يعد ملف التهرب الجبائي من أبرز الملفات التي ستشملها الإصلاحات الكبرى التي أعلن عنها مؤخرا رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد في برنامجه الإصلاحي إلى جانب مقاومة التهريب والتجارة الموازية والحلول الاقتصادية العاجلة التي ستجنب الدولة الدخول في سياسة التقشف سنة 2017. ومازالت بلادنا تتكبد خسائر تعد بالمليارات جراء ظاهرة التهرب الجبائي والعزوف عن دفع الضرائب، هذه الظاهرة التي سرعان ما استشرت في البلاد إبان الثورة وأثرت سلبا على مفاصل الدولة خاصة أن الجباية تعد من أهم الموارد الذاتية التي توفرها سنويا لضمان استمراريتها وتغطية العجز الحاصل في الميزانية العامة والذي لازمها لأكثر من خمس سنوات متتالية ليصل مؤخرا إلى حدود ال6.5 بالمائة والحد من نزيف التداين الخارجي الذي بلغ حدود ال62 بالمائة من الناتج المحلي الخام. فاليوم يتسبب التهرب الضريبي في خسارة سنويا في ما بين 5 و7 آلاف مليون دينار علما وان أكثر من40 بالمائة من الشركات التي تتعمّد التهرّب الضريبي وفي حدود ال 80بالمائة من موارد الجباية متأتية من الاقتطاع على الأجراء. كما يتحمل الأجراء وصغار المهنيين وبعض المهن الحرة العبء الأكبر من المساهمة في دفع الاداءات المباشرة للدولة بما يناهز ال51 بالمائة ويتم اقتطاع 100 دينار في الشهر من الأجراء، في حين لا تدفع بعض المهن الحرة على غرار المحاماة والطب سوى 500 دينار في السنة. وبالرغم من عدم التكافؤ الحاصل في عمليات دفع الضرائب بين فئات المجتمع التونسي، أبدى عدد من الأطباء والمحامين رفضهم الشديد للآليات الجديدة التي ستعتمد في استخلاص الضريبة حسب المناشير التطبيقية لقانون المالية لسنة 2016 والتحويرات التي جدت على بعض بنودها. وكانت قد خصصت الحكومة السابقة مجلسا وزاريا مضيقا في هذا الملف ولعرض مشروع إصلاح المنظومة الجبائية بهدف تحقيق التوزيع العادل للعبء الجبائي والتصدي للتهرب الجبائي وتبسيط المنظومة من خلال تجميع النصوص الجبائية في مجلة واحدة. ورأى عدد من المتدخلين في قطاع الجباية أن الدولة اليوم مطالبة بصفة ملحة بتشديد الرقابة على قطاع الجباية واستخلاص الضرائب من قبل الفئات التي تتعمد التهرب والحد من النزيف المالي لتوفير موارد إضافية في الخزينة العامة لا تقلّ عن 5 مليار دينار، أي ما يعادل تقريبا قيمة المبالغ التي تقترضها الحكومة سنويا. كما شدد الخبير المحاسب وليد بن صالح في هذا السياق على ضرورة استرجاع إدارة الجباية وبقيّة المصالح المكلفة باسترجاع الديون للديون الكبيرة المتخلدة بذمة عدد هام من الشركات والمؤسسات والأشخاص الطبيعيين التي تناهز في مجملها ال9.8 آلاف مليون دينار، داعيا هياكل الرقابة إلى مزيد العمل واليقظة لمراقبة المتورطين في التهرب الضريبي في البلاد. وباعتبار التهرب الجبائي جريمة مالية خطيرة حسب المتدخلين في الشأن المالي والاقتصادي، انتقد بن صالح عمل الحكومة السابقة في عدم توفيرها للآليات الضرورية لمقاومة هذه الجريمة ولم تقم بعد بإعداد مشروع قانون لإحداث هيئة دائمة منتخبة لمكافحة الفساد كما ينص على ذلك الدستور التونسي. وفي الوقت الذي اعتبر فيه عدد من الخبراء في الجباية أن قانون المالية لسنة 2016 قد أولى في عدد هام من فصوله أهمية بالغة للتصدي للتهرب الجبائي والقضاء على التهريب وفرض إجراءات ردعية في ما يتعلق بالرخص وعمل على تبسيط الإجراءات الديوانية وكرس مبدأ الشفافية عبر اعتماد قائمات الأتعاب بالنسبة للمهن الحرة، فضلا عن إصلاح النظام التقديري وحصر الاندفاع ب3 سنوات. اعتبر شق آخر أن هذا القانون قد ساهم في جزء كبير منه في الترفيع في الضغط الجبائي على كل المطالبين بالتصريح على الأداء في ما يخص المداخيل العقارية مما سيؤدي إلى الترفيع في العبء الجبائي على فئة دون غيرها وبالتالي مزيد تكريس عدم التكافؤ في استخلاص الضريبة. كما اعتبر عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي أن عملية التصدي للتهرب الجبائي تكون عبر ضرورة اجتثاث رؤوس وزعماء مافيات التهريب في تونس، مشيرا إلى أنّ تشديد المراقبة على هؤلاء المهربين وإخضاعهم للمساهمة الجبائية سيمكّن الدولة من توفير موارد مالية ذاتية جديدة تخصصها للاستثمار والتنمية وخاصة القضاء على البطالة. ويبدو أن هذا الإجراء قد انطلق به رئيس الحكومة الجديد يوسف الشاهد كأولى الإصلاحات الكبرى في برنامجه بعد أن تصدّت دورية عسكرية عاملة بالمنطقة العسكرية العازلة في بن قردان على مستوى الساتر الترابي فجر يوم السبت المنقضي إلى 7 سيارات تهريب، 3 منها قادمة من التراب الليبي بعد تبادل إطلاق النار بينها وبين المهربين، وتعد بذلك هذه الخطوة إشارة ايجابية لضرب التهريب. وفاء بن محمد