استأنفت مؤخرا لجنة المالية والتخطيط والتنمية صلب مجلس الشعب النظر في مشروع مجلة الاستثمار الجديدة الذي علق منذ فترة للمصادقة على القانون الاساسي للبنك المركزي وقانون البنوك والمؤسسات المالية، باعتبارها قوانين ذات أولوية في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، في حين تبدو مجلة الاستثمار لدى اوساط المال والاعمال كذلك هامة وقد طال انتظارها مما ادى الى تعطل مسار التنمية من جهة واسترجاع نفس الاستثمار المكبل نحو ما يزيد عن الخمس سنوات من جهة أخرى، وهو ما يحتم ضرورة التسريع في المصادقة على مشروع مجلة الاستثمار في اقرب الآجال حسب راي الحكومة والمتدخلين في الشأن المالي على حد السواءحتى تكون جاهزة قبل موعد انعقاد الندوة الدولية للاستثمار في شهر نوفمبر المقبل التي تهدف الى استقطاب المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمار في تونس. ومن بين التعطيلات التي طالت مشروع مجلة الاستثمار على غرار تسبيق بعض القوانين عليها، فقد أثار مشروع قانون مراجعة منظومة الامتيازات الجبائية جدلا واسعا بين المختصين الاقتصاديين في ما يتعلق ببعض الفصول التي تضمنها وخاصة مسألة فصله عن المجلة الجديدة. فقد انتقدت جمعية الخبراء المحاسبين الشبان هذا القانون المتكون من 20 فصلا سيقع إلحاقها تباعا في عدد من المجلات الجباية على غرار مجلة الاداء على القيمة المضافة، وافاد مهدي معزون الرئيس الشرفي للجمعية ل»الصباح» بان فصل هذا القانون عن مجلة الاستثمار سيشتت التشجيعات الجبائية بعد ان كانت مجمعة في مجلة واحدة وهي مجلة الاستثمار. وانتقد معزون عملية حذف المجلة الجديدة لبعض الآليات الجباية على غرار حذف الية الامتيازات الجبائية بعنوان اعادة الاستثمار صلب المؤسسة باستثناء الشركات المصدرة كليا، مبينا أن هذه التشجيعات التي تم الاستغناء عنها مكنت الدولة في وقت سابق من الترفيع في القدرة الانتاجية للشركات وخلق مجامع اقتصادية كبرى باعتبار انها تشجع على الابقاء على الأرباح ضمن المؤسسة بدل توزيعها على الشركاء. كما عبر معزون عن استغرابه من الابقاء على الضريبة عند التصدير في المجلة الجديدة والمقدرة بنسبة 10 بالمائة والتي تم إقرارها في قانون المالية لسنة 2014، مطالبا في المقابل بضرورة الرجوع الى الطرح الكلي بالنسبة للأرباح المتأتية من التصدير كما كانت عليه الحال منذ سنة 1972 إلى غاية سنة 2013 حتى نتمكن من منافسة البلدان المجاورة لتونس مثل المغرب التي تمنح هذا الامتياز خلال ال5 سنوات الأولى من انطلاق المشروع. وهذه الامتيازات من شانها الترفيع من نسق نمو الصادرات التي يوفرها قطاع التصدير لضمان تدفق العملة الصعبة الى بلادنا بعد أن عرفت تراجعا حادا منذ صدور قانون المالية لسنة 2014. وأبدى كذلك الرئيس الشرفي لجمعية المحاسبين الشبان انتقاده لقرار التخفيض في الضريبة الدنيا للامتيازات الجباية المتعلقة بمؤسسات القطاع الخاص الى نسبة 15 بالمائة بعد ان كانت 20 بالمائة ولم يقع بالمقابل التخفيض في الضريبة العادية للشركات التي بقيت في حدود ال25 بالمائة. كما تم حذف التشجيعات الجبائية الخاصة بالإطارات الأجانب التي تشتغل في الشركات المصدرة كليا في المجلة الجديدة والذين كانوا ينتفعون بنسبة ضريبة على الدخل مخفضة بنسبة 20 بالمائة ليتم تطبيق القانون العام على جرايات الاطارات الاجانب مثلهم مثل التونسيين وهو ما سيؤثر سلبا على مواردنا الجبائية بعد ان يصبح الأجانب يتقاضون أجورهم مباشرة من الخارج. وعاب معزون المجلة الجديدة التي منحت امتيازات وتشجيعات جبائية للفضاءات التجارية الكبرى مما سيؤثر سلبا على تجارة التفصيل وكذلك سيستنزف موارد خزينة الدولة كما سيخلق منافسة غير شريفة بين تجار الجملة وتجار التفصيل، معتبرا ذلك تشجيعات مجانية وموجهة وتخدم جهات معينة على حساب جهات اخرى. وأعتبر في ذات السياق، عبد الجليل البدوي الجامعي والمكلف بالملفات الاقتصادية بمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ان المجلة الجديدة للاستثمار لا تعدو أن تكون إلا مواصلة لمجلة 1993 التي لم تنجح في حفز الاستثمار ليبقى بذلك في مستويات ضعيفة لم تتجاوز في أفضل الحالات نسبة 25 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. وانتقد البدوي من جهته، الفصل التاسع من المجلة الجديدة الذي يقضي بتحويل الارباح والفوائد الى الخارج دون تحديد اي سقف لها، معتبرا ذلك ليس في صالح بلادنا التي تعاني من إشكالية التداين ونقص في الموارد المالية. وشدد البدوي على ضرورة إقرار سياسات لتحقيق الهدف المنشود من مجلة الاستثمار المتمثل في تنمية الاستثمارات وإرساء حركية اقتصادية لتجسيم التنمية الجهوية وإحداث مواطن الشغل. كما عبرت عدد من منظمات المجتمع المدني عن انتقادها للمجلة الجديدة التي تفتقر في مجملها الى روح التجديد وعدم مسايرتها للمتغيرات التي طرأت على المشهد الاقتصادي المحلي.. وبالرغم من محاولات وزير التنمية ياسين إبراهيم في العديد من المناسبات لتوضيح الغموض ونقاط الاستفهام التي صاحبت مشروع مجلة الاستثمار، الا انه لم ينجح في ذلك وبقيت المجلة الجديدة محل تجاذب بين التونسيين لما تضمنته من نقاط خلافية حول واقع ومستقبل الاستثمار في تونس. كما من المتوقع ان يتواصل الجدل بشأنها بعد إيداعها لدى مجلس الشعب مؤخرا وانطلاق لجنة المالية والتنمية والتخطيط في مناقشتها على ان تكون جاهزة للتصويت عليها في جلسة عامة تحت قبة المجلسفي الأيام القليلة القادمة. وفاء بن محمد جريدة الصباح بتاريخ 29 جوان 2016