قرار المحكمة الإدارية حول هيئة الانتخابات صائب على المتعاطين مع الأرشيف الابتعاد عن انتقاء ما ينفعهم التونسية (تونس) كيف ينظر غازي الغرايري أستاذ القانون الدستوري والكاتب العام للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري الى التجاذبات السياسية التي رافقت وما تزال الحوار الوطني؟ وما هي الظروف التي يرى وجوب توفرها حتى ينجح رئيس الحكومة الجديدة في مهامه؟ وهل له تحفظات على نسخة الدستور الجاهزة؟ وما رأيه في «معركة» الهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟ وماذا يقول عن الضجة التي تلت صدور «الكتاب الأسود»؟ وهل هو فعلا قريب من حركة «نداء تونس» كما يتردد؟ حول هذه الأسئلة وغيرها تمحور حوارنا اليوم مع الأستاذ غازي ما رأيك في التجاذبات السياسية التي رافقت الحوار الوطني، خاصة منها مراحل اختيار رئيس الحكومة وما تلاها من ردود فعل؟ الحوار الوطني كتعبير عن إفراز المجتمع التونسي برمته لقوى اجتماعية تتوسط الأطراف المتجاذبة في الطيف السياسي جعل مجتمعنا يتصدر التطور الإجتماعي لكامل البلدان العربية, ولا يمكن أن نتصور شيئا كهذا في غير تونس إذ أن نقابة عمال ونقابة أعراف ومنظمة حقوقية وهيئة مهنية تمكنت من أن تجمع كامل الطيف السياسي حول طاولة الحوار.هذا الأمر يعبر عن خصوصية تونسية .و أقول انه تقدم تونسي لافت فقد أفرز المجتمع تجاذبا سياسيا وافرز في الوقت نفسه أدوات تعديله. وأنا اعتبر أن هذا الأمر من خصوصيات تونس . الحوار الوطني طرح للوصول الى جملة من الأهداف من ذلك اختيار رئيس حكومة جديدة وسننتظر الآن هل ستكون الحكومة كما أرادها الرباعي الراعي للحوار وفق خارطة الطريق بما معناه حكومة مستقلين وكفاءات، اضافة الى أن هناك مسارا تأسيسيا ومسارا دستوريا . هذه الحكومة أياديها غير مطلقة باعتبار أن خارطة الطريق فرضت عليها أجندا معينة من بينها التراجع عن التسميات على المستوى الإداري وتهيئة مناخ الإنتخابات مما يجعلها «حكومة مهمة». بما معناه أنها لن تكون حكومة تسيير في المطلق لأن المدة الزمنية المحددة لها قصيرة. هناك من تحدث على لا قانونية اختيار مهدي جمعة على رأس الحكومة الجديدة؟ الحديث عن اللاقانوني في الحوار الوطني ليس في محله باعتبار أن الحوار الوطني غير مؤسس وغير خاضع لقانون بل هو خاضع للتوازنات السياسية والثقل المعنوي للرباعي الذي يديره ويشرف عليه.و بالتالي الحديث عن قانونية يفترض مرجعية من قبل ومن ذلك نظام داخلي للحوار. ومن ناحية ثانية التوافق لا يعني الإجماع. كيف تتصورون تسليم كرسي الحكومة؟ وهل من الممكن أن ندخل في متاهات جديدة وتجاذبات حول التوقيت المناسب لذلك سيما أن بعض السياسيين طالبوا بتفعيل المسارات الثلاثة التي أتت بها خارطة الطريق حتى يقدم العريض استقالته رسميا؟ مسألة تسليم كرسي الحكومة لا بد لها من 3 أضلاع أولها انه لا يمكن أن نكلف حكومة إلا إذا اعتبرنا أن الحكومة الأولى متخلية إما بعزلها أو توجيه لائحة لوم لها أو باستقالتها الإرادية .و لكن كان في ظني أن الرسالة التي أرسلها رئيس الحكومة إلى الحوار الوطني مفادها انه لو وقع اختيار رئيس حكومة جديد سيستقيل وأنا لا أفهم أن الحزب الذي ينتمي إليه العريض يقدر الوصول إلى إتفاق ويتلكأ في إقرار التعيين. الضلع الثاني هو مسألة سرعة تكليف مهدي جمعة وسرعة الإتفاق حول التركيبة الحكومية وهل سيعطي ذلك رئيس الحكومة الجديدة كل الحرية لتشكيل حكومته الجديدة كما يراها أم أن التوازنات السياسية ستكون الفيصل في ذلك. الضلع الثالث هو مسألة من سيكون رئيس الحكومة يوم إصدار الدستور ومن السابق لأوانه تصور إجابة عن هذه المسألة . وقد بدأ الترويج الى أن المسار التأسيسي ينتهي يوم 14 جانفي وأنا أتصور أنه من الصعب المصادقة على الدستور في هذا التاريخ لسبب بسيط هو أن المجلس التأسيسي سيكون منشغلا بمناقشة قانون المالية إلى غاية 31 ديسمبر والمدة المتبقية أي 14 يوما لن تكفي في نظري إلى إكمال الدستور نظرا لغياب التوافقات .