منوبة: احتراق حافلة نقل دون تسجيل أضرار بشرية    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    عاجل/ مسؤول يؤكد تراجع أسعار الأضاحي ب200 و300 دينار..ما القصة..؟!    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    عيد الاضحى 2025: الأضاحي متوفرة للتونسيين والأسعار تُحدد قريبًا    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لكن حمزة لا بواكي له"
نشر في الحوار نت يوم 20 - 06 - 2010

إن الذي أحالني إلى هذا القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم استشهاد عمه حمزة بن عبد المطلب في غزوة أحد، لما " مر بدار من دور الأنصار من بني عبد الأشهل وظفر فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت " عيناه صلى الله عليه وسلم فبكى " بعد أن رأى أن لا أحد يبكي على سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ثم قال : " لكن حمزة لا بواكي له " أن لا أحد ولا جهة في ما أعلم وممن أعلم من الناس ومن الجهات المعلوم تصاعد بكائها على الكثير ممن يستحقون أو لا يستحقون البكاء عليهم ممن لهم بواكي، بكت على القائد عبد الملك ريغي قائد وزعيم تنظيم جند الله في بلوشستان السنية في " الجمهورية الإسلامية الإيرانية "، الذي تم إلقاء القبض عليه يوم 23 فيفري 2010 من طرف النظام الإيراني، في عملية تعاون استخباراتي شديدة التعقيد بين أكثر من جهاز مخابرات في منطقة جنوب غرب آسيا، كان النظام الباكستاني، الذي كان على رأسه أحد كبار المفسدين من عائلة بوتو آصف زرداري، الحليف الإسترتتيجي الأكبر للعدو الأمريكي في المنطقة وفي العالم في الحرب على الإسلام والمسلمين، أكبر الضالعين فيها.
لقد كان للشهيد عماد مغنية بواكي كثيرين، وكان لرئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري بواكي كثيرين حتى كاد لا ينتهي البكاء عليه. وكان لشهداء حزب الله وحركة حماس الكثير من البواكي كذلك. وإذا لم يكن للحوثيين بواكي كثيرين في الكثير من الأماكن، فإن الكثير من البكاء قد تصاعد من الإيرانيين عليهم، ليس لأنهم مظلومين ومن موقع الواقف مع المظلوم ضد الظالم، ولكن من موقع الداعم لجهة معينة على أساس التقارب الطائفي والسياسي، في إطار التحضير الإيراني الشيعي لقيادة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام ولكنه الإسلام الشيعي هذه المرة وهو في الحقيقة غير الإسلام الذي قادها عليه العرب والعثمانيون الأتراك السنة من قبل.
لقد تم اعتقال القائد عبد الملك ريغي وسط حملة إعلامية إيرانية تقدمه لمن يعرفه ولمن لا يعرفه على أنه عميل أمريكي بريطاني غربي صهيوني. وكان انتفاله من باكستان إلى دبي للقاء الموساد الصهيوني للتنسيق معه لتنفيذ عمليات إرهابية في " الجمهورية الإسلامية الإيرانية "، وهو الذي لا يقاتل إلا من أجل تمتع البلوش السنة في بلوشستان بحقهم بالتساوي في كل شيء مع غيرهم من العرب و الفرس وغيرهم من الشيعة فيها وفي إيران كلها. وهو المسلم السني الذي لا يمكن أن يكون عميلا للغرب ولا للصهيونية. ولكنه الكذب الإيراني، وهو البلد الذي لا يتورع علماؤه من الكذب البواح الصريح في الكثير من القضايا التي يكون فيها من الوضوح ما لا يحق لعاقل إنكاره، في الحوارات التي شاهدتها بعيني رأسي وتابعتها أكثر من مرة في الكثير من الفضائيات التي تناولت الكثير من القضايا الخلافية، خاصة بين الشيعة والسنة باتجاه تصحيح المفاهيم والتاريخ والوقائع والأحداث، في إطار البحث عن التقارب والتقريب بين المذاهب والطوائف. هذه النزعة المنفلتة حديثا من عقالها هذه الأيام، والتي يراهن الغرب وكل أعداء الأمة على الإستفادة منها، وهي من الإرث التاريخي الذي كان ينبغي أن تتجه كل الجهود لتجاوزها والتخلي عنها لمواجهة تحديات ومخاطر أكثر تحيق بالأمة كلها، لا فرق في النهاية عند القوى الدولية والعالمية التي تمثلها بين سني وشيعي وبين عربي وفارسي وبلوشي وكردي وغيرهم.
