على وقع الضربات العسكرية لتنظيم "داعش" المتطرف في محيط مدينة سرت الليبية، كشفت مصادر تعاملت مع عناصر في التنظيم بالمدينة الواقعة في الشمال الأوسط من البلاد، أن خلافات وقعت بين الدواعش على البقاء في المدينة أو الرحيل منها. وقالت إن هذا يأتي على خلفية مخاوف من بعض القادة من تعرض التنظيم لمزيد من الخسائر، خاصة على الجبهة الشرقية لسرت والتي توجد فيها بوابات يسيطر عليها مقاتلو التنظيم من جنسيات أفريقية معظمهم سودانيون وموريتانيون. وتمتد هذه الحواجز حتى مدينة إجدابيا بطول نحو 300 كيلومتر، بينما توجد غالبية القيادات التونسية الرافضة للرحيل إلى الجنوب داخل مجمعات سرت الحكومية التابعة للنظام السابق. ويعول دواعش سرت على وصول مزيد من المقاتلين من سورياوالعراق، هربا من الحملة العسكرية على التنظيم هناك. ووفقا لمصادر عسكرية وشهود عيان، تعرضت عدة نقاط أمنية تابعة ل"داعش"، تقع على الطريق الصحراوي الطويل الواقع على البحر المتوسط، ويصل بين سرت وإجدابيا، لضربات من الطيران الحربي الليبي، خلال الأيام القليلة الماضية، لمنع التنظيم من التمدد إلى المدينة الصغيرة، التي تعد بمثابة المدخل الغربي لمدينة بنغازي، ثاني كبرى المدن الليبية. وأدى قصف طيران الجيش الحربي الذي يعمل تحت قيادة الفريق أول خليفة حفتر إلى مقتل ما لا يقل عن 25 من عناصر التنظيم غالبيتهم من السودانيين، إلى جانب عدد أقل من الموريتانيين وجنسيات أفريقية أخرى. ومنذ توقيع عدد من الأطراف السياسية الليبية لاتفاق الصخيرات، تحت رعاية الأممالمتحدة، من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني ومجلس رئاسي لإدارة البلاد ودعمها في الحرب على التنظيم المتطرف، بدأ قادة من "داعش" في سرت التخطيط للرحيل جنوبا، والتحصن في منطقة تجار المخدرات والمهربين والتي تعرف باسم "مثلث كولومبيا"، وهو مثلث حدودي مع كل من ليبيا والجزائر والنيجر، ويقع على مساحة واسعة من الجبال والرمال والأودية الوعرة. ووفقا للمصادر في سرت فقد بدأ عدد من القادة التونسيين في التنظيم بالمدينة، خلال اليومين الماضيين، وبالتشاور مع عناصر أخرى من "داعش" في بلدة صبراتة القريبة من الحدود الليبية التونسية، يجنحون إلى رفض فكرة سابقة بالانتقال من سرت إلى أقصى الجنوب الغربي، أي إلى محيط بلدات سبها ومناطق تمنهند وغيرها، وهي مناطق يوجد فيها متطرفون أيضا. ويتبنى التونسي الملقب في سرت باسم "أبو يحيى"، موقف البقاء في سرت. وقالت المصادر إن الدواعش في صبراتة، ومنهم شاب تونسي أيضًا يدعى "قرباوي" ترفض فكرة التخلي عن المدينة. ويتعارض موقف الدواعش التونسيين في ليبيا مع موقف السودانيين الذين خسروا مواقعهم على حدود بلدة إجدابيا، تحت قصف الطيران. وقال المصدر إن قياديا داعشيا من منطقة دارفور، يدعى أبو هريرة السوداني، كان يدير مواقع أمنية على حدود إجدابيا، وعاد أخيرا إلى سرت مع خمسة آخرين، هم كل من تبقى من مجموعته التي كان قوامها ثلاثة عشر مقاتلا، بعد أن تعرضت المجموعة لقصف من الطيران الليبي. وأضاف أن السوداني احتج على تصميم التونسيين على عدم الرحيل عن المدينة. وتابع المصدر الذي يعيش في سرت قائلا إن هذا يعد من مواقف الاختلاف النادرة بين قيادات من الصف الأول والثاني في التنظيم داخل المدينةمسقط رأس القذافي والتي