للأمكنة شواسعها الموغلة في الذات حيث العناصر و الألوان و التفاصيل ترجمان حياة و ما اللغة بالنهاية سوى ذاك القول البليغ الذي هو بمثابة الصوت الخالص في معانيه وخصائص بلاغته تقصدا للعبارة المثلى التي تبرز و تكشف كما أنها تحجب و كل ذلك لأجل نحت التجلي الدلالي نشدانا و وصولا لما نسميه البوح..نعم البوح هنا هو المقصد باعتباره التصريح والقول الخالص للدواخل والمرامي.. من هنا نصل ما به يكون المكان حالة و اطارا و كونا جماليا بالشكل المتخير لنلج عوالم الفنان الذي يرنو الى أن يأخذنا الى هكذا حوار بين الذات و المكان ..والمكان بكل مدلولاته النفسية و الثقافية و الاجتماعية و من خلال الذاكرة القريبة و البعيدة..انها لعبة الابداع الجميلة حيث يذهب الفنان و كل فنان بحسب نظرته الاستيتيقية في السياق الذي يتخيره و الخلاصة تعدد الرؤى والأفكار في هذا المنزع الفني الجمالي خاصة ونحن بصدد شأن تشكيلي.. ما معنى أن يعود فنان الى ما كان انطلق منه وفيه ..هل بفعل الحنين أم لغاية اعادة النظر أم هوفعل الراهن الكوني و تداعياته حيث أعادة تشكل سؤال الهوية و الحاحاته كما اكراهاته أم..أم..أم....أم بفعل الفجيعة المبثوثة في الأكوان المعولمة... انها و بتناولات مختلفة حرقة الفنان تجاه ذاته والآخر..والآخر هنا المكان بماهو فكرة جمالية باذخة تنهل منها المنجزات الابداعية في القصة و الرواية و الشعر و مختلف الأشكال في حقول المبتكر و الوجدانيات. هكذا نمضي مع الفسحة الجمالية التي تخيرتها فنانة عادت للمدينة التي ولدت فيها و عاشت و تعيش بين دروبها لتقيم علاقة أخرى تجاهها قراءة واكتشافا واعادة نظر و...تأويل وجداني سعت من خلاله الى ابراز مضامين ملونة يمكن بها و من خلالها استدعاء ما تداعى من قيم يحتاجها ساكن المدينة اليوم..و عامة الناس باعتبار الغائية الانسانية و الوجدانية للرموز و الشخصيات المذكورة في الأعمال و منها بالأخص الرمز الراحل و الأيقونة نيلسن مانديلا و الشاعر الأمهر الراحل ابو القاسم الشابي ... روائيون و شعراء و رحالة و غيرهم تعاطوا مع ثيمة المدينة وتعددت أشكال و سياقات هذا التعاطي لنجد مدينة متعددة الأبعاد و مختلفة القراءات و هذا يبرز خصوصا في المدونة التشكيلية التونسية.. هدى العجيلي الفنانة التشكيلية و الناشطة في الحقول الفنية و الأكاديمية و الجمعياتية تأخذنا الى لون آخر من سياقات هذا التعاطي في معرضها المتواصل الى غاية يوم 3 ديسمبر برواق دار الفنون بالبلفيدير تحت عنوان "المدينة.. رؤية مختلفة " ..أعمال بأحجام مختلفة و بتقنيات مختلطة على القماشة.. و طور آخر ضمن التجربة.. لوحات فنية بروح مغايرة و مختلفة عن سياق التجربة عند الفنانة هدى العجيلي التي سعت الى المواءمة بين ضرورات المضامين و المقتضيات التشكيلية قولا بالبعد الذي رنت اليه من خلال هذه التجربة و الظاهر بالخصوص في تقديم المكامن المطلوبة من المدينة التي منها البهجة و الحرية و العراقة و الأصالة و النور و الظلال و جماليات المعمار و الخزفيات النادرة..انها معادلة المضامين حيث عملت هدى على هذا الضرب من الفن المأسور بالمكان وفق حميمية مأخوذة بالجمال و الالتزام و القيم و العادات وفق نظرتها الماثلة أمام أسئلة الطفولة و الحلم و الآن و هنا.. كلمتي حرة... و اذا الشعب يوما...و وطن قوس قزح...مقولات و أشعار و وجوه بالسيراميك و حالة من الجليز المفعم بالقول و النشيد بألوان البهجة المطلوبة و المشاهد المفعمة بالاشراق لنرى الفرحة في عتمة الأشياء ..الشواشين و الأزقة المتسعة في بهائها كما ارتأته هدى .. هي باقة من غناء الوجد بصوت يرنو الى أن يصدح في الأكوان..المدينة بألوان قوس قزح و حلم الفنان الطائر..انها مدينة هدى العجيلي كما رأتها للوهلة الأولى منذ حوالي أربعة عقود..و الآن و هي تعيد قراءة حالاتها و أحوال الناس فيها بين لونين..الشجن و الحلم.. المدينة علبة تلوين بين معاني الشابي شاعرها الذي سكنها و هو طالب بالزيتونة في ثلاثينيات القرن الماضي..الشابي بأصوات السيراميك و سحر الزينة في الشبابيك.. هي مقاربة فنية لابتكر الحوار الآخر بين الشابي و المدينة و بين نيلسن و المكان الساحر منها و بين كلوديا و زخرف الباب التونسي حيث المرأة سيدة الباب و العتبة..توق آخر الى تفكيك المكان و البحث عن ممكنات الحوار الدفينة فيه..ان المكان مكانة. هي موسيقى الألوان و البراءة المقيمة بين الأقواس و الأبواب المزركشة و الأعمدة و الشرفات و الحوانيت و صخب الأطفال و المرأة الملتحفة بالدهشة و البياض ..السفساري..و ايقاعات الآلات المنبعثة من دكاكين و محلات الحرفيين و المهنيين في أسواق الذهب و الجلود و الحرير و الخشب و النحاس...انها المدينة بعطور الفنانة هذى العجيلي التي تعود و كأنها تعيد الأغنية الأولى..و الاكتشاف و بالتالي القراءة.. معرض و لوحات بلون الحلم الكامن في دواخل الفنانة هدى العجيلي التي ترى كما ترى مدينتها من زاوية الوجد والعلاقة الحميمة بين الفن والمكان ..بين الابتكار والاطار وبين الابداع والحالة ..كي لا تصير الحالة آلة زمن الاحساس المعولم..فكرة وحوار مباح.. وهدى العجيلي من التجارب التشكيلية التي برزت في السنوات الأخيرة حيث اهتمت بالجوانب الفنية والأكاديمية و لها مشاركات في ملتقيات و معارض عربية و أجنبية .. هدى العجيلي فنانة تشكيلية تسعى للذهاب باللون الى مناطق حيث المفردة التشكيلية عنوان قول و نحت كيان ..وترجمان أمل و حنين..هدى العجيلي و من هذه الحديقة الفنية المفتوحة على التلوين تصافح ولا تنشد غير القول بالفن كمفردة جمالية جامعة للأكوان..الناس و الجغرافيا والألوان واللغات..دار الفنون بالبلفيدير والأعمال الماثلة في الفضاء..تقول: المدينة..رؤية مختلفة حيث الشعر و السياسة و الفن و السيراميك..