وأنا الذي كنت قد قلت في فترة من الفترات إبان حرب الخليج الأولى حين كنت أعتقد أن الثورة في إيران كانت ثورة إسلامية حقا، وبعد أن عرفت بعد ذلك أنها كانت ثورة شيعية، وبعد أن كان يسود عندي الإعتقاد في البداية كالكثير من غيري أن إيران قد أصبحت دولة إسلامية، وبعد أن تبين لي بعد ذلك أنها دولة طائفية مذهبية شيعية، ولست ضد طبيعتها الطائفية ولا القومية الفارسية فذلك شأنهم، ولكني ضد التكفير والتبشير المنظم الممنهج المدعوم والممول في بلاد العرب والمسلمين، أنه قد يكون من حق إيران، وهي التي كانت في موقع المدافع عن النفس في الحرب التي أعلنها عليها نظام البعث في العراق بالوكالة عن الغرب ونيابة عن العرب كلهم في ذلك الوقت، أن تتعاون حتى مع الشيطان في ظل العزلة التي كانت مفروضة عليها، وذلك التحالف الغربي العربي الواسع الداعم لصدام حسين في ذلك الوقت، وعندما تم الكشف عن ما يسمى منذ ذلك الوقت بفضيحة إيران غايت، التي تبين من خلالها أن نظام الثورة قد تم ضبطه متلبسا في صفقة أسلحة من الكيان الصهيوني، أنه من حق إيران في تلك الظروف وفي ذلك الوضع أن تجلب السلاح من أي جهة ومن أي طرف مهما كان معاديا، وبأي طريقة وعن طريق أي جهة، لأن الوضع عندها ينذر بخطر شديد. وهي التي قد يكون ومن حقها ذلك قد ذهبت إلى ذلك من موقع المضطر جدا، والغاية في هذه الحالة تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات. وإذا كان جائزا لإيران ذلك في ذلك الوقت، فكيف لا يكون ذلك جائزا لقيادة جند الله على فرض أن ما تقول إيران، أنه كان متعاملا مع الغرب ومع الكيان الصهيوني في القيام بعمليات تقول أنها إرهابية داخل إيران كان صحيحا، وإن كنت أعتقد شبه جازم أن ذلك غير صحيح وهو الذي يعاني فيها والبلوش السنة من الظلم والإضطهاد الفارسي الشيعي ما تعاني كل أو جل الأقليات العرقية والطائفية والدينية ما تعاني، ولكن في ظل حالة اليتم التي يجد نفسه يعيشها بفقدان الداعم والحاضن العربي الإسلامي، قد يكون من الجائز له التعامل مع أي جهة تكون له عونا على رفع الظلم وإنهاء القهر والتمييز والإضطهاد عن قومه وطائفته، واستعادة الحقوق المهضومة والمغتصبة...
هل ما يمكن أن يكو ن حقا لإيران في حرب الخليج الأولى، لا يمكن أن يكون حقا لعبد الملك ريغي، إذا كان ذلك واقعا فعلا، في حربه ضد النظام الإيراني من أجل حقوق أهله وعشيرته في الحرية والعدل والمساواة والأمن والأمان، وأن ما يمكن أن يكون جائزا لها لا يكون جائزا له من نفس موقع المضطر ومن موقع إلحاح الضرورة على نفس القاعدة الأصولية القائلة بأن الضرورات تبيح المحظورات " ومن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه "؟.

- الوضع المحرج للمقاومة الإسلامية في ظل الإنقسام العربي الإسلامي وحالة الضعف التي تعيشها الأمة:
ليست قضية تحرير بلوشستان واستعادة الحق المغصوب ورفع الظلم والتمييز عن البلوش أو العرب أو الأكراد أو غيرهم من الأعراق من السنة خاصة في إيران، بمعزل عن وضع الإنقسام الشديد الذي أصبحت عليه الأمة، والذي استفاد منه كل أعدائها وحتى البعض ممن من المفروض أنهم من مكوناتها.
