في شهر رمضان المبارك ، وفي كل مساء أحمل معي كتابي وأندرج نحو الحديقة العمومية حيث الخضرة والهدوء،هنالك أتوكأ مرفقي وأغرق في المشاهدة والتأمل والتيه الفكري،حتّى تأخذني سنة،فأرى العالم من حولي جنانا ظليلةً،وطيورا مغرّدةً، وأنا أركض بين الاشجار كطفل بريء حنّ إلى الربيع بعد غياب طويل، كنت أنطّ بين الازهار كفراشة جذلى بالشذى والندى ، كنحلة فارحة بصابة الرحيق المعطاء...وفجأةً التقيت بكِ، التقيت بحلم طفولتي وكبريائي وذكرياتي ، أنتِ كما أنت كما نسجك خيالي منذ دهرٍ، أنت فجر عشقي وصباح محبتي وضحى إلهامي،أنت شمس خريف صدودي وضياعي، أنت ظلالي الوارفة أيام صيف شجني وكآبتي، أنت فرقدي ونجمي الساطع في سماء خوفي وظلام أفكاري الحالكة، أنت تغريدة عمري التي لم ينتشي بها إنسيٌ غيري، أنت خلجة الأمان التي لم ينعم بها غير قلبي، أنت بؤبؤة عينيّ...أنت زخات الندى التي ترتوي منها شرايين عمري،، أنت ترنيمة الخلود التي تُزفُّ إلى أذنيّ في اللحظة مليون مرّة، أنت يومي الجميل الذي يعانق فيه صباحي السعيد صباحك الصبوح... نظرت إليّ مليّا ثم توارت عن ناظريّ ، اقتفيت الأثر الملائكي حتى أسقطني التعب ، فجلست تحت شجرة الزيتون الخضراء ، أواسي أحاسيسي وأنفاسي، فإذا بالسماء تتدلهم وقطرات المطر تتناثر على رأسي، أفقت من حلمي ، فإذا هي أمامي على مرمى همسة مني تجلس على كرسيّ الحديقة وبيدها كتابي، صامتة في ذهول والمطر قد بلّل يديها في كتابي والماء ينساب من دفتي كتابي: شلّالا من زلال الأشواق، فأوحى لها طرفي أن كلماتي[كلمات العشق السرمدي] في الصفحات قد يذوب مدادها وتفيض أنهارا من الصين إلى تطوان...فأومأت لي وجيدها الكريستال المبلّل يكاد يبهرني من آنعكاس شمس لقائنا،وهمست لي: شكرا لك ، فاضت أنهار عشقك بين شفاهي وزال ظمأ الفراق !!!