بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. راضي دغفوس ل«التونسية»:العرب وقود حروب القوى الأجنبيّة
نشر في التونسية يوم 29 - 12 - 2015


نتائج الثّورة لم تكن في مستوى تطلّعات الجماهير
حاوره: مصطفى الشارني
راضي دغفوس أستاذ تعليم عالي متميّز في التاريخ الوسيط بالجامعة التونسية. متحصّل على شهادة الدكتورا بعنوان: «اليمن الاسلامي من الأصول حتى ظهور الدّولة المستقلّة - من القرن الأول حتى القرن الثالث للهجرة» نوقشت سنة 1991 بجامعة آكس الفرنسية.
له عديد البحوث والدراسات نشرت ضمن كتب ومجلاّت علمية محكمة نقتطف منها ما يلي:
اليمن في عهد الولاة سنة 1979.
اشكاليّات الانتشار في الإسلام المبكّر سنة 2002.
محمّد ونشأة الاسلام سنة 2006.
التاريخ العربي الاسلامي في القرنين الأوّل والثاني للهجرة من خلال النصوص والوثائق سنة 2009.
بحوث في تاريخ افريقيّة (تونس) واليمن في العهد الاسلامي الوسيط سنة 2009.
المشرق الاسلامي من خلافة الرّشيد إلى سقوط بغداد في أيدي الماغول سنة 2013.
الحروب والفتن والثورات في القرن الأوّل وبداية القرن الثاني للهجرة سنة 2013.
تقلّد عدّة مهام علميّة منها:
رئيس الجمعية التونسية للمؤرّخين الجامعيين (1994-1990).
رئيس لجنة انتداب المساعدين في التاريخ (1995-1993) وعضو لنفس اللجنة (1997-1995).
عضو لجنة تحرير كرّاسات تونسية منذ سنة 1991 إلى اليوم.
عضو لجنة انتداب الأساتذة المحاضرين (2001-2000 ثم 2005-2004).
عضو لجنة انتداب الأساتذة للتّعليم العالي (2003-2002) ورئيس اللجنة (2008-2006).
عضو المجلس العلمي بكليّة العلوم الانسانية والاجتماعيّة بتونس منذ سنة 1993 إلى سنة 2002.
مدير مخبر «العالم العربي الاسلامي الوسيط» بالكلية منذ سنة 1999 إلى أواخر سنة 2012.
منشّط لندوات شهريّة في المخبر المذكور حول القبائل (2002-2000) - القبائل والمدن والمجال (2004-2002)- النسب والشّرف (2005-2004) - الرّحلة والرحّالة (2007-2006) - الكتابة التاريخيّة (2010-2009) - التعريب والأسلمة (2012-2011).
«التونسيّة» التقته فكان معه الحوار التالي:
ماهي الجذور التاريخيّة للحروب الحاليّة العربية - العربية والحروب العربية الدولية: اليمن اليوم مثالا؟
بادئ ذي بدء، يلاحظ أن الجذور التاريخيّة تعود إلى فترة ظهور الاسلام، فبعد موت الرّسول (صلى الله عليه وسلّم) انعقد اجتماع بسقيفة بني ساعدة (بطن من بطون الخزرج قبيلة يمنيّة من الأزد (هي أيضا كنفدرالية يمنيّة قديمة يعود تاريخها إلى فترة ما قبل مجيء الاسلام) تضمّ الأنصار (مفهوم اسلامي يشمل الأوس والخزرج من أصول يمنية) التحق بهم ثلاثي يتكوّن من أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي عبيدة المسمّى عامر بن الجرّاح (من أصول قرشيّة عدنانيّة نسبة إلى عدنان الجدّ الأعلى للقبائل العربية الشماليّة، بينما قحطان هو الجدّ الأعلى للقبائل الجنوبية اليمنية) وحصل نقاش بين الفريقين أدى إلى اختيار أبي بكر خليفة للرّسول (صلى الله عليه وسلّم) وقد تغيّب عن هذا اللقاء الهام والتاريخي علي بن أبي طالب الذي كان وقتها منشغلا بتجهيز الرّسول قبل دفنه. ومنذ ذلك الوقت، انحصر اختيار الخليفة في صفّ المهاجرين على حساب الأنصار الذين أبعدوا نهائيا عن الترشّح للخلافة إلى فترة 1258 م - 656 ه، تاريخ سيطرة الماغول على بغداد. ومنذ ذلك التاريخ إلى حدود 1517 م تاريخ تحوّل الخلافة لفائدة العثمانيين الأتراك إلى أن حصل إلغاؤها في العقود الأولى من القرن العشرين من قبل الأتراك. وبهذا الإجراء انتهت مؤسسة «الخلافة» وعوّضت ب«الملكيّة» أو «الجمهورية».
