نقابة الصحفيين تجدد رفضها إحالة الصحفيين والإعلاميين والنشطاء على معنى المرسوم 54    مجلس عمداء المحامين يدعو رئيس الجمهورية إلى اتخاذ اجراءات لاحترام دور المحاماة وفتح حوار مع هياكل المهنة    وزيرة الأسرة تسلّم 462 مورد رزق في 15 ولاية    التلفزة الوطنية تعتذر لمشاهديها وتفتح تحقيقا    صفاقس: وزير الفلاحة يدشن صالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    عاجل/ رئيس وزراء سلوفاكيا يتعرّض لإطلاق نار..    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    بن عروس: الكشف عن شبكات إتّجار بالمواد المخدرة    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    Ooredoo تحتفي بعيد الأمهات وتمنحك فرصة الفوز بمبلغ 10،000 دينار!    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    ميشيل مدرب جيرونا: إنهاء الموسم في المركز الثاني مهمة صعبة جدا    علي معلول: لاعبو الأهلي يمتلكون الخبرة الكافية من أجل العودة بنتيجة إيجابية    وزير السياحة يؤكد لمستثمرين كويتيين الاستعداد لتقديم الإحاطة اللازمة لتطوير استثماراتهم في تونس    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    منوبة: تفكيك وفاق إجرامي للتحيّل والابتزاز وانتحال صفة    بنزرت: توفير الظروف الملائمة لتامين نجاح موسم الحج    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    القلعة الخصبة: انطلاق فعاليات الدورة 25 لشهر التراث    الدورة ال3 لمهرجان جربة تونس للسينما العربية من 20 إلى 25 جوان 2024    الكاف: عدد الأضاحي لهذه السنة لا يتجاوز 56 ألف رأس غنم    في هذه المنطقة: كلغ لحم ''العلّوش'' ب30 دينار    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    الأكثر سخونة منذ 2000 عام.. صيف 2023 سجل رقماً قياسياً    البنوك تستوعب 2.7 مليار دينار من الكاش المتداول    بنزرت: إيداع 7 اشخاص بالسجن في قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    تصفيات مونديال 2026: حكم جنوب افريقي لمبارة تونس وغينيا الاستوائية    27 ألف متفرج لنهائي الأبطال بين الترجي و الأهلي    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    في مسابقة طريفة بصفاقس.. صناع الخبز يتنافسون على نيل شرف أفضل صانع خبز !    اخر مستجدات قضية سنية الدهماني    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    الكرة الطائرة ..أي «كلاسيكو» مثير بين النجم والترجي؟    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    الرائد الرسمي: صدور تنقيح القانون المتعلق بمراكز الاصطياف وترفيه الأطفال    ارتفاع عدد قتلى جنود الإحتلال إلى 621    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صفاقس: ينهي حياة ابن أخيه بطعنات غائرة    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    "حماس" ترد على تصريحات نتنياهو حول "الاستسلام وإلقاء السلاح"    الرئيس الايراني.. دماء أطفال غزة ستغير النظام العالمي الراهن    البرمجة الفنية للدورة 58 من مهرجان قرطاج الدولي محور جلسة عمل    للسنة الثانية على التوالي..إدراج جامعة قابس ضمن تصنيف "تايمز" للجامعات الشابة في العالم    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    الكاف: حريق اندلع بمعمل الطماطم ماالقصة ؟    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلفية اللغوية أو تحنيط اللغة العربية
نشر في الصريح يوم 27 - 11 - 2017

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للباحث التونسى «محمد أنيس مورو» والذى يتناول الحديث حول اللغة العربية والمحاولات المستميتة من قبل البعض إلى جعل اللغة حبيسة القرون الماضية وعدم توليد ألفاظ جديدة مع الاحتفاظ بقواعد اللغة الأساسية.
بدأ الباحث حديثه بالقول بأن المنهج السلفى يبدو أنه لم يعد مذهبا دينيا خالصا، ذلك أننا نراه اليوم حاضرا حضورا قويا فى مجالات أخرى من الحياة كالسياسة واللغة ونحوهما. والحق أن العودة إلى الأصول الصافية النقية فكرة مثالية تراود كثيرين ممن صاروا يصدعون بالنكير على من يرنو إلى التطوير وتبنى الأفكار والمناهج الحديثة ويرونها عبئا يستحسن العدول عنه. ارتبط مصطلح السلفية طبعا بمبحث العقائد الإسلامية أساسا؛ ولكن لو ألقينا نظرة فاحصة على المجال السياسى، على سبيل المثال، لألفيناه قائما على فسيفساء من الأحزاب التى تحمل إيديولوجيات ماضوية على الرغم من الخيبات المتتالية التى شهدتها هذه الإيديولوجيات.
أفليست العودة إلى الأفكار الماركسية أو البورقيبية (فى تونس) أو الديغولية (فى فرنسا)، على سبيل المثال، شكلا من أشكال «السلفية السياسية»؟ يبدو أن هذه النزعة إلى العودة إلى الأصول انتقلت من حقلى السياسة والإيديولوجيا لتنسحب على مناحى الحياة جميع حتى اللغوية منها.
تعج المكتبة العربية راهنا بالمصنفات التى تحمل هم تنقية اللغة من «الأدران» التى كدرت صفوها تحت مسمى «الأخطاء الشائعة فى اللغة العربية» غالبا. ويكاد البعض يشكك فى كل ما نقول ونكتب زاعمين أن اللغة التى نتكلمها اليوم ليست عربية، بل هى خليط هجين. «لا تقل كذا… بل قل كذا»، «الخطأ كذا…. والصواب كذا»: هذا غيض من فيض العبارات التى يستعملها «صائدو» الأخطاء الشائعة فى العربية فى كتاباتهم ويصدرون بواسطتها أحكامهم على الألفاظ والأساليب التى باتت مستعملة على نطاق واسع.