ففي الوقت الذي لم يعد فيه قبولا للمسلمين في أي مكان من العالم حتى في الدول التي هم الأغلبية فيها، حتى يكون لهم استعداد للقبول بكل شيء وإن كان على حسابهم، وأن يقبلوا بهيمنة وسيطرة أي من الأقليات التي يتقاسمون معها الحياة في الوطن الواحد، لم يكن فيه قبول كذلك للمسلمين بعضهم لبعض، ولا مساندة من بعضهم للبعض الآخر، في وقت أصبح فيه الإسلام غير ممثل إلا في حركات مقاومة هناك وهناك، ليس لها من حاضن دائم ولا من داعم صريح وواضح قار إلا الله، ثم الشعوب التي مازالت لم تنته بعد إلى مرحلة أخذ زمام المبادرة وحسم الأوضاع في أوطانها لصالحها ولصالح المشروع الإسلامي..
وإذا كانت المقاومة مقبولة ومشروعة وصحيحة في البلاد أو الأقاليم غير العربية والإسلامية التي يمثل فيها المسلمون الأغلبية، فإن هكذا مقاومة كان لا يمكن أن تكون موجودة أصلا في البلاد والأقاليم العربية والإسلامية، لولا الوباء الجديد الذي عرفته كل بلاد العرب والمسلمين بعد انهيار الحضارة العربية الإسلامية، وبعد سقوط نظام الخلافة الإسلامية سنة 1924 الذي كان نتيجة ذلك الإنحطاط وذلك السقوط، ونتيجة حلول الحضارة الغربية محل تلك الحضارة، والإجتياح الغربي لكل مناطق نفوذ ذلك النظام، وفرض النظام العلماني محل النظام الإسلامي، والمحافظة والإبقاء على النظام التقليدي الذي هو صورة من صور النظام العضوض الذي كان المنعرج الأول والإنحراف المبكر عن نظام الشورى الإسلامي.
في هذا الإطار وفي هذه الظروف، ظهرت حركات المقاومة والجهاد والتحرير في أوطان شعوب أمة العرب والمسلمين، إما لتصحيح المسار وإصلاح الإنحراف في النظام التقليدي العضوض، أو لاستعادة العمل بالنظام الإسلامي وإنهاء العمل بالنظام العلماني، أو بالتحرر والتحرير والإستقلال من الإحتلال كما في روسيا والصين والهند وأفغانستان وكما في فلسطين، أو باستعادة الحقوق والخصوصيات كاملة كما في إيران التي تعتبر نفسها دولة إسلامية، أو باستعادة المسلمين حقوقهم في البلاد التي يمثلون فيها أغلبية وتحكمهم الأقليات كما في أندونيسيا ونيجيريا وأثيوبيا وغيرها ...
والملفت أنه ما من دولة قامعة لحركة تحرر إسلامية فيها إلا وكانت واجدة في حركة إسلامية ومقاومة إسلامية أخرى في مكان آخر من العالم الإسلامي متنفسا تنهي به بكاء المسلمين على إخوانهم فيها .
ففي الوقت الذي يقيم فيه النظام الروسي المجازر الفضيعة في الشعب الشيشاني، والسعي المستمر للقضاء على كل نفس تحرري في كل منطقة ودول القوقاز الإسلامية الواقعة تحت النفوذ الإستعماري الروسي، كان يجد في علاقة القبول بحركة المقاومة الإسلامية "حماس " التي تعيش وضعا صعبا في المنطقة التي من المفروض أن تكون الحاضنة الآمنة لها، والتي تبحث عن أي جهة تكون قابلة بها في المواجهة المستمرة القائمة بينها وبين الإحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، متنفسا لما عسى أن يكون من غضب أو عدم رضا إسلاميا من بعض الجهات أو من بعض الأطراف والمكونات الإسلامية والبحث عن موطئ قدم له في المنطقة. وهو الذي وجد في البرنامج النووي الإيراني فرصة لمعالجة الكثير من مشكلاته الإقتصادية التي ورثها عن الإتحاد السوفياتي بعد سقوطه وعن الحرب الشيشانية الأولى والثانية.