قتل فيها أيضًا عام 2011. ويرفض "داعش" ليبيا الاعتراف بأي سلطة لا توالي الخليفة المزعوم في "العراق والشام"، أبو بكر البغدادي. وقالت صحيفة "الشرق الأوسط" من مصادر أمنية في طرابلس أن كلا من "أبو يحيى" و"قرباوي" شاركا في اجتماع في العاصمة مع عناصر من التنظيم لديها معسكر قرب مسجد عين زارة، قبل أن يظهر الموقف الرافض لمغادرة سرت. ومن جانبها أفادت المصادر الأمنية التي ترابط على جبهة إجدابيا - سرت بأن الخسائر التي تعرض لها التنظيم خلال الأيام الأخيرة، أجبرت عناصر من الدواعش السودانيين على سرقة سيارات دفع رباعي من شركات نفطية مجاورة والفرار بها إلى الجنوب انطلاقا من طريق إجدابيا - جالو، وهو طريق يصل إلى واحة الكفرة ومنها إلى حدود السودان. وأصابت مساعي أطراف ليبية لإنجاز حكومة توافقية تنظيم "داعش" بالارتباك. ويحاول الليبيون التخلص من حالة الانقسام بين مركزين للسلطة، أحدهما في الشرق (طبرق والبيضاء)، ومعترف به دوليا، والآخر في الغرب (طرابلس ومصراتة)، وغير معترف به دوليا. ومع أن الجيش الوطني بقيادة حفتر يشن منذ أكثر من سنة حملة عسكرية ضد المتطرفين، إلا أنه يعاني من ضعف التسليح والإمكانيات. وتقول الأممالمتحدة إنها يمكن أن ترفع الحظر عن تسليح الجيش في حال تشكيل حكومة وفاق. وجرى اختيار فايز السراج لشغل موقع رئيس هذه الحكومة، ورئيس المجلس الرئاسي (مجلس مستحدث). لكن ما زال أمام مثل هذه الحكومة خطوات كثيرة لكي تتمكن من العمل الفعلي. ويضغط كثير من الدول، خصوصا دول الجوار الليبي، من أجل توجيه ضربات ل"داعش" في ليبيا. والتقى السراج مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتواجه مصر قواعد للتنظيم المتطرف في شبه جزيرة سيناء، كما تعاني من أعباء حماية حدودها من طرف واحد مع الحدود الليبية، بسبب الفوضى التي تضرب هذا البلد النفطي. ومن جانبه توقع الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، ألا يظل العالم مكتوف الأيدي في الوقت الذي ينتقل فيه "داعش" إلى ليبيا رويدا رويدا، جراء ما يحدث في سورياوالعراق. ونفذ "داعش" عمليات دامية في تونس في الشهور الماضية. وقالت المصادر في مدينة سرت إن قيادات التنظيم المتطرف من التونسيين انتهوا إلى رفض مغادرة سرت، رغم تحذير الدواعش السودانيين، وبعض الجنسيات الأفريقية الأخرى من خطورة الاستمرار في اتخاذ المدينة كمركز للتنظيم، خصوصا بعد أن جرى رصد طائرات يشتبه في أنها أجنبية، وهي تقوم بطلعات استطلاعية فوق المدينة. وقال مصدر أمني على تخوم المدينة في إفادة عبر الهاتف "طائرات حديثة حومت في سرت على ارتفاع منخفض. ما أستطيع أن أقوله هو أنها ليست تابعة للجيش الليبي. هذه غالبا مهام لاستكشاف المنطقة تمهيدا لضرب مراكز الدواعش خلال الفترة المقبلة". وتستعد كل من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا لشن غارات جوية على قواعد "داعش" في سرت، بينما ستقوم القوات الليبية بعمليات برية ضد التنظيم. وسبق لمندوب ليبيا لدى الأممالمتحدة، إبراهيم الدباشي، القول في تصريحات لصحيفة "لاستامبا" الإيطالية، الأسبوع الماضي، إن الدول الغربية تعتزم شن هجمات جوية على مواقع "داعش" في سرت بمجرد أن تسمح الظروف السياسية بذلك، في إشارة على ما يبدو إلى بدء عمل حكومة السراج. (الشرق الأوسط)