تنامت مظاهرالأنشطة الموازية في مجال عرض الخضر والغلال بشكل جعلها تغلب على المسالك الرسميّة، وتضعف من دورها بشكل بارز، وهو أمر ضرب في العمق كافة قوانين عرض هذه المواد، وجعلها عرضة لكافة أنواع المراقبة الاقتصادية والصحّيّة علاوة على أن هذا العامل قد أطلق العنان لكل من هبّ ودبّ لممارسة نشاط تجاريّ في هذه المواد دون وجه قانون ودون تقيّد بشروط العمل في هذا المجال. ومثل القطاع التجاري في هذه المواد بوّابة جديدة استغلها الدخلاء للتسيّب والعبث بالسّوق، بترفيع الأسعارواعتماد أنواع المضاربات والغش والانتصاب كيفما وأينما طاب لهم غيرعابئين لا بالمراقبة البلديّة ولا بالاقتصادية ولا بالأمنية. وهي مظاهرزحفت على كل جهات البلاد وأحيائها وشوارعها ولم يقدرأحد على الحدّ منها ممّا جعلها تفرض واقعا جديدا تميزفيه الوضع بالانفلات. هذا الواقع الجديد الذي فرض على الجميع لا يمكن مقاومته خاصة أن عديد المسؤولين قد شجعوا عليه بنية امتصاص مظاهرالبطالة والحدّ منها وتوفيرأكثرما يمكن من مواطن الشغل تفاديا لكل مظاهر الاحتجاجات التي شهدت نسقا عاليا خلال السنتين الأخيرتين. لكن هذا التمشّي الذي شجّع عليه البعض وادعت وزارة التجارة أنها باتت غيرقادرة على مقاومته كان وليد سياساتها الخاطئة وتقصيرها في دعم مسالك التوزيع الرسميّة، وإهمالها لدورالمراقبة، وهي أمور باتت تخنقها الآن وتجعلها تقف متفرّجة أمام ارتفاع أسعاركافة أنواع الخضروالغلال، هذا دون الحديث عن أسعاراللحوم الحمراء التي قفزت فوق كل التصوّرات وباتت أسعارها في تونس تفوق ما هومعمول به في عديد الدّول الأوروبيّة، علاوة على الطوق الذي بات القصّابون يفرضونه على الجميع بالأسعارالتي تناسبهم، مما جعل قرارات وزارة التجارة بهذا الشأن تذهب أدراج الرياح. هذا الواقع الذي تردّت فيه البلاد، وفرض على المواطن يتطلب حزمة إجراءات شجاعة وقرارات وعقوبات صارمة، كما لا يمكنه أن يستقيم إلا بتفعيل دورمسالك التوزيع الرسميّة بدءا بأسواق الجملة وصولا إلى الأسواق البلدية والأسبوعية، وذلك علاوة على أخذ قرارات تنهي مظاهرالانتصاب العشوائي والتزود غيرالقانوني الذي بات يمثل اعتماده الشكل الأساسي في التعاملات حتى إن 60 في المائة من المواد صارت تروج يوميا بشكل غيرقانوني أي لا تمرّ عبرأسواق الجملة.