فإذا كان حزب الله كحركة مقاومة للإحتلال الصهيوني في لبنان يعتبر أن تنظيم جند الله تنظيما إرهابيا غير مشروع سواء من منطلق طائفي أو سياسي بحكم بيعته لمرشد الثورة الإيرانية التي تلزمه بالسمع والطاعة والولاء التام للنظام الإيراني الداعم السياسي والإعلامي والمالي والعسكري له، فإنه كان ينظر إلى المقاومة العراقية بعين الريبة والحذر لما كانت عليه من طبيعة إسلامية سنية غالبة، ولم يلتحق بها وباحتشام شديد إن كان قد التحق فعلا بشكل أو بآخر إلا في وقت متأخر، ولا يكون ذلك منه إلا بأمر إيراني لما عسى أن يصلح لها في مواجهة أمريكا والضغط عليها في المنطقة التي كانت من الأطراف التي أحلتها بها سواء في أفغانستان أو في العراق، وجعلت منها قوة غارقة في الوحل الأفغاني على حدودها الشمالية الشرقية مع أفغانستان وعلى حدودها الشرقية مع العراق. وهو الذي لا يستطيع أن يكون على خلاف الموقف الإيراني المساند والداعم لما يسمى بالمقاومة السلمية التي كانت مشروع توافق بين المرجع الشيعي الإيراني الأصل علي السيستاني وكول بريمر بتنسيق مع النظام الإيراني وبمباركة منه طبعا.
وإذا كان النظام الإيراني لا يقبل بالمقاومة إلا حين تكون مقاومة ذات طبيعة وصفة طائفية شيعية أو قريبة منه، فإن قبوله بالمقاومة الإسلامية خاصة من مثل حركة المقاومة الإسلامية " حماس " والجهاد الإسلامي ومساندته لهما واعتزام احتضانهما ودعمهما له، أبعاد أخرى في إطار المشروع الإيراني الذي ليست مكونات الحركة الإسلامية السنية بالمنطقة في الحقيقة من مكوناته، إلا أن مقتضيات المرحلة تقتضي منه ذلك. ولذلك كانت علاقاته بالنظام الروسي على أساس المصالح المشتركة بعيدة كل البعد عن ما يحدث في الشيشان وداغستان، لأن مما يهم إيران أن لا تقوم أي دولة ذات نظام إسلامي سني في العالم. وهي التي حرصت كل الحرص على التعاون مع أمريكا " الشيطان الأكبر " على الإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان الذي يقود مجاهدوه المقاومة ضد الإحتلال الغربي الأمريكي لها، والذين يمكن أن تكون لهم وتنظيم القاعدة علاقة ما مع تنظيم جند الله السني في بلوشستان إيران. وفي نفس الوقت فإن من مصلحة إيران إيجاد توازن في كل مناطق الصراع الأمريكي الغربي الإسلامي السني الذي تقوده المقاومة الإسلامية السنية. وبذلك لا يستبعد أن تكون داعمة لوجستيا لبعض مكونات هذه المقاومة كحركة طالبان والحزب الإسلامي وحتى تنظيم القاعدة لإطالة عمر الصراع والإقتتال الذي ليست طرفا مباشرا فيه، ولما تجد فيه من ربح للوقت وهي بمنآى عن أي تهديد أو خطر جدي من أي تحالف أمريكي أوروبي صهيوني عسكري ضدها حتى الوصول بمشروعها النووي المدني والعسكري إلى بر الأمان.