أما عن الصراع الدائر حاليّا في اليمن، فمن الضروري التذكير بأن الحوثيين ينتمون إلى الشيعة الزيديّة (إحدى فرق الشيعة الأكثر اعتدالا) مع الملاحظ أن الإمامة الزيديّة تأسّست بمدينة صعدة بشمال اليمن في أواخر القرن التاسع الميلادي. وتواصلت إلى حدود النصف الثاني من القرن العشرين. لذلك عدّت الإمامة الزيديّة أطول دولة في تاريخ الاسلام.
إنّ التحالف اليمني الراهن يضمّ إلى جانب الحوثيين الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي ينتسب إلى إحدى القبائل اليمنية الكبرى «همدان» ممثّلا للتيار الجمهوري. هذا الذي استمرّ في اليمن منذ الاطاحة بالامام البدر (زيدي المذهب) من طرف الماريشال السلال.
واندلعت حرب أهليّة بين الطرفين اصطفّت فيها المملكة العربية السعوديّة إلى جانب بدر، بينما وقف فيها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مساندا للماريشال السلال.
وعن الأحداث الجارية حينئذ، نذكّر بأن علي عبد الله صالح نجح في توحيد شطري اليمن وهما:
اليمن الشمالي برئاسته، واليمن الجنوبي بقيادة سالم البيض الذي كان مدعّما من طرف الاتّحاد السوفياتي السابق.
أمّا الطرف الثاني في الصراع فهو التحالف السعودي الذي يضمّ إلى جانب المملكة العربية السعوديّة أطرافا عربية أخرى، متكوّنة من دول خليجيّة بدعم أمريكي وتركي وفق رأي الكثيرين.
وتسبّب الصراع الدائر بين أطراف النزاع في تدمير جزء هام من البنية التحتيّة اليمنيّة ومقتل مدنيين من الطرفين المتقابلين.
وتؤكد كلّ الدلائل والمؤشّرات أن لهذا النزاع أبعادا اقليميّة. فالصراع تحت يافطة السنّة يمثّله الحلف الذي تقوده السعوديّة من جهة ومن جهة أخرى هناك الزّيدية التي يمثّلها الحوثيّون وشقّ علي عبد الله صالح (الجمهوريّة الاسلامية الايرانيّة الممنتمية إلى الشيعة الإماميّة أو الإثني عشريّة) بدعم روسي إيراني من جهة ثانية.
أين يتموقع العرب في هذا الصراع؟
للأسف الشديد، العرب يمثّلون حاليا، وقودا لصراع الأطراف المتقابلة بحيث لا يملكون الأدوات الكفيلة كي يتمكّنوا من وضع حدّ لهذا النزاع بأبعاده الاقليميّة والدوليّة بيد أنّهم يستعملون كلّ ما يملكون من طاقات (أموال - غاز - بترول - ذهب - أسلحة بأنواعها وأشكالها وامكانات استخباراتية وبشريّة) وذلك طبقا لدراسات وتحاليل مبنيّة على معطيات دقيقة تفيد القوى الاستعماريّة وتمكّنها من تدمير الطرف المقابل: العراق سابقا وسوريا واليمن وليبيا حاليا وفلسطين ماضيا وحاضرا. وفي هذا المجال، يلاحظ أنّ دور كلّ من الجامعة العربية، ومنظّمة الدول الاسلامية لم يتعدّ دور الشّجب والتنديد، ولم ينجح في ايجاد صيغة لإيقاف النزاعات والحروب المدمّرة بشريّا وماديّا، أمّا وظيفته التنموية فقد ظلّت تراوح مكانها وأضاعت سبيلها دون تحقيق نتائج تذكر.
