تحية واحتراما وبعد، مواصلة لما كتبته في الحلقة الاولى أريد أن أتعرض للوضعية العقارية الآخذة في الضياع والتخلف ولم تعد سهلة وميسورة لتعقدها وعدم مواكبتها لتطورات العصر لكثرة التعقيدات وتنوع المحررين للعقود وقد حددهم القانون في ثلاثة وهم عدول الأشهاد والمحامون واعوان ادارة الملكية العقارية المطعون في حيادهم بوصفهم خصم وحكم لتفردهم بالنفاذ للمعلومة بسهولة عبر للوثائق المحفوظة تحت أيديهم البعيدة عن امثالهم. اما اسباب جمود الرسوم فمرده الى تغافل القانون عن تحديد آجال التسجيل للمحررات وخاصة منها عقود البيع والشراء وتعمد المعنيين تأجيل القيام بذلك خشية من المراجعات الجبائية وتعرضهم للمساءلة عن مصدر المال مقارنة مع ما كانوا صرحوا به كأداء عن ضريبة عن الدخل قبلها، ولذا كان البعض يكتفي بالامضاء على عقود البيع والشراء لعقار او عقارات بالتعريف به،خاصة ولم يرتب القانون الا خطية رمزية حددها القانون على ذلك.كما كان البعض ينتظر آجال التقادم وسقوط حق الادارة لينتفع بها، وزاد على ذلك كثرة تغافل الورثة عن قسمة مخلفات مورثيهم وساعدهم القانون على تركها ترسم مشاعة، بذلك تبقى السجلات العقارية المحفوظة بإدارة الملكية معلقة وغير محينة ومنها قسمة التركات وتصفيتها وتخصيص كل مستحق بمنابه فيها وأفراده برسم مستقل له. أما وقد تعددت إدارات الملكية العقارية وباتت فروعها في اغلب ولايات الجمهورية، لكنها لم تشمل كل الرصيد العقاري عندنا ولان أغلب التونسيين لا يعطون أهمية للتحجير والتحديد العصري المستحدث بعد الحماية وقامت ثورة مشهورة لما حاولت السلط الفرنسية تسجيل مقبرة الجلاز ومات فيها عدد من التونسيين احجاجا لما اشتبه الامر عليهم وقتها. لذلك التجأت الحكومة بعد الاستقلال الى طريقة التسجيل الإجباري وخصت به اولا ولاية نابل وبعض المناطق السقوية في عدد من جهات الجمهورية، ولكن اغلب الاراضي الفلاحية والزراعية الاخرى بقيت يتصرف فيها التونسيون بالحوز والتصرف وما كان بايديهم من حجج عادلة وكتائب محررة بخط اليد تنتقل للورثة. لذلك لم يكن لنا سجلا عقاريا كاملا ومتكاملا يمكن الرجوع اليه والبناء عليه لنجعل منه مرجعا يعتمد في الإحصائيات والدراسات للتخطيط والتنمية المستدامة. فكان علينا تدارك تلك الحالة بتعميم التسجيل وتيسيره باعتماد طرق اخرى تكون مناسبة ثم تحيين الرسوم المجمدة التي باتت عائقا لترسيم العمليات العقارية الا بجهد جهيد وبتنا نلتجيء للمحكمة العقارية لتجاوز تلك تلك العقبة. ولكنه وكما ذكرته سابقا في الجزء الاول فيما كتبته في هذه الرسالة وانتقدت فيه الاجراءات المتبعة من ذلك باتت كل الاعتراضات قضايا تنازع ينظر فيها القضاء، في حين انها تقصير واخطاء كان يمكن تجاوزها باختصار الاجراءات والبت فيها اداريا مثلما قدر المشرع وعهد بها للولاة لكنه لم يوضح لهم الرؤيا ويعطيهم الإمكانيات اللازمة وانتهت الى فشل ذريع وعهد بها للقضاء العقاري فازدادت تجميدا واستفحل امرها لان القضاء مقيد بقوانين صارمة لم يتعود على تجاوزها وله نواميس وقيود وإجراءات ولا تقبل الاختصار.بينما اللجان المختصة المحدودة في الاختصاص والزمن غير ذلك. وقياسا على ذلك اريد ان اذكر بما جرى لغير المرسمين في دفاتر الحالة المدنية من الرجال والنساء او المتزوجين على العرف الجاري وكانوا اكثر من نصف سكان تونس وقتها فلم تتنكر لهم حكومة الاستقلال واستبدت لهم اجراء مبسطا تمثل في تصريحات على الشرف وعهدت بها للولاة ومعتمديهم وانتهت تلك العملية كلها في بضع سنين واغلق بعدها الباب ولمن تغافل او سهى تبقى له إمكانية التدارك بالقضاء العدلى وقتها. لقد عشت تلك الفترة وشاركت فيها وكنت أتمناها بالنسبة للسجل العقاري كي يشمل كل العقارات والمساحات الفلاحية والزراعية كي يمكن البناء عليه في الإحصائيات والدراسات مثلما اصبحت عليه الحالة المدنية والشخصية لما تلافينا فيها الغفلة والنيات ومكنا كل التونسيين من ذلك الحق والواجب . ذكرت بذلك للمقارنية والتدليل على سهولة الإصلاح اذا كانت الإرادة حاضرة والعزيمة قوية وجادة واستعداد المعنيين بها لأننا باتباع الطرق البطيئة المعقدة لن نتدارك ما فات للبناء على الأساس الصحيحة ابدا... والى اللقاء في حلقة ثالثة.