الصف الممانع والمقاوم نظام نور المالكي في العراق الذي وصل إلى الحكم في العراق عن طريق الدبابة الأمريكية. فما له ومال المقاومة والممانعة إلا إذا كان التجاذب في القصير طائفيا؟ إنعكست التجاذبات الطائفية في سوريا على مدينة طرابلس اللبنانبة فقد بلغ عدد الاشتباكات بين حي جبل محسن ذي الغالبية الشيعية وحي باب التبانة ذي الغالبية السنية منذ ماي2011 إلى نحو13 أشتباكا خلف العشرات من القتلى والجرحى.
ومن المرشح أن تنتقل الاشتباكات إلى منطقة بعلبك ومناطق أخرى في لبنان إن لم يتم إحتواء الأزمة السورية بشكل شامل وجذري وعادل.
نحن نقر بأن هناك مأساة تعيشها الأقليات المهمشة في أكثر من بلد عربي. ولكي تتمثل أبعاد المأساة أنظر إلى خارطة المناصب الرفيعة والمجالس المنتخبة والوزارات. كم قبطيا في البرلمان المصري وكم وزيرا وكم سفيرا؟ كم سفيرا شيعيا في البحرين أو وزيرا أو نائب وزير؟ كم نسبة الضباط السنة في المراتب العليا في الجيش السوري قياسا للضباط العلويين وكم كرديا كان يمثل العراق أيام صدام حسين وكم سنيا في موقع القرار الآن ؟كم شيعيا في مواقع القرار في الكويت أوالسعودية وكم حوثيا في مناصب الدولة العليا في اليمن.
النتيجة إذن: لقد فشلت الدولة الوطنية في استيعاب الأقليات واعتماد قانون المواطنة المتساوية. حل مشكلة الأقليات معروف ومطبق في أرجاء العالم. المواطنة المتساوية التي لا تميز بين شخص وآخر لا في الحقوق ولا الواجبات. لهذا السبب لا تتمرد الأقلية الطليانية في سويسرا ولا الأقلية الصينية في ماليزيا ولا الأقلية الفرنسية في كيبيك بكندا ولا الآميش في ولاية بنسلفانيا الأمريكية.
بينما يتمرد القبارصة الأتراك في شمال قبرص والأكراد في شمال العراق وشرقي تركيا والأوسيتيون والأبخاز في جورجيا والشيشان في روسيا والأرمن في نوغورنو كرباخ والهنود الأصليون في المكسيك. إنه القانون الأبدي: مع الظلم والقهر والتهميش يكون التمرد ومع العدالة والمساواة تلتحم فئات الشعب بغض النظر عن جذورها وقنواتها وأطيافها ومعتقداتها. فهلا تعلم العرب من هذه القاعدة بدل الإسراع إلى تفسير كل شيء بأنه مؤامرة. الجسم السليم يقاوم الفيروسات. أما إذا كان عليلا فما أسهل أن تغزوه الجراثيم وتطرحه أرضا أو تودي به إلى وفاة قبل الأوان.

المناضل الفلسطيني سيف الدين الدرين: «سايكس بيكوس جديدة تهدد الوطن العربي
◄ المعارضة السلمية في سوريا «واعدة»
سيف الدين الدرين من بين مناضلي منظمة التحرير الفلسطينية منذ اكثر من30 عاما.. وهو من الباحثين والمفكرين في الدائرة السياسية للمنظمة برئاسة الزعيم فاروق القدومي ابو اللطف..