قيل إنّه صدرت لكم دراسة حول الثّورة التونسية، ضمّنتموها أفكارا جديدة مهمّة ومعتبرة. فماهو محتوى هذه الدراسة؟
إنّ ما قيل نظريّا حول دمقرطة النظام الحاكم وايجاد حلول ملموسة للقضاء المبرم على جيوب الفقر والخساسة، وإحداث التوازن الجهوي وتطبيق مبدإ المساواة بين مختلف الفئات والشرائح الاجتماعيّة وفق ما تضمّنه الدستور الجديد لسنة 2014، وضرورة تشغيل الشّباب وفي مقدّمتهم أصحاب الشهائد العليا، وتعميم تطبيق مبدإ الجباية على كل المواطنين من أعوان الوظيفة العمومية ورجال الأعمال والأطبّاء والمحامين والمهندسين في القطاع الخاص وأصحاب المهن الحرّة بما يكفل العدالة في دفع التونسيين دون تمييز فئوي أو جهوي إلى أداء الواجبات الضروريّة قبل الإلتجاء إلى التداين الخارجي (البنوك الماليّة الدوليّة) هذا الذي بات من المتعارف عليه، أنه يلحق ضررا جسيما بسيادة الوطن ومصلحته العليا.. كلّه كان مطلب الجماهير الشعبية المتطلّعة إلى غد مشرق والتي دفعت ضريبة الدم وقدّمت الشهداء استبسالا في سبيل كنس الطغاة والمتجبّرين. لكنّنا بتنا نصطدم بعدم تحقيق تصوّراتنا وأحلامنا المنشودة وانتهينا إلى تحقيق النزر القليل مما ننشد. فعلى المستوى السياسي أفرزت الانتخابات التشريعيّة والرئاسيّة الأخيرة نتائج حتّمت على المسؤولين السياسيّين الحاليّين اختيارات لم نكن ننتظرها، حيث انّه تمّ تجاوز الوعود والأهداف المرسومة باعتماد حلول جزئية غير كافية ولا مستجيبة لإشباع الاحتياجات الضاغطة والملحّة فلم نتمكّن لا من تشغيل الشّباب ولا في الشروع في خلق التوازن الجهوي ولا من تحقيق التنمية المنشودة أو الإعتناء بصحّة المواطن، بما في ذلك عدم توفير مستلزمات أساسية متعلّقة بالبنية الأساسية في مجال إعداد مستوصفات ومستشفيات والأطر الطبيّة الكافية سيما في المناطق الداخلية، وكما يلاحظ تواصل التهميش الجهوي والمحلّي، الأمر الذي ولّد شعورا بالإحباط لدى المواطن اذ تتسبّب الأحداث الجارية في مزيد تنامي ظواهر اجتماعية غير مألوفة في البلد مثل تفشّي ظاهرتي التهريب والارهاب وتعميق الانفلات والفوضى وتكاثر السّرقات وانتشار المحسوبيّة والرّشوة والاقتصاد الموازي.
هل يتطابق المنهج الأوروبي لتقسيم التاريخ وتوزيعه على مراحل محدّدة مع أوضاعنا العربية والاسلامية؟
يقوم التقسيم الأوروبي للتاريخ على أربع مراحل:
أولا: المرحلة القديمة «ANTIQUITE» وتنطلق من بداية الكتابة التاريخية إلى حدود القرن الخامس الميلادي، ويشمل كل ما له علاقة بالتاريخين اليوناني والرومانيّ. فالتاريخ اليوناني يبتدئ من الألف الثانية قبل الميلاد، ويتواصل إلى بدايات القرن الرابع قبل الميلاد، وتسمّى الفترة الثانية من التاريخ اليوناني ب«التاريخ اليوناني الكلاسيكي» الذي تكون بدايته من القرن الرابع قبل الميلاد إلى حدود القرن الخامس بعد الميلاد، في حين أنّ تاريخ روما يمتدّ من فترة التأسيس مرورا بفترة الجمهورية ويتواصل إلى حدود القرن الأول قبل الميلاد. وهناك فترة الامبراطورية الرومانية، التي تبتدئ من نهائيات القرن الأوّل قبل الميلاد إلى فترة الغزوات البربريّة من القرن الخامس بعد الميلاد.