و مهما كان تاريخ اعداد الدستور سنقول انه جاء بعد فترة طويلة نسبيا على اعتبار أننا لو انتهجنا منهجا عمليا وتقنيا لكان بالإمكان التوصل إلى إعداد دستور جديد في أقل وقت ممكن وقد كان بالإمكان احترام مدة العام الأول . ما رأيك في مشروع الدستور؟ هذا الدستور هو الصيغة الرابعة ويجب الإقرار بكل موضوعية ان الصيغة الحالية تطورت كثيرا عن الصيغ الأولى وعن صيغة غرة جوان 2013 وأن لجنة التوافقات التي جاءت على هامش النظام الداخلي اشتغلت بطريقة مكنت من الوصول إلى صيغ جديدة تتقدم بالنص وهذه اللجنة وصلت بكل ما فيها من اختلافات سياسية إلى العدول عن الفصل 141 الذي طرح عديد المشاكل ووقع التقدم في مسألة توازن السلط خاصة داخل السلطة التنفيذية وهناك تحسن في الفصل 48 الخاص بالحريات ووقع اقتراح صيغة أخرى لجملة مهمة في التوطئة وهناك إمكانية لتحسينها . والسؤال الآن هل يمكن تحسين هذا الدستور إلى حين التصويت عليه ؟ أقول نعم وهامش التحسين كبير، و بالتالي وبقدر ما نقول ان النص تحسن وهذا امر إيجابي نقول انه لا يجب رفع أيادينا عن مزيد التحسين في الدستور.اليوم لا بد ان يترفع الجميع عن الحسابات الضيقة ولا بد من التفكير في أن هذا النص سيسير حياة الأجيال القادمة. ما هي النقاط التي ترى انه لا بد من تحسينها أو إعادة صياغتها؟ هي عديدة وأولها أن التوطئة فيها جوانب بالإمكان تحسينها. فالإشارة الى المرجعية العربية الإسلامية فيها إمكانية إعادة صياغة حتى تأخذ بعين الإعتبار البعد المتوسطي لتونس. والفصل الثاني الخاص بالدولة المدنية وهذا فصل هام لكن على المستوى التقني يجب التدليل على أن الصيغة المدنية لا ترتبط بتونس بل بالجمهورية التونسية إذ لا بد من ذكر خاصية الدولة وبالتالي لا بد للمجلس التأسيسي أن يعيد الصياغة وقد كاتبناهم في الغرض. و هناك مسائل متعلقة بحماية الأقليات والتوازن بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية قابلة للتحسين هذا بالإضافة إلى القضاء الذي يحتاج الى دعم مبدئي إذ لا يمكن أن نقبل بألا يكون القضاء سلطة مستقلة تردع السلط الأخرى في ظل جمهورية ديمقراطية كما نبتغيها. وهناك جوانب أخرى متعلقة بتوضيح مكانة القانون الدولي لا سيما في الإشارة إلى حقوق الإنسان الكونية وكذلك بالنسبة لمكانة المعاهدات الدولية .و هناك مسائل متعلقة بالهيئات المستقلة من ذلك هيئة الإعلام السمعي البصري ومسألة حق النفاذ إلى المعلومة والحق في الإعلام وهما حقان مختلفان وجب الفصل بينهما . كما ان هناك مجالا كبيرا لتحسين الجزء المخصص للمحكمة الدستورية من ذلك توضيح اختصاصاتها وتلافي إثقال كاهلها بعدد كبير من القضايا .و عموما هذه هي النقاط المفصلية التي يمكن للنص أن يحسنها.و تحسين النص الدستوري لا يمكن أن يحسب لزيد أو عمر فهو شأن امة بأسرها ولابد من كتابة نص في مستوى رقيها السياسي والإجتماعي. نعود إلى مسالة اختيار مهدي جمعة والضغوطات التي بدأت تلوح حول المهام التي سيتولاها .هل تعتقد أن الرجل قد يكون فريسة لهذه الضغوطات ولن يتمكن من إتمام ما ينتظره من استحقاقات؟ من الموضوعي القول بأن مهدي جمعة لا يملك من الوقت ما يخول له فض جميع المشاكل .