اليوم وحركة النهضة تستعد للاحتفال بتمكّنها من البقاء في السلطة رغم انتهاء الشرعية إذ لا يمكنها ان تنكر ان الشعب التونسي انتخب نوابا لكتابة دستور لمدة معينة يشهد الشيخ راشد الغنوشي أنها سنة واحدة لا أكثر لابد لنا من ان نصارحها وهي التي تنوي البقاء في الحكم لزمن تعجز هي نفسها عن تحديده ولم تعد قادرة على تخيل نفسها خارجه بأنه لا يمكن ان نصادق اليوم وبعد سنتين من حكم الترويكا بأغلبية نهضوية على ان الثورة أهدتنا "أقوى حكومة في تاريخ البلاد" مثلما قال وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام إلا إذا كان المقصود بمصطلح أقوى تلك القوة التي اعتمدتها الترويكا في معالجة ما اعترض سبيلها من صعوبات خلال السنتين الماضيتين.. قوة لم نعاينها لا في حكم الزعيم بورقيبة ولا الدكتاتور زين العابدين بن علي وإنما أهدتنا إياها "الثورة" وأناس دافع عنهم المثقفون عندما ووجهوا بالقوة والإقصاء والتحييد والمقصود هنا ليس استعمال الرش في سليانة أو الترفيع في أسعار ضروريات الحياة وتحطيم آمال العمال والموظفين بما يتم توظيفه من ضرائب على الرواتب وعلى الفواتير وعلى الهواء الذي نتنفسه وليس المقصود ايضا الأخطاء الدبلوماسية ولا التقصير الأمني ومشكلة مصدر التعليمات وتوقيتها والتي تسببت لتونس في فقدان أبنائها واستشهاد البعض من زعمائها ولا التهاون في معالجة ملف الإرهاب واستعمال القوة لإفزاع الشعب وتدجينه ولا حتى محاكمة الضحية عوضا عن الجلاد ولكن المقصود هو ما تم توجيهه للثقافة من ضربات موجعة ومن أهم هذه الضربات نجد مثلا عمل اغلب وزراء الترويكا وبعض قيادات حركة النهضة -خاصة- بالتصريحات وبالتلميحات على تقزيم محاوريهم من المثقفين في بلاتوهات الراديو والتلفزيون والندوات والملتقيات والموائد المستديرة ومحاولات تغييبهم حتى ان البعض يصرون على نفي أية علاقة للأدباء والشعراء والسينمائيين والمسرحيين والمفكرين والمؤرخين وعلماء الآثار والإعلاميين والفنانين التشكيليين بالثورة ويتناسون- ولعل بعضهم لا يعرفون -او لا يصدقون المؤرخين الذين كثيرا ما يوضحون بان الحكم في تونس قام سابقا على النخب ولن يقوم إلا على النخب والكفاءات التي يتم حاليا إبعادها وتشويه صورتها والتقليل من شانها. "أقوى حكومة في تاريخ البلاد" جاءت بعد ثورة استعملت قوانين النظام السابق وعلى أساسه حاكمت المثقفين على آرائهم وأفكارهم وسجنت الفنانين من اجل أعمالهم الفنية وكتاباتهم(الفنانين التشكيليين بسبب أعمال فنية اعتبرت تهديداً للنظام العام والأخلاق الحميدة) وأصرت على تكميم أفواه الإعلاميين ولاحقتهم قضائيا لاعتقادها بأنهم يستهدفونها ولا يسعون إلى التأسيس بعد ثورة ساهموا في انجازها ويحاولون حماية أهدافها واقوي حكومة في التاريخ خفضت في ميزانية وزارة الثقافة لسنة 2013 التي تراجعت إلى حدود 0.63 % من الميزانية العامة للدولة وهذا التراجع اضر بميزانية التنمية المخصصة لبناء و تجهيز المكتبات العمومية ودور الثقافة ومراكز الفنون ومعاهد الموسيقى والعناية بالتراث بما لم يسمح لا بانجاز المشاريع الجديدة ولا بإكمال المشاريع القديمة ولا بتمويل أنشطة مراكز ونوادي ثقافية لم تتوقف على النشاط حتى في أحلك فترات الحكم السابق وفرض أتعس أشكال التقشف على تمويل وتدعيم الفنون والآداب وكل ما يصنع الإنسان والحضارة ويؤكد الهوية التونسية طبعا مثل هذا التقشف انعكس على كل التظاهرات الثقافية الوطنية والجهوية والدولية وأثار استياء المثقفين وشعورهم بان أقوى حكومة تهمش الثقافة ولا تضعها في درجة لائقة في سلم خياراتها وهو ما سيعجل بمزيد تدهور القطاع الثقافي ولن نسال هنا كم تريدون من 23 أكتوبر وإنما السؤال هو على أية درجة تضعون هذه "النجاحات"على سلم اعتقادكم بأنكم نجحتم في ما سعيتم له وخططتم من تجهيل وتخويف وتفقير لتنطلقوا في 23 أكتوبر أخرى...