في حين أن المرحلة الثانية والتي تسمّى «مرحلة القرون الوسطى» تتوزّع على ما يقارب العشرة قرونا بدءا من القرن الخامس ميلادي إلى القرن الخامس عشر بعد الميلاد. ويقسّم المختصّون الغربيّون هذه المرحلة إلى ثلاث فترات تاريخية وهي:
القرون الوسطى الأولى من القرن الخامس إلى القرن العاشر ميلاديا.
الفترة الثانية: وتشمل قرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وتسمى ب«الفترة الكلاسيكيّة».
الفترة الثالثة المسمّاة ب«فترة القرون الوسطى المتأخّرة» على امتداد القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديّين.
أما المرحلة الثالثة من التاريخ الأوروبي وتسمى «العصر الحديث» فتبدأ من القرن السادس عشر إلى ثورة 1789 خلال عصري النهضة والأنوار.
والمرحلة الرابعة والنهائية: تبتدئ من التاريخ المعاصر بدءا من نهاية القرن الثامن عشر إلى اليوم وتتضمّن الثورات الفلاحيّة والصناعيّة والتجاريّة والتقنيّة، كما شهدت هذه المرحلة فترة الاستعمار الموسّع وتقسيم العالم بين البلدان الاستعماريّة دون غيرها وهي عندئذ: فرنسا، انقلترا، اسبانيا، البرتغال وألمانيا.
كما نلاحظ أنه في هذه المرحلة اندلعت حربان عالميّتان، أولهما من سنة 1914 إلى سنة 1918 والثانية من سنة 1939 إلى سنة 1945.
وتولّدت عن القهر الاستعماري وعن ضراوة الحربين العالميّتين حركات تحرّر في بلدان ما يسمّى ب«العالم الثالث» التي أثمر نضالها وتحصّلت أغلب بلدانها على استقلالها السياسي ولا تزال تناضل من أجل افتكاك عناصر أخرى من كينونتها لا تزال سلبيّة بفعل ضغط القوى الاستعماريّة.
تلك هي النقاط التي انبنت عليها المرحلة الرابعة التي يقسّمها المختصّون الأنقلوسكسونيّون إلى قسمين: فترة الحداثة وفترة ما بعد الحداثة، هذا إلى جانب مقاربات أخرى تفرّق بين التاريخ المعاصر والتاريخ الآتي، ومن هنا نصل إلى الانتهاء من مشهد المنهج الأوروبي لتقسيم التاريخ، لنرى مدى مطابقته في تاريخنا العربي الاسلامي.
نلاحظ أنّ هذا النوع من التقسيم للتاريخ لا يتناسب تماما مع التقسيم العربي الذي نراه يتوزّع على فترتين أساسيّتين، فترة ما قبل الاسلام والفترة الاسلاميّة. فالفترة الأولى التي يمكن أن تطابق الفترة القديمة للتاريخ الأوروبي تتميّز ببعض الاختلافات حسب المناطق الجغرافية وقد أثبتت الدراسات التاريخيّة أنها كانت فترة ركود وتخلّف وتكلّس ذهني وانحدار للحضارة الغربيّة آنذاك.
في المقابل تثبت شتّى المصادر العلمية والموضوعية أن المرحلة الثانية من الفترة الاسلاميّة كانت تتميّز بالازدهار والنموّ. وتعدّ فترة أوج الحضارة العربيّة الاسلاميّة.
كما أن تأسيس الإمبراطوريّة العربية الاسلامية كان أحد الأسباب الرئيسية في القضاء على الامبراطوريّة السّاسانيّة الفارسيّة واقتطاع أجزاء كبرى من الامبراطوريّة البيزنطيّة. وبعد هذا التوسّع الكبير لهذه الامبراطوريّة نلاحظ أنها أصبحت تضمّ المناطق التالية:
كامل الأقطار العربية حاليا، بما فيها مصر والشّام وبلاد المغرب العربي التي كانت تابعة للامبراطوريّة البيزنطيّة وكامل البلدان المكوّنة للامبراطوريّة الساسانيّة الفارسيّة ومنها اليمن خصوصا.
اذن نلاحظ أن تقسيم المراحل التاريخيّة العربية الاسلاميّة ليس متطابقا مع المنهج الأوروبي لعامل التقسيم إلا في ما ندر. ففي مصر يعود التاريخ القديم إلى الفترة الفرعونيّة التي تعود إلى الألف الرابعة قبل الميلاد وتتواصل إلى حدود القرن السادس ميلادي.