و الفكرة التي أحملها عن مهدي جمعة انه لن يكون فريسة سهلة وأكبر دليل على ذلك مواقفه وهو على رأس وزارة الصناعة وإن كانت لم تحظ بالتغطية الإعلامية اللازمة . ولا بد من توفير مناخ حسن النية أولا ويجب أن نقول له أننا لا ننتظر منه حسم كل المسائل لكن لا بد من وضع حد للتدهور الإقتصادي والإجتماعي لأن ذلك سيكون مؤشرا ايجابيا للداخل وللخارج. كما يجب إعادة النظر في جزء كبير من التسميات التي تواصلت حتى أثناء الحوار والتراجع في التعيينات ليس بالأمر الهين فهو أمر يطرح مسائل قانونية دقيقة. أما بخصوص أن يكون رئيس الحكومة تحت طائلة الضغوطات فأرجو أن يكون دائما كذلك فالحكام من هنا فصاعدا لا بد لهم أن يكونوا تحت ضغط المطالب الإجتماعية والسياسية وهذا الأمر يعد قطعا مع الماضي . كيف ترى الحسم في مسألة الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات؟ في قناعاتي المحكمة الإدارية لم تدخلنا في مأزق بل فتحت أعيننا. فالمحكمة الإدارية أخذت موقفا من عدم احترام المجلس التأسيسي لقواعد وضعها هو .و هنا لا بد ان نقبل بأن الجميع خاضع للقاعدة القانونية وأن المحكمة الإدارية هي عين ساهرة .و من السخيف أن نعتبر أن المحكمة الإدارية تعرقل وأنا أتأسف لما أرى أناسا نستأمنهم على كتابة الدستور يقولون أنهم لن يحترموا قرارات المحكمة وهذا أمر يجعلنا نصاب بانطباع أقله الأسف.و إنه من قصر النظر السياسي أن نراهن على تركيبة تخدم مصالح لون أو حزب معين ومن المستحسن للجميع أن تكون هيئة الإنتخابات حقيقة مستقلة وعليا. إذن لابد من تجاوز التعطيل الإجرائي باحترام القانون وقرارات المحكمة الإدارية، والإسراع بانتخاب الهيئة هو الجواب الحقيقي على الأزمة التي تعرفها البلاد . ما هو رأيك في ما قاله عبد الرؤوف العيادي النائب في المجلس التأسيسي والقيادي في حركة وفاء بخصوص «أنصار الشريعة» والصحفيين ؟ أنا لن أعلق على الحادثة في ذاتها ولكن في نظري هذا الأمر يذكرنا بأننا مازلنا بصدد إعادة توزيع الأوراق لخلق معادلة سياسية جديدة واقصد بذلك أن نتعود على نشاط سياسي تعددي ومختلف وأن ندرك أن هذا النشاط السياسي تحت وطأة رأي عام وإعلام يبلّغ الرأي العام بكل المستجدات .و هناك أطراف عوض أن تقارع الخبر بالحجة التي تفندها تطعن في مصدر الخبر بما معناه أننا مازلنا في علاقة بدائية بين السياسة والإعلام بالمعنى الديمقراطي للكلمة.لا بد لأهل السياسة أن يتعودوا على إعلام يقوم بدوره ولا يهادن . الأمر الثاني هل من حق رجل سياسة أن يعبر عن رأي خالف موقف الدولة وهذا الأمر أظنه ممكنا لكن من جهة أخرى لا يجب أن يخالف الفعل القانوني . هل من تعليق عن «الكتاب الأسود»؟ الكتاب الأسود ليس أول كتاب أصدرته رئاسة الجمهورية فقد سبقة كتاب أبيض نشرت فيه مجموعة مراسلات بين الحبيب بورقيبة والحبيب بورقيبة الإبن وبن علي حول وضعية وضع بورقيبة وعلى حد علمي هذا الكتاب لم يلق استحسان عائلة بورقيبة. الضجة التي رافقت إصدار الكتاب الأسود كانت بحكم الأسماء التي وردت فيه .إنّ مسألة التعاطي مع الأرشيف مسألة هامة للغاية ولا بد لها أن تكون مؤطرة ولا يجب أن تترك في خدمة مصالح من ينتقي من الأرشيف ما ينفعه.و لا بد من ضرورة الإسراع بوضع لجنة من المؤرخين ومن المختصين المحايدين حتى تقف على تثبيت هذا الأرشيف ولا بد من ترقيمه حتى يصبح غير قابل للإتلاف ويفتح لعموم الناس .إذن لا بد من رفع الأيادي السياسية على الأرشيف . يقال انك قريب جدا من «نداء تونس», فهل هذا صحيح؟ أنا لا أنتمي إلى أي حزب وقناعاتي السياسية وتصوراتي للديمقراطية في تونس تجعلني في منتصف الطريق بين كل الأحزاب الديمقراطية ولديّ أصدقاء كثيرون في «نداء تونس» و«التكتل» و«الجمهوري» و«المسار» و«الجبهة الشعبية». ومربعي هو الاقتناع بالدولة المدنية والديمقراطية. هل ترى نفسك في منصب وزاري بالحكومة الجديدة؟ هذا الأمر لا أسعى إليه ولكن أظن أننا اليوم نعيش في مرحلة دقيقة لا بد أن نخدم فيها بلادنا في أي موقع كان. لقد عرض علي أن أكون في الفريق الحكومي السابق والأسبق واعتذرت لأنني أعتبر أن الأدوار التي كنت ألعبها خارج الفريق الحكومي كانت انسب واقرب لخدمة تونس .ومن السابق لأوانه الحكم على أي منصب في الحكومة الجديدة. حاورته: ريم بوقرة