تكاثرت التجاوزات الملتحفة ب" حرية التعبير " وتجاوزت كل الحدود القصوى والخطوط الأشد إحمرارا ! وآخرها التصريحات التحريضية الخطيرة للعديد من " السياسيين " المنفلتين الذين خسروا كل مصداقيتهم لدى الشعب ف0ختاروا الإمعان في استفزازه للإستفادة الإعلامية من رود فعله التي تحولهم أحيانا من " متهمين بالتحريض " إلى " ضحايا أعداء الديمقراطية " ! هذه الوقائع والأحداث المتراكمة بشكل فوضوي مزعج ومحبط جعلت الكثير من المواطنين ، من الخاصة والعامة ، يحملون " الديمقراطية " التي نزلت عليهم تنزيلا كل الأزمات التي عصفت بهم ، وتداعياتها الكارثية على ما تبقى من استقرار البلاد ، وتناسوا أن الديمقراطية بمفهومها الصحيح براء من هذه التجاوزات ، التي كان من المفروض توجيهها إلى نظام سياسي أعرج عبث بكل القيم الديمقراطية وإنتهك مفاهيمها وأصولها. فما يحدث في بلادنا لا علاقة له بالديمقراطية أصلا، وإنما هو توظيف فلكلوري لها . لا تستقيم الديمقراطية إلا عبر الإيمان العميق بقيمها ومبادئها والإلتزام بشروطها والإعتراف بنسبيتها وبالتالي الإستعداد الجماعي لحمايتها وصيانتها من دعاتها والرافعين لشعاراتها والمروجين ، صباحا مساء ، لفضائلها لأن أعداءها والمشككين في جدواها ، الزمن وحده كفيل بإثبات صحة مقارباتهم من عدمها !! شهدت البلاد في السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد الإنتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية ظهور تيارين متباينين يمثلان خطرا على الديمقراطية :جماعة التيار الأول يعتقدون أن الشرعية الإنتخابية مطلقة وتمكن أصحابها من التصرف في البلاد كما يتصرف أصحاب الأرض في مزرعتهم ، و جماعة التيار الثاني هم الخاسرون في الإنتخابات الذين تنكروا للمبادئ والشعارات والمقاربات التي كانوا يروجون لها ، وبسقوطهم سقطت الأقنعة التي كانت تغطي حقيقة معدنهم والذي لا يمت للفكر الديمقراطي بأي صلة . صحيح أننا نظمنا إنتخابات بالحد المطلوب من النزاهة والشفافية ، ولكن لا يعني ذلك ، مطلقا ، أننا ثبتنا أركان ديمقراطية حقيقية ، لأن المسار الديمقراطي لا يختزل في صندوق إنتخاب ، فما دام الجهل بقيم الديمقراطية وشروطها و0لتزاماتها ونسبيتها سائدا في الساحة السياسية فالفوضى ستتسع وتتواصل والشطحات الفلكلورية ستأخذ أبعادا درامية ويكون الوطن المنهك هو الخاسر الأكبر.