***
تنظر الكثير من الجماعات إلى اللغة باعتبارها مقوما من مقومات الهوية الوطنية أو القومية. وتعد فرنسا من بين البلدان التى تعالت فيها الأصوات منذ أمد بعيد منددة بتقهقر الفرنسية وتراجع مكانتها لدى الفرنسيين جراء استفحال ظاهرة الاقتراض المعجمى والمصطلحى من اللغة الإنجليزية فى المجالات المختلفة. وقد أدى ذلك إلى إصدار قرارات للحد من تغلغل الوحدات المعجمية الإنجليزية فى اللغة الفرنسية لتحل محلها وحدات معجمية فرنسية. وقد سنت أحكام جزائية تصل إلى حد «تغريم المؤسسات التى لا تستخدم الفرنسية فى فرنسا». كما شنت الحكومات الفرنسية المتعاقبة حربا ضروسا على المصطلحات الأجنبية فقامت بحملة صليبية (كما يصفها لويس جان كالفى مؤلف كتاب حرب اللغات والسياسات اللغوية) على المقترضات الأجنبية، ولاسيما الإنجليزية منها. ونشر أحد الصحفيين الفرنسيين مقالة فى صحيفة «لوموند» يشبه فيها المحجمين عن الدفاع عن اللغة الفرنسية بعملاء النازية.
ولقد ألغى موسولينى فى عام 1925 تعليم الفرنسية فى منطقة فال داوست، ومنذ عام 1923 منع الكلمات الأجنبية فى الملصقات وعلى اللافتات تحت طائلة الغرامة. وفى إسبانيا، وفى عهد فرانكو، تتالت النصوص التشريعية التى تحظر استخدام كلمات من غير الإسبانية على الملصقات وفى أسماء الشركات. وقد رأى لوى جان كالفى أن هذه السياسة اللغوية فاشية.
رهاب فساد اللغة
الواقع أن رهاب فساد اللغة لازم الكثير من الأمم قديما وحديثا حتى أن عبدالرحمن بن خلدون عاب على بعض نحاة عصره خرفشتهم وقصور مداركهم قائلا: «ولا تلتفتن فى ذلك إلى خرفشة النحاة، أهل صناعة الإعراب، القاصرة مداركهم عن التحقيق، حيث يزعمون أن البلاغة لهذا العهد ذهبت، وأن اللسان العربى فسد». ولقد تنبه عبدالرحمن بن خلدون منذ ذلك الزمن إلى هذه النزعة الرهابية حيال تطور اللغة معجما ونحوا وأسلوبا، فشدد النكير على دعاة «السلفية» اللغوية. فهل صار ابن خلدون أكثر تقدمية ونزوعا للتطور من العديد من «فقهاء» اللغة المعاصرين؟!
لقد بتنا نشهد مبالغات وتعسفا على المتكلمين ومحاولة فرض قواعد وألفاظ وأساليب قديمة ليست بنت عصرها. لو افترضنا جدلا أن إنجليزيا معاصرا أراد أن يتحاور مع إنجليزى آخر من القرن 13 لاستحال عليهما التواصل بسبب التغيرات الهائلة التى طرأت على هذه اللغة. فعلام هذا الندب والعويل على مصير اللغة العربية وهى التى لم تتغير كثيرا مقارنة بما كانت عليه منذ عشرات القرون؟ أليست العربية أفضل حالا من الإنجليزية فى هذا الجانب على الأقل؟ فإن المثقف العربى العادى بمقدوره أن يفهم أجزاء كثيرة من النصوص التراثية، وهذا دليل على أن العربية لم تتغير كثيرا إلى الحد الذى يبرر هذا الكم الهائل من المرثيات التى تبكى حال اللغة العربية، التى باتت تحتضر فى نظر الكثيرين.
فلنلاحظ كيف تبحث بعض الهيئات اللغوية عن تيسير القواعد اللغوية والتخفيف من تعقيدها حتى لا يجد المتكلم صعوبة فى حفظها واستعمالها. فقد شرعت الأكاديمية الفرنسية منذ عقود فى التخلى عن بعض القواعد التى عفا عنها الزمن ولم يعد لها موجب على غرار ما يعرف ب «Accent circonflexe» فلماذا يصر بنو جلدتنا على أن نظل حبيسى القرن الأول للهجرة فى حديثنا وكتاباتنا؟
***
وختاما لا شك أن حماية اللغة من غزو اللغات الأخرى المؤدى إلى اختلال انتظامها المعجمى والأسلوبى أمر محمود، ذلك أن لكل لغة انتظامها المخصوص الذى يكفل تفردها. ولا ريب أيضا أن ترك الحبل على الغارب للصحافيين والمترجمين والكتاب غير الأكفاء للخبط خبط عشواء هو أمر يصيب اللغة فى الصميم؛ إذ لا يجوز التعامل بتسامح مفرط مع الألفاظ والأساليب الدخيلة، بل ينبغى أن يوفق هؤلاء بين الحاجة إلى توليد الألفاظ الجديدة والالتزام بقواعد التعبير فى اللغة. ولكن فى مطلق الأحوال، ينبغى التوقف عن التعامل مع اللغة بحمائية مرضية، وفسح المجال أمامها لتتطور ولا تظل حبيسة للقواعد التى صيغت فى القرون الخوالى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.