تليها الفترة الثانية التي هي فترة اسلاميّة المنطلقة مع الفتوحات الاسلاميّة وتأسيس أول مصر : مدينة الفسطاط.
أمّا في العراق، ففترة ما قبل الاسلام تبتدئ في حدود الألف الثالثة قبل الميلاد وتشمل تاريخ سومر وبابل وآشور.
والفترة الثانية هي الفترة الاسلاميّة التي تنطلق مع الفتوحات وتأسيس الأمصار: البصرة والكوفة.
وبالنسبة لليمن، فالفترة الأولى تنطلق حوالي بدايات الألف الثانية قبل الميلاد، وتشمل تاريخ الدول الآتي ذكرها وهي: معين - سبأ - قتبان - أوسان - حضرموت ومملكة حميرْ التي تواصل تاريخها إلى القرن السادس ميلادي ثم عرفت اليمن الاحتلال الحبشي (525 م - 575م) ثم الاحتلال الفارسي (578 م - 632 م) ثم أصبحت اليمن ولاية ضمن الامبراطوريّة العربية الاسلاميّة.
وفي تونس الحاليّة المسماة قبل مجيء العرب المسلمين «أفريكا» هذا الاسم اللاتيني يبدأ فيها التاريخ في حدود الألف الأولى قبل الاسلام، ويشمل تاريخ الممالك النوميديّة (البربر) والفينيقيّين والقرطاجيين والرومان والوندال (برابرة ضمن الهجرات البرابرية في القرن الخامس الميلادي) والبيزنطيّين (من 533 م إلى فترة الفتح العربي الاسلامي لتونس التي أضحت تسمى «افريقيّة». والمرحلة الثانية هي المرحلة الاسلاميّة التي ابتدأت منذ الفتح وتأسيس مدينة القيروان.
وفي ما يتعلّق بالمرحلة الثانية المرتبطة بالتاريخ العربي الاسلامي، فهي مرحلة مسترسلة زمانيّا إلى اليوم.
أما عن مصر فالفترة الاسلاميّة تتواصل إلى سنة 1517 م تاريخ سقوط دولة المماليك وتشمل عصر التأسيس والولاة والطولونيّة والدولة الإخشيديّة، والخلافة الفاطميّة والفترة الأيوبيّة بقيادة صلاح الدين الأيوبي الذي تمكّن من اعادة المذهب السنّي للبلاد بعد نهاية الخلافة الفاطميّة التي كانت تدين بالمذهب «الإثني عشرية» أو قل «المذهب الامامي». ورغم امتداد الفترة الفاطميّة في مصر إلى أكثر من قرنين، فقد تمكّن الشعب المصري من المحافظة دينيّا على انتسابه للمذهب السنّي الشافعي.
أما الفترة الثانية من المرحلة الاسلاميّة فتبدأ من 1517 ميلادي إلى حملة نابليون على مصر سنة 1789 إلى سنة 1801.
والفترة الثالثة من نهاية حملة نابليون إلى انهاء الحكم الملكي العثماني، وانطلاق النظام الجمهوري بدءا بعبد الناصر، مرورا بالسّادات، وصولا إلى مبارك وانتهاءا بانتفاضة (2015-2011).
وبالنسبة لتاريخ تونس خلال الفترة الثانية من العهد الاسلامي، فيمكن تقسيمها إلى فترتين كبيرتين:
الفترة الأولى وتشمل:
فترة الدولة الأغلبية ثم فترة الدولة الفاطميّة التي تمّ خلالها نقل العاصمة من القيروان إلى المهدية، ثم الدولة الصنهاجيّة الزّيرية التي قطع أميرها المعزّ ابن باديس البيعة على المستنصر الفاطمي، وكان سببا في الغزو الهلالي الذي أسمّيه الهجرة الهلاليّة. من الصعيد المصري إلى إفريقية، ثمّ تحرير البلاد من الاحتلال النورماني سنة 555 هجري، وتأسيس الدولة الحفصيّة التي تواصل وجودها إلى سنة 1574 م.
