مشكل تونس الأساسي طول المرحلة الانتقالية إذا توفرت النزاهة والارادة حصلنا على دستور في أسبوع ضعف البرامج الاقتصادية والاجتماعية هو نقطة ضعف كل الأحزاب
السيد رشيد صفر، سياسي ورجل اقتصاد تولّى الوزارة الأولى من 8 جويلية 1986 إلى 2 أكتوبر 1987. ولد بالمهدية في 11 سبتمبر 1933 وهو ابن الزعيم السياسي المحامي الطاهر صفر المؤسس للحزب الحر الدستوري الجديد مع الزعيم الحبيب بورقيبة ومحمود الماطري. تابع رشيد صفر تعليمه العالي في الأداب والحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس بمعهد الدراسات العليا من أكتوبر 1953 إلى جوان 1957 ثم بباريس في فرنسا بالمدرسة الوطنية للأداءات التابعة لوزارة المالية والاقتصاد بباريس وفي كلية السوربون باريس من أكتوبر 1958 إلى جوان 1959. تحمّل عديد المهام الإدارية السامية بالخصوص في وزارة المالية وعينه بورقيبة على التوالي وزيرا للصناعة (1977-1979) ثم للدفاع (1979-1980) ثم للصحة (1980-1983) ثم الاقتصاد (1986) قبل أن يكلفه بالوزارة الأولى من جويلية 1986 الى أكتوبر 1987 بعد ازمة مالية واقتصادية حادة وذلك لإصلاح الأوضاع وتدارك الأخطاء وكانت مدخرات تونس من العملة الصعبة قد نزلت حتى الصفر يوم تسلمه المسؤولية في ظرف جد صعب وتمكن في بضعة أشهر من ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي ومع البنك الدولي لتمكين تونس من حد أدنى من المدخرات المالية بالعملة الصعبة وقدم إلى مجلس النواب في شهر أوت 1986 قانون مالية إضافي وبرنامج إصلاح اقتصادي هيكلي حتى خرجت تونس من مأزقها المالي. تولى بين 1987 و1988 رئاسة مجلس النواب خلفا للمرحوم محمود المسعدي. مثل رشيد صفر تونس كسفير لدى المجموعة الأوروبية في مدينة بروكسل من 1988 إلى 1992 ثم عين رئيسا للهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية بتونس من 1993 إلى 1996. من بين الأشغال التي ترأسها في السنوات الأخيرة يمكن الإشارة إلى: التقرير المتعلق بنتائج الاستشارة الوطنية حول تونس القرن 21 في سنة 1995 والتقرير المتعلق بسيل تحفيز الاسثمار الخاص بتونس سنة 2000. من مؤلفات رشيد صفر كتاب أصدره سنة 1999 باللغة الفرنسية بعنوان «العولمة: الضوابط والتضامن» يدعو فيه المجموعة الدولية لأنسنة العولمة وجعلها في خدمة كافة الشعوب لتحقيق السلم الحقيقية والاستقرار للجميع وذلك بالاقدام على إصلاحات جدية وجذرية في مختلف المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأممالمتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي حتى تستنبط الضوابط الملائمة لتوسع العولمة الاقتصادية والمالية والقضاء على سياسة المكيالين وازدواجية المعايير وجعل السياسة النقدية والمالية الدولية في خدمة تنمية حقيقية لمصلحة كافة الدول بصفة متكافئة وعادلة. عين رشيد صفر سنة 2005 عضوا في مجلس المستشارين. قدم استقالته من هذه المؤسسة يوم 1 فيفري 2011 تضامنا مع ثورة الشباب التونسي التي أطاحت بنظام بن علي في 14 جانفي 2011. «التونسية» التقت الرجل وخاضت معه في قضايا الوطن بعد الثورة خاصة في ظرف التجاذبات السياسية والأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد فكان الحوار التالي: ما هو تقييمك للوضع السياسي الحالي؟ صعب أن نقيّم الوضع السياسي الحالي في كلمات وجيزة. يوميا نسمع تقييمات وما يمكن أن أضيف أن هذه المرحلة الإنتقالية طالت وهي مرحلة انتقالية ثانية بعد المرحلة الأولى وانا اشعر وكأننا لا نعطي للزمن قيمته سيما أن كل يوم يمرّ هو خسارة لتونس ولهذا يجب الإسراع في إنهاء هذه المرحلة دون تسرع مع الإسراع كذلك إلى التوافق الحقيقي والجدي على دستور يضمن ديمقراطية حقيقية لا رجعة فيها ويضمن انطلاق مؤسسات هذه الدولة الديمقراطية والإنكباب عاجلا على إنجاز برنامج اقتصادي واجتماعي لمواجهة التحديات والإستجابة لرغبات الشعب وفي مقدمته الشباب الذي أنجز الثورة. وما قلته يعرفه الجميع وغريب جدا أن نستمر في إضاعة الوقت وما نسب لابن خلدون «اتفق العرب على أن لا يتفقوا» ومن ينظر إلى العالم العربي يجد أن كلمة ابن خلدون ثابتة فعلى الأقل يكون طموح التونسيين وخصوصا الطبقة السياسية الحاكمة الآن رفع التحدي واظهار أن التونسيين متمسكون بعروبتهم وقادرون على أن يتفقوا لا على الضلال بل على الخير والتقدم بتونس. هل اطلعت على المشروع النهائي للدستور وهل تراه دستورا يرضي كل التونسيين؟ المشروع النهائي به بعض التحسن بالمقارنة مع المسودات الأولى وهذا الأمر أقره مختصون في القانون الدستوري ولكن هذا ينفي أن به بعض نقاط الضعف الذي سماها البعض «ألغاما» ومن السهل في اعتقادي تجاوز هذه النقاط والخروج بدستور لكل التونسيين في وقت وجيز إذا توفرت النزاهة والإرادة الحقيقية نحوالسير إلى نظام ديمقراطي لا رجعة فيه.إذن من السهل نزع هذه الألغام وإزالة نقاط الضعف في ظرف لا يتجاوز الأسبوع . هل ترى أن النواب والائتلافات الحزبية الموجودة في المجلس التأسيسي قادرون على التوافق وإكمال الدستور في أسبوع واحد؟ لا خيار لهم ومحكوم عليهم أن يتوافقوا سيما أنهم أخذوا الوقت الكافي لإنجاز الدستور وهم على علم بكل الخفايا وعلى كل طرف أن يترك الخلفيات الحزبية الضيقة ويسير في الطريق السوي. هل أن القوى السياسية الجالسة اليوم حول طاولة الحوار مع الإتحاد والمنظمات الراعية للحوار الوطني قادرة على التوافق سيما وأن هناك أخبارا عن فشل في التوصل إلى صيغة نهائية للبدء في الحوار المباشر بين الترويكا والمعارضة؟ لا بد من التفكير بنية طيبة حتى آخر مرحلة وإذا كانت هناك سوء نية المثل العامي يقول «وصل السارق إلى باب الدار». إذن وأولا الطبقة السياسية الحالية محكوم عليها بضرورة التوافق وإلا سيصبحون معتوهين .إنهم في نفس السفينة ,أيريدون إغراقها؟ إذن مهما كانت هذه التجاذبات التي تظهر أنها تكتيكية أكثر منها أي شيء آخر ننزه الجميع ونعتبر أن الجميع وطنيون ويفكرون في مصلحة الوطن وندعوهم إلى الإسراع إلى توافق حقيقي على أسس موضوعية تحكم العقل والمنطق والمصلحة العليا للبلاد. أما ان نستغرق 5 أسابيع نتحاور حول طريقة الإنطلاق في الحوار فهذا لا يقبله العقل. في نظرك من هو الطرف المخطئ, «الترويكا» أو المعارضة؟ أظن أن الخطأ مشترك ولا نستطيع أن نقول أن هذا الشق مخطئ دون الشق الآخر . وبالطبع الموجود في الحكم اذا كان متشددا ومتصلبا في موقفه يتحمل المسؤولية أكثر من غيره . المسؤولية مشتركة في عدم وجود الجميع حول طاولة الحوار ومن غير المعقول وضع شروط للحوار فالوضع يقتضي الإسراع بالحوار. وانا ناديت في رسالة لم أرد نشرها في الصحافة وأرسلتها إلى الرؤساء الثلاثة قبل العيد بيومين وطلبت منهم مبادرة لجمع كل الأطراف السياسية الفاعلة لإجراء حوار ليلة العيد ولا ترفع الجلسة إلا بعد التوافق لكن لم يأبه أي من الثلاثة رؤساء بهذا النداء .كان على السياسيين عدم الإحتفال بالعيد والبلاد تمر بوضع صعب للغاية بل يسهرون ليلا نهارا حتى تكون فرحة العيد فرحة التوافق على الدستور والمؤسسات التي سترعى الإنتخابات والتدابير الأساسية لحماية أمن البلاد. كان من واجب الرؤساء الثلاثة أن يبادروا. الإتحاد قام بمبادرة مشكورا لأن هناك فراغا وكان من الضروري أن يتحرك الرؤساء الثلاثة ويتحملون مسؤوليتهم. هل تراهم قادرين على تحرك ناجع خاصة رئيس الدولة؟. الواجب يقتضي عليهم ان يجتمعوا يوميا وأن يبادروا. إن لم يتفق الثلاثة فكيف سيتفق ال18؟ نحن نعيش في عالم تصنع فيه الناس الصواريخ وتحلق نحو المريخ فما بالك بإيجاد حل لمشكل تونس. فإذا كان هناك عقل سليم وشعور بالمسؤولية ستحل كل المشاكل فلدينا مسؤولون ذوي مستوى عال .فلماذا لا يقدرون على إيجاد حلول لمشاكل تونس؟ وأنا أتصور أنهم قادرون لكن تنقصهم الإرادة السياسية وربما الإخلاص والتضحية. من يريد إنقاذ تونس لا بد له من نسيان مستقبله السياسي. ومن ينقذ البلاد سيكتب التاريخ إسمه بأحرف ذهبية. ربما يكون تفكيري هذا ساذجا لكن ليس تفكيرا سياسيا ولا أدعي أنني سياسي بالمعنى التقليدي للكلمة .أنا أتساءل لماذا عندما كنت في المعارضة كانت أفكارك سليمة وعندما أصبحت في الحكم تتغير مواقفك وسلوكاتك؟ الرؤساء الثلاثة يكوّنون «الترويكا» وهم نوعا ما متفقون فأين ترى الإختلاف بينهم وهل هناك مشكل يحول دون توافقهم مع المعارضة؟ المشكل الأساسي للبلاد هو اختصار المرحلة الإنتقالية وبناء مؤسسات دولة ديمقراطية على أسس سليمة في أسرع وقت للخروج من الضبابية وذلك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا. لذلك أنادي باجتماع المسؤولين الثلاثة للحوار والإتفاق حول الخطة العملية للخروج من المأزق والذهاب إلى توافق وطني حقيقي وهم مدعوون إلى النظر في القضايا الجوهرية للبلاد ومسؤوليتهم تحتم عليهم إيجاد الحلول. فمن يتحمل مسؤولية لا بد له أن يتحملها كاملة ويعمل وفق ما أنيط بعهدته. في السابق كان عندنا نظام رئاسي مطلق والآن المسؤولية أصبحت بيد ثلاثة. ولا بد لهم أن يكونوا على نفس الوتيرة في متابعتهم للأوضاع ولا بد لهم من إيجاد الحلول. ماهو رأيك في المشكلة الأمنية في البلاد سيما بعد الإغتيالات السياسية و«حرب» الشعانبي؟ بودي لولا نرجع إلى الماضي ولوكان قريبا فقد وقع الحديث حول هذا الأمر طويلا والرجوع إلى الحديث عنه والبلاد تعيش مثل هذه الصعوبات لن يأتي بنتيجة .إن العودة إلى الآلام والصدمات المتتالية التي عاشتها تونس لن يجدي نفعا فقد وقع تحليلها ويوميا تفتح التلفاز ولا تسمع غير هذه التحاليل وتحليلي لن يضيف الكثير وبودي لو نعطي إضافة إيجابية تحمّس الجميع للإسراع بالتوافق. ألاحظ أنك كررت كلمة «توافق» و«لا بد من الإسراع» عديد المرات أثناء حوارنا, ممّ يخاف رشيد صفر إن لم يتم التوافق الذي يرجوه؟ أتصور أن أغلبية التونسيين منشغلون بمصير البلاد ويكذب من يقول انه مطمئن وكل شيء على ما يرام .ربما التقييم الموضوعي يفرض علينا النظر الى بلدان أسوا منا حالا ونحمد الله أن حالة تونس ليست كليبيا وسوريا ومصر ولكن بالرجوع إلى الماضي نجد أن تونس كانت دائما مميزة فرغم عيوبها في الماضي فإن الخمسين سنة التي يضعها البعض في «شكارة واحدة» ميزت تونس عن كل الدول العربية .لماذا لا تكون تونس التي سبقت الجميع في الثورة أول البلدان التي تبهر العالم مرة اخرى وتنجح في الخروج من الأزمة؟ هذا الأمر كان في متناولنا ويبقى إلى اليوم وتبقى هذه المرحلة المؤلمة بين قوسين. وأتمنى أن تكون الحوارات الجارية جدية وتنطلق من الشعور بالمسؤولية، إذا أردنا الخروج من المأزق وبالمقارنة مع الدول الأخرى وضعنا سهل نسبيا ونحن نعسّره . ما الحل حسب رأيك؟ الحل هو التوافق على النقاط الخلافية حول الدستور والهيئة التي ستشرف على الإنتخابات والتوافق حول التعيينات المشبوهة أو المشكوك فيها وضبط توقيت محدد لموعد استقالة الحكومة .لقد أضعنا عامين ولا نوافق على 4 أسابيع أو 6 أسابيع؟ هل تم الإتصال بك لاستشارتك أوأخذ رأيك في المسألة السياسية أو الإقتصادية ؟ هناك من ألح عليّ وطالبني بالقيام بواجبي نحو وطني واغتنم هذه الفرصة سيما وأنك طرحت علي هذا السؤال لأبلغ إلى مواطني ّ ومواطناتي أن لا احد من الطبقة السياسية الحالية ما عدا القليل والقليل جدا طلب رأيي وخاصة في الخمسة أسابيع الأخيرة وفهمت انه لا أحد في حاجة إلى رأيي واقل شيء في همة الإنسان ألا يفرض نفسه على أحد. ومنذ بداية الثورة أعلنت أنني لن اقبل أية مسؤولية ولا اعتزم قبول أية مسؤولية ولهذا أضع نفسي فوق كل هذه التجاذبات. حسب رأيك لماذا «يتجاهلك» اذا جاز التعبير سياسيو تونس اليوم؟ هل يخافون الإستماع إليك؟ هؤلاء ربما يعتبرون أن رأيي صعب أو قاس أو أن كلامي غير مرضي أو يعتبرون أن رأيي غير مصيب .ولا داعي للخوف مني فأنا لا املك حزبا أو ميليشيا ليخافوا مني. من هو الحزب الأقرب إلى قناعات رشيد صفر في المرحلة الحالية وتراه جديرا بحكم البلاد؟ ما أعيبه على الأحزاب الحالية هو ضعف البرامج الإقتصادية والإجتماعية التي لا بد لها أن تتفحّص عميقا الوضع الإقتصادي والإجتماعي للبلاد وتركز على مخططات عملية وواقعية تنطلق من إمكانيات البلاد وما يمكن أن تتحصل عليه من دعم وعلى أساس هذا الشرط تكون المقترحات الموضوعية لكن هذا الأمر لم أجده في أي حزب. ماهو رأيك في مسألة الإسلام السياسي؟ هذا الموضوع بحر وألّفت فيه الكثير من الكتب والتحاليل والآن تعيش منطقتنا تجربة مازالت في مخاضها الأول.والمنطق يفرض وانطلاقا من تحليل موضوعي لتاريخ الإنسانية, انّ بناء نظام ديمقراطي حقيقي في القرن 21 يتطلب الفصل بين السياسة والدين واعتقد أن حزبا مثل حركة «النهضة» والذي كان يطمح أن ينتقل الى مفهوم الحزب بأتم معنى الكلمة على غرار ما شاهدناه في الدول الديمقراطية مثل الأحزاب المسيحية الديمقراطية كان عليه أن يترك مجال القيام بالدعوة والشؤون الدينية الى هياكل مختصة وينحصر كحزب له مرجعيته الفكرية الإسلامية (وهذا الأمر لا يعيبه عليه احد) ولكي يصبح حزبا سياسيا بأتم معنى الكلمة. ويفكر في بناء مجتمع وتسيير دولة. لكن مع الأسف مؤتمر النهضة الأخير أجل هذا الأمر وأظن أن هذا مثل إشكالية من الإشكاليات التي نرى تداعياتها اليوم ونلاحظ هذا كذلك في طول مدة تحرير الدستور ولو صادقت «النهضة» على مثل هذا الفصل لوجدنا صداه في صياغة الدستور وفي العديد من المواقف. إذن أنا أشاطر رأي كل المحللين الذين يقولون انه في القرن الواحد والعشرين تقدمت الإنسانية والشأن الديني لا بد له أن يبقى عقيدة فردية لها هياكلها ومن يحميها واعتقد انه بالنسبة للمجتمع التونسي لا توجد مركبات فالهوية العربية الإسلامية متواجدة في جذورنا ولا يستطيع احد انتزاعها. لكن هذه الهوية غير جامدة وتتطور مع العصر وتستلهم من الفكر الإنساني والقيم الإنسانية وتجعل المسلم الحقيقي يتصور ان قيم الإسلام في القرن الواحد والعشرين تتجاوز القيم الإنسانية المتعارف عليها دوليا وليس العكس. هل يعني هذا أن «نداء تونس» يمثل الحزب الأقرب إلى ما أسلفت ذكره؟ «نداء تونس» لم يعلن بعد عن برنامجه الإقتصادي .ومكوناته من الليبراليين الذين يؤمنون بالليبرالية الامريكية وآخرون لديهم نظرة إشتراكية وإذا خرج تآلف من الشقين يبرز في برنامج اقتصادي واجتماعي يراعي الواقع الإقتصادي التونسي وضرورة تطويره ويستفيد من العولمة الإقتصادية العالمية ويقي البلاد من عيوبها, سيكون ذلك أمرا ممتازا. لكنه بصدد الإعداد ولم يطلب مني احد من مسؤولي هذا الحزب مساعدة أو فكرة لان أغلبهم يعرفون أفكاري ويعرفون أنني ربما متصلب في بعض القضايا خاصة منها المتعلقة بخوصصة المؤسسات العمومية وطريقة التصرف في الإدارة وطريقة التصرف في المال العمومي. هذه تأويلات وربما أكون مخطأ فيها ولكن لا يريد أحد أن يأخذ مني فكرة وأعتبر أنهم أدرى مني ولديهم كفاءات أفضل مني واحسن مني. وأتمنى لهم النجاح لأن في نجاحهم نجاح وطني. ماهو رأيك في اللقاءات الثنائية التي تدور خارج إطار الحوار الوطني سيما بين الشيخ راشد الغنوشي والسيد الباجي قائد السبسي؟ وهل حقا «خان» السبسي «الجبهة» حين تحاور مع الغنوشي؟ سؤالك هذا حول لقاء الشيخ راشد الغنوشي والأستاذ الأخ الباجي قائد السبسي. لوكان العنصر الأساسي لأزمتنا هو سوء النية وعدم ثقة المواطنين في النخب السياسية وعدم ثقة النخب السياسية في بعضها لما طرحته علي .إذن السبب الأساسي هوانعدام الثقة وسوء النية المبني على تراكمات الفترة الإنتقالية وحتى من قبلها وما يمكن ان نسميه إزدواجية الخطاب عند بعض المسؤولين السياسيين .وهذا الأمر لم يبق حكرا على «النهضة» بل أصبح موجودا عند بقية السياسيين .والحل الوحيد لرجوع الثقة هو إيجاد حل للأزمة الحالية وإلا سيبقى انعدام الثقة ينخرنا كالسرطان عافانا وعافاكم الله. فلا يمكن بناء مجتمع يتنكر لماضيه وبه سوء نية وانعدام ثقة. لا بد من أخذ الدروس من الماضي فالإختلاف في الرأي مطلوب لكن الحوار النزيه كذلك لا بد منه. هذه اللقاءات طبيعية في المجتمعات الديمقراطية ومتعددة ومتكررة ومجعولة لتسهيل العمل وربح الوقت ولولم يكن سوء النية موجودا لما أثار لقاء بين رجلين كراشد الغنوشي والباجي قائد السبسي كل هذه التجاذبات والتساؤلات بل بالعكس وانا هنا سأبوح لك بسرّ. ففي أول ذكرى 23 أكتوبر وجدت نفسي في المجلس التأسيسي جالسا الى جانب الأستاذ فؤاد المبزع وحينها كان العداء كبيرا بين «النهضة» و «النداء» وكلام الغنوشي في السبسي وحزبه آنذاك معروف وقلت حينها للسيد فؤاد المبزع أنت خرجت من المسؤولية لكن مازالت لديك المسؤولية الأدبية نحو الوطن وطلبت منه جمع السبسي والغنوشي للحوار في منزله أواي مكان بوجودك أو بمفردهما ولا أدري إن كان المبزع أخذ بمبادرتي أم لا. وعوض أن نستبشر باللقاء بين المسؤولين بقينا نؤول وإن كانت هناك صفقات وخلفيات ستكشف في ما بعد. وهل وصل الرجلان إلى سذاجة عقلية بعد نضالهم ومسارهم لمقايضته بصفقة قذرة ؟ لا أتصور ذلك. إذا وجدنا صعوبات في التوافق على تحرير الدستور والقضايا السياسية فما بالك بالقضايا الإقتصادية الأعقد والأصعب والتي ستدخل فيها مصالح أطراف متناقضة ولا بد من إيجاد حلول لها. ماهو تقييمك للوضع الإقتصادي وهل أن البلاد حقا على أبواب الإفلاس؟ بقدر ما تطول المرحلة الإنتقالية بقدر تعميق المشاكل الإقتصادية والإجتماعية ومن لا يقدر على استيعاب مطامح شباب الثورة والإصلاح الإقتصادي والإجتماعي لا يستطيع ان يحقق شيئا في ظرف مليء بالتجاذبات السياسية والإضرابات والاوضاع الامنية الخطيرة .هناك 3 عناصر أساسية للإقتصاد أولها الإستثمار في مستوى مرتفع وراق أكثر من الماضي وبتوزيع أفضل بين الجهات وثانيها استهلاك عمومي مرشّد واستهلاك وطني معتدل وثالثها تصدير يغزو الأسواق الأوروبية وغيرها. كل هذه الأمور لا بد لها من فترة عادية مدتها 5 سنوات لتتحقق فما بالك بما تعيشه البلاد الآن. هناك إخلالات في الميزانية العمومية غريبة فالدعم بلغ حجم المبالغ المرصودة للإستثمار والتنمية التي تجد صعوبات في التطبيق ربما لنقص في الخبرة. إذا استمرت الأوضاع على هذه الوتيرة وتطول المرحلة الإنتقالية أكثر من 6 أشهر سنجد أنفسنا يوما ما في وضع اليونان. وسنكون حينها مجبورين على قبول حلول موجعة جدا في كل المجالات .