كثير من الناس لا يعرفون من شهر رمضان القادم سوى الصّوم عن الأكل والشرب الى جانب صلاة التراويح، بينما الواجب معرفته هو الصوم عن الكلام البذيء وعن الشتم، والسب، والغيبة، والنميمة، ليس هو لوحده هذا الشهر هو شهر العبادة، فالانسان مطالب ان كان حقا مسلما صادقا، ان يعبد ربه ويطيعه في جميع مدة حياته، فقد قال الله تعالى «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين» (الحجرات آية 99) و»اليقين» هنا بمعنى «الموت» يعني عبادة الله تكون كامل حياة الانسان، لا بمجرد حلول شهر رمضان. صحيح جعل الله مواسم للعبادة، لتذكير الانسان بالاجتهاد في فعل الخيرات والحسنات. ومن المواسم شهر رمضان «الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان» (البقرة (آية 184) قارب حلوله عليكم ضيفا مباركا، ووافدا كريما، لفترة ليست طويلة لعمر الانسان فاستقبلوه بالغبطة والسرور، والتآخي والتحابب، والتآلف والتوادد، واشكروا الله إذ بلغكم إياه، واسألوه أن يعينكم على العمل الصالح فيه، واسألوه القبول، ليس في الاسلام وسطاء، فكل مسلم من حقه الاتصال المباشر بالله خالقه «رب العالمين» لا إله إلا هو وحده لا شريك له فقد قال تعالى «وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم» (البقرة آية 168) «الله ربكم ورب آبائكم الأولين» (الصافات آية 126) قال سبحانه «وقال ربكم ادعوني أستجب لكم» (غافر آية 60) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم في شعبان «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليله القدر خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليلة تطوعا. من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد فيه الرزق، وفطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائما على مدقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائما سقاه الله عز و جل من حوضي شربة لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة، ومن خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار حتى يدخل الجنة، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما. وأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه. وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار» فهذا حث على الاجتهاد فيه بالاعمال الصالحة من فرائض ونوافل، من الصلوات وصدقات، وبذل معروف وإحسان، وصبر على طاعة الله. وعمارة النهار بالصيام، والليل بالقيام، والاجتهاد في الدعاء والذكر. وحذار من تضييعه بالغفلة والاعراض كحال الاشقياء. «الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم» (الحشر آية19) هؤلاء لا يستفيدون من مرور مواسم الخير عليهم ولا يعرفون لها حرمة، ولا يقدرون لها قيمة وخير لهم أن يتوبوا إلى ربهم ويتركوا العصيان والعنف والفحش، ويتطهرون حتى يغفر الله ذنوبهم جميعا، وان تدوم التوبة والاستقامة لنيل رضى الله تعالى فقد قال عز وجل وهو أصدق القائلين الذي أمر خاتم رسله ان يبلغنا «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم» (الزمر آية 53) وكثير من الناس لا يعرفون هذا الشهر إلا انه شهر لتنويع المآكل والمشارب فيبالغون في إعطاء نفوسهم ما تشتهي ويكثرون من شراء الكماليات التي لا داعي لها، ومعلوم ان الإكثار من الأكل يكسل عن الطاعة، والمطلوب من المسلم في هذا الشهر ان يقلل من الطعام حتى ينشط للعبادة والبعض الآخر من لا يعرف شهر رمضان الا انه شهر النوم والبطالة فتجده معظم نهاره نائما فينام حتى عن اداء الصلاة المفروضة والبعض الاخر من الناس لا يعرف شهر رمضان الا انه وقت للسهر في الليل على اللهو واللعب والغفلة فاذا فرغ من سهره تسحر ونام عن صلاة الفجر، والبعض الاخر يجلس على مائدة افطاره ويترك صلاة المغرب مع الجماعة هذا ما عليه كثير من الناس اليوم في شهر رمضان انهم يضيعون فيه الواجبات ولا يخشون الله ولا يخافونه فما قمية رمضان عند هؤلاء وماذا يستفيدون منه والبعض الآخر من الناس لا يعرفون شهر رمضان الا انه موسم للتجارة وعرض السلع، فينشطون على البيع والشراء فيه ويلازمون الاسواق ولا يحضرون المساجد الا قليلا من الوقت وعلى عجل، فصار رمضان عندهم ليس موسم عبادة وصنف اخر من الناس لا يعرف شهر رمضان الا انه وقت للتسول في المساجد والشوارع فيمضي اوقاته بين ذهاب واياب ويظهر نفسه بمظهر الفقر والفاقة وهو مخادع او يظهر نفسه بمظهر المصاب بالافات وهو سليم معافى فيجحد نعمة الله وياخذ المال بغير حق، ويضيع وقته الغالي فيما هو مضرة عليه هذه بعض المظاهر المنتشرة في عالمنا الاسلامي مع الاسف ان شهر رمضان هو في حقيقته واصله شهر تطهير من الانجرافات والرجوع الى الحق فضيلة هو شهر عبادة وعمل متواصل هو شهر نزول القرآن ولا حرج على من له عذر «فمن كان مريضا او على سفر فعدة من أيام اخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة آية 185) فالمصابون بالامراض الطويلة المدى عليهم ان يستشروا اطباءهم ويخرجوا صدقة مقابل ذلك ان كانوا قادرين على ذلك وفي استطاعتهم اطعام الجائعين المحتاجين وينالون رضى الله تعالى. فيا ايها الانسان المسلم الذي يريد فعل الخير وطاعة الله تعالى لا تكن في غفلة وعندما تنكشف امامك الحقائق تقول كما يقول هؤلاء يوم لا ينفعهم ندمهم «يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين» (الانبياء اية 97) ويدركون ان الفوز بالحقائق من هدي الله «ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل فماله من هاد» (الزمر آية 23) ولا تكن كالذين يتغافلون ويتعمدون الغفلة «يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون» (الروم اية 7) ويتناسون قول الله تعالى «وما كنا عن الخلق غافلين» (المؤمنون اية 17) وخصوصا الذين يظلمون غيرهم ويعتدون على حقوقهم «ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون» (ابراهيم اية 42) ليكن في علمك انك إذا أخلصت النية في عبادتك وكنت مدركا ان الله لا تخفى عنه خافية ويعلم ما في الصدور وأطع خالقك فلا شك انك ستكون رحيما مع غيرك ومع نفسك وتحب لغيرك ما تحب لنفسك، وإذا وصلت إلى هذا المستوى فانت الانسان الكامل في اخلاقه وعبادته والتزمت باصول دينك الحنيف وتبقى دوما في حالة استعداد تام للقيام بواجباتك التي فرضها الله عليك ولن تستطيع النفس الموسوسة ولا النفس الامارة بالسوء ان تضعف من عزمك وارادتك السمحة الصادقة مع خالقها بهدي منه والتزمت بامره تعالى «فاستقم كما أمرت» (هود آية 112) هذا السلوك كله يمكنك ان تتحلى به ان صمت رمضان بنية طيبة تهديك الى الخير وتبعدك عن الشر وتأهلك لتصبح انسانا مستقيما فشهر رمضان اقدر مقوم للمعوجين المنحرفين الجاحدين منهم او الجامدين حتى يعتدلوا أي مثقف العود أي قوّمه بعد ما كان معوجا.