لئن كانت المقاومة ذات الطبيعة الشيعية أو القريبة منها طائفيا، والأقليات الشيعية في الكثير من المواقع التي لإيران مصلحة في الإهتمام بها والتنسيق معها واجدة منها مساندا وداعما وحاضنا كما هو الحال في لبنان مع حزب الله وفي أفغانستان مع الأقلية الشيعية بمزار الشريف هناك، وكما في اليمن مع ظاهرة الحوثيين، وكما في البحرين حيث يعتقد أن هناك أغلبية شيعية محكومة بأقلية سنية، فإن المقاومة السنية الفاقدة للسند في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي السني كما في فلسطين وربما في أفغانستان، وهو التقسيم الذي فرضه السلوك الإيراني والخطاب الإيراني في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، وهي التي في حاجة ماسة إلى داعم ومساند ومساعد وحاضن لم تجد بدا من أن تقبل بعلاقة ما مع النظام الروسي المعادي للإسلام والمبيد للمسلمين في الشيشان وفي داغستان وفي كل دول القوقاز ذات الأغلبية المسلمة، مما يجعلها مضطرة لعدم الإهتمام بالسلوك الروسي ضد الإسلام والمسلمين هناك، وبعلاقة مع النظام الإيراني الذي يسوم المسلمين السنة والأقليات العرقية هناك أشد العذاب، ويسلط عليهم المظالم بعدم احترام خصوصياتهم وهضم جانبهم وانتزاع حقوقهم وتسليط العنصر الفارسي عليهم. وهو النظام الذي وإن كان من حقه حماية وحدته الوطنية والترابية والبشرية، إلا أنه ليس من حقه أن يضمن ذلك بالظلم والقهر والحيف، ولكنه وهو النظم الإسلامي كان عليه أن يضمن ذلك بالحق والعدل والمساواة، دون الإلتفات للسلوك الإيراني الظالم لهذه الأقليات هناك، والذي يبدو داعما وحاضنا لها في فلسطين تحديدا، ومساندا لها في حقها المشروع في الإستقلال والحرية وتقرير المصير. وهو النظام الذي يريد أن يجعل من بلاده دولة إقليمية قوية وقوة دولية، وهي غير القادرة على تحقيق وحدتها الوطنية وعلى تحقيق العدل والمساواة بين كل أبناء الوطن، وبين كل مكوناته من مختلف الأعراق والأديان والمعتقدات والطوائف.
في هذه الظروف وبهذه العلاقات وبهذه التناقضات، كان طبيعيا أن لا يجد القائد عبد الملك ريغي من البواكي له إلا القليل النادر ممن هم خارج هذا الوضع شديد التعقيد من العلاقات الدولية والإقليمية، والذي أصبح مفروضا فيه على المسلمين السنة في حركات المقاومة السياسية والعسكرية الكثير من الحرج، لعدم وجود حاضن أمين لها في النظام الإقليمي العربي الإسلامي السني، ولوجود هذا الحاضن الإيراني المغشوش المتعدد المعايير والأوجه، المتناقض في سلوكه في التعامل مع نفس الجهات ذات الطبيعة الواحدة بين من هم بالداخل ومن هم بالخارج. هذا النظام الذي لو لم يكن طائفيا مذهبيا عرقيا لكان أكثر قبولا، ولكان أكثر انسجاما مع المحيط العربي الإسلامي المقاوم كله. ولو لم يكن كذلك، وكان إسلاميا لما كان قائد جند الله موجودا ولما وجد تنظيم جند الله ولما وجدت المشكلة أصلا، ولما كان هذا الصراع والتدافع والإقتتال الداخلي الذي لا مصلحة فيه لأحد، ولوجد الكثير من البواكي لكل شهيد مسلم، ولكان كل المسلمين بواكي بعضهم لبعض، لأن الإقتتال سيكون بين من إذا قتل موتاهم يكونوا في النار، وإذا قتل موتانا يكونوا في الجنة، لأن الصراع سوف لا يكون إسلاميا إسلاميا ليكون القاتل والمقتول في النار لا قدر الله، ولكن سيكون إسلاميا غربيا صليبيا صهيونيا ليكون قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.
كان على إيران أن تعيد، كما يفعل الكثير من المفكرين والباحثين فيها، النظر في سلوكها وعلاقاتها في المنطقة وفي العالم الإسلامي، وفي ثقافتها ومنظومتها الفقهية التكفيرية، وعلاقاتها الإنتهازية غير المبدئية مع كل مكونات حركة المقاومة، على غير أساس وتقسيم طائفي، وتمكين أصحاب الحقوق بالداخل الإيراني من حقوقهم لألا يكون لريغي من يبكيه حقا، ولرفع الحرج عمن من المفروض أنهم قد أصبحوا شركاء لها من مكونات المقاومة الفلسطينية خاصة، في معسكر الممانعة. وبذلك وحده تكون قيادة جند الله قيادة مدانة وأعمالها أعمالا مدانة. وبذلك وحده يكون قتلى جند الله في النار وقتلى النظام الإيراني في الجنة. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإن القائد عبد الملك ريغي سيكون بالرغم من قلة البواكي له قائدا تاريخيا، ويكون عند الله من الشهداء، وستكون اللعنة على من لم يبكه وعلى من لم يدع له، وعلى من لم يسانده ولم يؤيده ولم ينصره...

بقلم: علي شرطاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.