يقول سيف الدين درين ردا على سؤال "الصباح": مرة أخرى نجد انفسنا بين استقطابات وتجاذبات.. محورها بعض العواصم العربية والاسلامية والقوى الدولية التي تقف وراء كثير من الساسة في المنطقة .. والتي لا تريد لشعوبنا ان تتقدم ولثوراتها من اجل الديمقراطية والشفافية والاصلاح ان تنجح.. وكأن هذه الامة محكوم عليها بالفشل والتعثر والعجز والتشرذم الى الابد، من اخطر ما يمكن ان تدفع نحوه شعوبنا ان تخير بين حلين احلاهما مر، ومن اخطر ما في المنطقة حاليا توسيع الهوة بين خطابين متطرفين الاول يتهم كل المعارضين لنظام بشار الاسد بالخيانة الوطنية وخدمة المشروع الاستعماري الاسرائيلي الاطلسي والثاني يتهم المقاومة اللبنانية والفلسطينية والقيادة الرسمية في سوريا بالتبعية لايران
لكني كمناضل فلسطيني قضى عشرات السنين من عمره في منظمة التحرير الفلسطينية اعترف اليوم انه لولا دعم نظامي ايران وسوريا للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية لما تكبدت اسرائيل خسائر فادحة في لبنان وغزة .. ولما اضطرت الى سحب قواتها من لبنان في 2000 ثم في حرب2006 لما اضطرت الى وقف عدوانها على غزة في 2012 بعد ان تاكدت من امتلاك المقاومة الفلسطينية في القطاع لاسلحة ايرانية متطورة مكنتها من ضرب تل ابيب وتهديد كل المواقع الاسرائيلية
ان المعارضة السلمية في سوريا واعدة.. وهي تنبئ بامكانية تحقيق التغيير السلمي والاصلاح المنشود..عبر سيناريوهات عديدة من بينها تقديم ضمانات لرموز النظام الحالي مع انجاز تغيير لايكون الرئيس بشار شخصيا طرفا فيه .. على ان تنطلق عملية اعادة بناء سوريا والتفاعل مع مطالب معارضتها السلمية .. التي لايمكن الا ان تتمسك بالدور القومي لسوريا ضد الاحتلال الاسرائيلي وضد مشاريع تقسيم خارطة المنطقة مجددا في اتجاه تكريس شعار : تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم .. بما يعني دفع المنطقة من الامة الموحدة الى دويلات متنافرة وصولا الى تقسيمها طائفيا ومذهبيا وعرقيا .. ليبلغ الامر ببعضهم بعد اندلاع الثورات الشعبية العربية الى محاولات مزيد تقسيم كل المجتمعات العربية حسب انتماءات المواطنيين الجهوية والقبلية والعشائرية ..
انها جرائم ترتكب من قبل قوى محلية ودولية في حق امتنا وشعوبنا التي لا بديل امامها غيرالتمسك بالقواسم المشتركة الثقافية والدينية والجغرافية والحضارية بينها واعتبار الاختلافات عنصر اثراء وليس عنصر ضعف..

الباحث والمؤرخ عبد الجليل التميمي: مسؤولية العقلاء والمشائخ والعلماء الانتباه الى مخاطر الاستقطاب العقائدي
في الوقت الذي يعرف العالم اليوم عددا من الاختراقات التربوية المهمة لتحديد معالم الإنسان الجديد وموقعة ذلك موقعا فاعلا عربيا وإسلاميا ودوليا لاستشراف ايجابيات الفكر الإنساني المبدع, يطلع علينا من حين لآخر من يشدنا وبطريقة سلبية للتلويح بملف الصراع السني الشيعي والتي تعددت مظاهره خلال السنوات الأخيرة وكانت من نتائجه تعميق الاستقطابات العقائدية والذي لا يخدم إلا أعداء الأمة على المدى القريب والبعيد.
فلينتبه العقلاء من المشائخ والعلماء الأبرار وذوي الحكمة والنضج الفكري سنة وشيعة للوقوف حائلا دون ذلك وأن واجبهم التاريخي هو الوقوف حائلا دون هذا الانزلاق البائس والخطير والذي سيؤدي بنا حتما إلى المزيد من تعميق الخلافات الدينية والفكرية, وكان الواجب عليهم تبني أساليب جديدة في إشاعة الأمن الفكري والديني والرجوع إلى صفاء تعاليم الدين الإسلامي, وتلك هي رسالة جديدة وجب على الجميع, كل من موقعه، السعي إلى تركيزها عبر الوفاق الديني المنشود وليس إثارة النعرات العقائدية المشطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.