مرة أخرى، تقدم الولاياتالمتحدة برهانا جديدا على أن الأولوية في سياستها الخارجية ليست للمبادئ والوعود والتعهدات والصداقات، بقدر ما هي لمصالحها حتى وإن فرضت عليها انقلابا ب180 درجة هذا البرهان يتمثل في الموقف الذي أعلنته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية جين ساكي أخيرا والذي اعتبرت فيه أن حكومة الرئيس المعزول محمد مرسي "لم تكن تمارس حكما ديمقراطيا" وأن خروج نحو 22 مليون متظاهر ضدّه كان "للتعبير عن آرائهم وإظهار أن الديمقراطية ليست مجرد الفوز في صناديق الاقتراع"، وهو موقف لا يحتاج إلى تبيين مقدار تناقضه مع المواقف السابقة الداعمة بشدّة لمرسي وجماعته والتي ذهبت قبل أيام قليلة إلى حدّ التلويح بوقف المساعدة الهزيلة التي تقدمها واشنطن سنويا لمصر والمقدرة ب1,5 مليار دولار معظمها عسكرية في حال تبيّن لها أن ما حدث انقلاب عسكري فالإدارة الأمريكية -وخلافا لسياستها السابقة- اختارت التعامل ببراغماتية مرة أخرى مع التطورات وأن لا تضع نفسها في مواجهة إرادة شعبية برهنت عن قوتها وقدرتها على إسماع صوتها في مصر خصوصا وقد أثبتت لها استطلاعات للرأي آخرها أجرته مؤسسة "غالوب" أن غالبية من المصريين (71 بالمائة) ترفض مساعدات أمريكية لكونها تستخدم كوسيلة للضغط السياسي على بلادهم اختارت عدم السير عكس التيار لاقتناعها بأن ما جرى في مصر لم يكن ولن يكون انقلابا عسكريا كما يصرّ البعض على وصفه، بل ثورة تصحيحية شعبية ناعمة -بالقطع ساهمت فيها المؤسسة العسكرية- على نظام أخلف بالتعهدات التي قطعها للناخبين قبل عام، وعمل جاهدا على فرض لونه وتوجهاته وخياراته وفلسفته قسرا على عموم المصريين وهذا الأمر لا يبدو أن بعضنا هنا في تونس قد اقتنع به بعدُ لإصرار غريب على دفن الرؤوس في الرمال بدل رؤية الخطر لمجابهته صحيح أن تونس ليست مصر، لكن الصحيح أيضا أن هناك أخطاء قاتلة ارتكبت من قبل حكومة "الإخوان" في مصر وأدّت إلى إطاحة محمد مرسي، وهي الأخطاء التي لا بدّ من العمل على تفادي تكرارها في بلادنا، حتى نكفل الوصول إلى برّ الأمان بأقل قلاقل ممكنة