دخل قطاع العقارات في السنوات الاخيرة في ازمة بات معها العرض يفوق الطلب وهذه المعادلة ليست لان التونسيين حققوا اكتفاءهم في امتلاك منزل خاص لكل عائلة بل الامر خلاف هذا تماما بما يعني ان المشكلة من نوع آخر وتتمثل في كون الطبقة المتوسطة لم تعد امكانياتها تسمح بامتلاك منزل فما بالك بالطبقة الفقيرة . ما حصل في السنوات الاخيرة خاصة ان المستثمرين الخواص اعتمدوا اسلوبا يمكن وصفه بالاستغلالي حيث انهم وجراء انتعاشة قطاعهم عمدوا الى الرفع المتواصل في الاسعار التي كانت تتزايد سنويا بنسبة تتراوح بين 10و15بالمائة حتى باتت اسعار العقارات اي المنازل الجاهزة فوق طاقة الطبقة المتوسطة فاقل سعر منزل جاهز لا يقل عن 200ألف دينار اما ان كان المنزل بغرفتين وصالة والمرافق الاخرى فان السعر يصل الى 250او 300 ألف دينار في احسن الحالات. أسعار خيالية هذه الاسعار لم تعد في متناول التونسي العادي حتى وان كان موظفا لان الارتفاع المهول في الاسعار بشكل عام ضرب المقدرة الشرائية للتونسي وجعله يكتفي بتحقيق الضروريات حتى صار المنزل حاليا وكانه من الكماليات. معضلة أخرى تعاني منها الاسر التونسية وهو ارتفاع قيمة كراء المنازل التي تلتهم في افضل الحالات ثلث المرتب ما جعل امكانية الادخار لبناء او شراء مسكن مهمة شبه مستحيلة حاليا . هذا الامر يمكن ربطه بعوامل عدة منها كثرة الطلب في السنوات الاخيرة وتحديدا منذ 2011 على كراء المنازل مع تزايد عدد الوافدين من ليبيا وايضا ظهور اثرياء جدد بعد الثورة لكن كل هذا صار عكسيا ان صحت العبارة اي ان قطاع العقارات في تراجع مستمر ومعه حصلت ازمة للباعثين العقاريين الذين كانوا يعولون على كثرة الطلب الذي ولّى عهده. تعقيد اجراءات القروض تعتبر السياسة التي تعتمدها البنوك في تونس مساهما في أزمة السكن واليوم هي سبب رئيسي لحصول ازمة في القطاع ككل حيث ان كل البنوك تفرض شروطا مجحفة هي اقرب الى التعجيزية لمنح قروض السكن ومنه التمويل الذاتي الذي يصل الى 30بالمائة من القيمة الجملية اي السعر مع فائض مرتفع . هذا الاجراء يجعل من حصول العائلات على قرض سكني امرا صعبا جدا لان البنوك ترفض الكثير من الملفات بسبب عدم استكمال الشروط التي تضعها وتفرضها . ما صار يحصل حاليا ان الباعثين العقاريين لم يعودوا يبيعون الوحدات السكنية مباشرة بعد اطلاق المشروع كما كان يحصل سابقا حيث كانت نسبة ما يتم بيعه من منازل حتى قبل البدء في البناء تصل الى ما بين 60و70بالمائة اي ان الباعث العقاري يرجع تكلفة استثماره ويحق ربحا حتى قبل ان يبدأ في تنفيذ مشروع لكن حاليا فان نسبة ما يتم بيعه بشكل مسبق لم يعد يتجاوز ال5بالمائة مع العلم ان اغلب الباعثين العقاريين يمولون مشاريعهم من خلال قروض بنكية . السؤال هنا: لماذا لم تنخفض اسعار الوحدات السكنية رغم ان سوق العقارات في بلادنا تمر بأزمة جعلت العرض يفوق الطلب او بالاصح رغم قلة الطلب؟ الجواب ان عقلية الربح الكبير استحوذت على القطاع بل اكثر من هذا فحتى المؤسسات العمومية التي من المفروض ان يكون هدفها تسهيل الحصول على منزل للمواطن صارت تتعامل بعقلية الربح والتجارة . في هذا المستوى فان تدخل الدولة بات ملحا من ناحية معالجة مشكلة التمويل الذاتي وهو ما ستسير فيه الحكومة الحالية وفق ما وعدت به وايضا ضرورة مراجعة السياسة البنكية المتشددة . اجراء حكومي جديد الغريب في الامر ان الحكومة عوض البحث عن حلول لتخفيض أسعار العقارات نجدها تتخذ اجراء آخر يتمثل فيء السماح للاجانب بامتلاكها وهو في الحقيقة اجراء لانقاذ المستثمرين الخواص وان كان على حساب المواطن متوسط ومحدود الدخل.