د. سلوى العباسي متفقدة عامة للتعليم الإعدادي والثانوي تلقت "الصباح نيوز" مقال رأي من الدكتورة سلوى العباسي متفقدة عامة للتعليم الإعدادي والثانوي حول "المتفقد البيداغوجي" الذي "منحه التشريع التونسي منذ عقود أدواراعلى غاية من الأهميّة والثقل وبوّأه المنزلة والمكانة المفصلية في المنظومة، ولكن أصبح وجوده منذ مدّة قصيرة كعدمه، نتيجة سياسة التّهميش غير المفهومة ولا المبررة" وفق قولها. وأكدت العباسي انه كان من المنتظر من وزارة التربية منذ ان اندلعت ازمة مقاطعة الامتحانات أن تدعو سلك التفقد كلا من موقعه للإسهام في تشخيص ما أنجز من البرامج وفي رسم خطة إنقاذ عاجلة تطرح أكثر من إمكانية لإنجاح المراقبة المستمرة والسنة الدراسية والامتحانات بصفتهم خبراء التربية والبيداغوجيا. وفي ما يلي نص المقال: قد يغيب عن أذهان الكثيرين أنّ المدارس الإعدادية والمعاهد ليست حكرا على أساتذة التعليم الثانوي الذين وضعوا تحت مجهر المساءلة وتحمّلوا بمعيّة نقابتهم كلّ أنواع العسف والضّغوط لتلقى على عواتقهم دون سواهم مسؤولية ما يقع في مؤسساتنا من تسيب وانفلات وغياب امتحانات وانقطاع دروس. والأخطر من ذلك سيجدون أنفسهم قريبا بمفردهم في مواجهة صعوبات تدارك ما يمكن تداركه وخاصة استكمال البرامج بأدنى الشروط التعليميّة يمكن تداركه وخاصة استكمال البرامج بأدنى الشروط التعليميّة التقويميّة المطلوبة ،حتّى لا نقع في حلول الجري العبثي وراء البرنامج و التكديس العشوائي للمعلومات والإملاء المفرغ من الجدوى، فيزداد الوضع التربوي عبثا و تأزّما وانهيارا، لاسيّما مع من سيجتازون امتحانات وطنية باتت مهددة بأتمّ ما يعنيه التهديد من معاني الغفلة والتجاهل لعلاقة التعلّم بالتقييم ومدى تأثر الامتحانات بتقطّع الدروس وعدم إنجاز أجزاء هامّة من البرامج. المتفقّد البيداغوجي فاعل تربويّ منحه التشريع التونسي منذ عقود حينما كانت لنا مدرسة، أدواراعلى غاية من الأهميّة والثقل وبوّأه المنزلة والمكانة المفصلية في المنظومة، ولكن أصبح وجوده منذ مدّة قصيرة كعدمه، نتيجة سياسة التّهميش غير المفهومة ولا المبررة التي تنتهجها وزارة التربية مع ما يزيد عن 600 فاعل تربوي من إطار الإشراف البيداغوجي، وكأنّ ما يجري في الإعداديات والمعاهد لا شأن له به، ولا دور له يذكر، بينما يملك هذا المتفقد بما يوكل إليه من مهامّ جسيمة (التأطير والتكوين والتفقد والتجديد وهندسة المناهج وبناء الامتحانات وتقويمها و...) أكثر من وسيلة وسلاح للتخفيف من حدّة الأزمة وإيجاد الحلول الموضوعية الرصينة، وقتما يفرض على الجميع أن يهرع إلى إنقاذ السنة الدراسية من بياض أشبه بالسواد وقد لا يتمكنون. تونسي بأكمله آمن بالتربية والتعليم وهو الآن يتفرج عاجزا تائها عن إيجاد السبل القويمة للإنقاذ والإصلاح؟ لقد بدأ تهميش وزارة الإشراف للمتفقد حينما اتخذ قرار تعسفي منذ بداية هذه السنة الدراسية بإيقاف كل ضروب اللقاءات والاجتماعات القطاعية التي كانت تنجز دائما على صعيد وطني في إطار هيئات المواد بمعدل ثلاثة اجتماعات في السنة يتطارح خلالها المتفقدون مشاغل موادهم وهواجس التدريس والتقييم ويوجدون بدائل مؤقتة لما يعاينونه أثناء عملهم اليومي من مظاهر الخور والهنات وكانت هذه الاجتماعات تعطي أكلها لتحدّ من مشاكل المنظومة قبل إصلاحها الإصلاح الجذري العميق وتعطي شحنة للمدرسين وبدائل تطوير وتغيير لممارساتهم وهي أجدى أ وليس بياض الموت وكفن الهدر والضياع بدأ يلتفّ حول جسد مرفقنا العمومي في ساعات الاحتضار لتقبر معه أحلام مجتمع بكثير مّما تعقده الوزارة من ندوات أضحت تجترّ الملفات نفسها وتقف عاجزة عن ولوج الأقسام وتبديل واقع المؤسسات وفي مقدمتها ملفّ الانقطاع المدرسي وصعوبات التعلم مّما أدى إلى تزايد عدد المتسربين والراسبين من سنة إلى أخرى لتأكيد أن "مقاربة الصعوبات بالنّدوات" هدر للمال العام وللجهد ما لم تؤد إلى حلول عملية تنفذ على أرضية الواقع . لقد أوقفت اجتماعات التفقد على مدى سنة دراسية بأكملها (باستثناء النزر القليل الذي ينجز كالرماد يذرى على العيون) بتعلّة عدم قدرة الوزارة على تغطية نفقات تنقل الإطار البيداغوجي السامي وإعاشته، ذلك الذي يتقاضى شبيهه في البلدان القريبة قبل البعيدة آلاف الدولارات أجرة وامتيازات وحظوة ومكانة، في حين يتنقل المتفقدون في تونس من جيوبهم وباستعمال سياراتهم الخاصة، ولا يسترجعون مصاريف تنقّلهم إلاّ بشقّ الأنفس أوتمنعهم الوزارة من العمل و يظلون رهائن محابس العطالة والتعطيل وهم لا يكادون ينجزون حاليا أيّ نشاط يذكر والمدارس مقفولة مفتوحة على العنف والفوضى، وهل هناك أبشع ممن يبقى في بيته رغم أنفه معطلا عن العمل ليتشدق المسؤولون المخادعون للشعب المسكين بشعارات "يلزمنا نافقو لتونس.. لابدّ من عودة قيمة العمل" والأدهى والأمر أنهم في كلّ مرّة يقحمون اسم تونس العزيزة أو تونس الشهيدة في تسمية حزب جديد لا علاقة له بتونس وهمومها ومشاريع إنقاذها الحقيقية كمن يلبس مدية طعنه وطنه وجها أو قناعا لا فرق ،فقط ليغطي فشله وليربح الانتخابات. ومن ناحية أخرى، تتجنّب وزارة الإشراف إنارة الراي العامّ والمهتمين بالتربية أنّ إطار التفقد التّونسي كان قد تجنّد على مدى سنتين لإنجاح مهمة نوعيّة وطنية عسيرة هي مهمّة بناء "المنهاج الدراسي العامّ" تلك المهمّة التي كانت من أبرز مخرجات الحوار حول إصلاح المنظومة ، قد تعمّد البعض أن يلحق بها الشبهات والأكاذيب لأغراض سياسية إيديولوجية لا علاقة لها بالتربية والتّعليم وكان لأطراف سياسية تحلم ربّما بنماذج تعليمية مغايرة في المرحلة السياسية القادمة، دور إبقاء هذا المنهاج التونسي طيّ السكوت والكتمان عمدا وعن قصد . المنهاج أهم ما هندسه خبراء التفقد التونسيون وبنوا وثيقة إطارية ستمثّل بشهادة الخبراء الدوليين الذين واكبوا بناءها وقوموها الانطلاقة الحقيقية لتغيير برامجنا الحالية التي استهلكت وتآكلت واستنفدت قيمتها وجدواها وصارت من أبرز مسببات الأزمة وعواهن التدريس، حينما لا يجد المدرسون ولا التّلاميذ في التعلّمات المبرمجة غير حشو الزوائد والمعارف المتقادمة والمقاربات العقيم، حينما توسم برامجنا التي قاربت عقدين من الزمن بكل سمات التفكك والهلهلة والتناقض وغياب النّجاعة والجدوى ومهارات الحياة وضرورات التكوين، ولم يعد لها دور في بناء شخصية المتعلم التونسي في ضوء الرهانات المستجدّة للمعرفة والقيم ومتطلبات المجتمع التونسي الجديد بما يعيشه من صراعات قيمية علائقية وما يكبله من عوائق التشغيل والتنمية والنهوض بالثقافة والاقتصاد. كنا ننتظر من وزارة الإشراف منذ ان اندلعت ازمة مقاطعة الامتحانات أن تدعو سلك التفقد كلا من موقعه للإسهام في تشخيص ما أنجز من البرامج وفي رسم خطة إنقاذ عاجلة تطرح أكثر من إمكانية لإنجاح المراقبة المستمرة والسنة الدراسية والامتحانات بصفتهم خبراء التربية والبيداغوجيا. كنا ننتظر اجتماعات طارئة موضوعها الامتحانات الوطنية وعلاقتها بالتعلّمات وانقطاعاتها وهدرها غير المسبوق. كنّا ننتظر مجرّد ذكر لدور هذا الكائن البيداغوجي المعطّل الموقوف عن العمل بفعل فواعل في زمن خراب التعليم العمومي. فهل عسى لقولي هذا أن يصل إلى آذان صمت وعميت عيونها عن حقائق ما يجب فعله ؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه أسير التجاذبات والمناكفات والحوارات الإعلامية العقيم التي لا علاقة لها بالهموم الحقيقة للتربية والتعليم؟