أما الفترة الاسلاميّة الثانية والتي تنطبق جزئيّا على ما يسمّى في الغرب «التاريخ الحديث» فتشمل بالخصوص الدولة المرادية، ثم الدولة الحسينيّة التي أبرم خلالها محمد الصادق باي اتفاقيّة باردو في 12 ماي 1881 م وتقرأ هذه الاتفاقيّة على أنّها اعلانا للحماية الاستعمارية الفرنسيّة للبلاد التونسية إلى حدود اعلان «الإستقلال» سنة 1956.
ومن هنا نخلص إلى أن المقاربات التاريخيّة في مجال التقسيمات تختلف من حضارة إلى أخرى ومن مجال جغرافي إلى آخر.
ولعلّ مقاربة التقسيم في التاريخ الأوروبي وفي التاريخ العربي الاسلامي على سبيل الذّكر، تعدّ خير دليل على ذلك.
ماهي أهمّ اقتراحاتكم ومدى استشرافكم كي يتحوّل الراهن الوطني والعربي من حالة احتقان وتأزّم اجتماعي إلى غد واعد وكيان ناهض استئناسا بما نشرتموه من كتب ومقالات علميّة في مجال تخصّصكم؟
لعلّه من نافلة القول قبل الاجابة على هذا السّؤال التذكير بأنه خلال القرون الأولى للهجرة، ثم بعد مضيّ ثلاثة قرون من الاستقرار إلى حدود القرن الثالث عشر ميلادي بدأت بوادر التراجع الحضاري على الصعيدين العربي والاسلامي وصعود الغرب المسيحي بمختلف مكوّناته (أوروبا والقارّة الأمريكية..) في تحقيق نهضة شاملة في مختلف المجالات. والسؤال هو: لماذا استمرّ العرب في الانحدار إلى درجة أنهم خرجوا من التاريخ وفق رأي الكثيرين وهل هناك أمل في أن يبعثوا في شكل استفاقة خوفا من التهميش في زمن يداس فيه الضعفاء؟
ولعلّ هذه الوضعية تقرأ على أنها نتاج للتّقوقع الثقافي والانغلاق على النفس والانخراط الذهني في مسارات جانبيّة مثل الانشغال باللهو والطرب والعزوف عن الشروط الدّنيا للمحافظة على التفوّق الحضاري بالأمس القريب. ويرجعها البعض الآخر على أنها ترجمة للمؤامرات والتحديّات الداخليّة والخارجيّة السّاعية إلى تفكيك أواصر الوحدة وفرض املاءات وتصوّرات لا تخدم العرب بصفتهم نسق عام أو أنساق فرعية تحت عنوان «فرّق تسد» لتفكيك عرى التضامن والتآزر والسيطرة على الثروات البشريّة والطبيعيّة.
والتفسير الذي نراه أقرب الى المنطق والواقع، هو أن التفسيرين السابقين يتضمّنان نسبة لا يستهان بها من الصحّة. لكن تنقصهما ثقافة المبادرة والاعتماد على النفس والنّأي عن تحميل الآخر مسؤولية تخلّفنا وتبنّي التفسير التآمري الخارجي.
أما عن مقوّمات الحياة العصرية والانخراط الفعلي في ثقافة العصر وقوامها العلم والقدرة على توظيفه وترجمته في واقعنا المعيش، فإنّها تتلخّص في النقاط التالية:
تشخيص الواقع والبحث عن الحلول المناسبة للحاجات المشخّصة وفق مبدأ الأولوية والأهمية. وهذا يحتاج إلى تظافر الجهود ماديّا وفكريّا وذلك بما يتطلّبه الأمر من توفير كل مستلزمات العمل وطرح الأفكار البنّاءة والمعمّقة في الغرض.
تقريب وجهات النّظر بين مثقّفي المجتمع العربي ونظرائهم في مجتمعات أخرى، اثراء للمشهد موضوع الحال وإبعاد مثقّفي السّلطة والسّعي إلى تأهيل العقليّات والذّهنيّات السّاعية إلى تشكيل ثقافة بناء وتوحيد وقوّة اقتراح وان كان ذلك بصفة تدريجيّة.
التركيز في بعث المشاريع على العمل التشاركي والشفّاف والترويج لإيصال الأفكار البنّاءة.
السعي إلى القضاء المبرم على رواسب التخلّف والتكلّس الذهنيين، وتحفيز الهمم والحثّ على كسب رهان الرقيّ والتقدّم.
زرع فكرة الاعتماد على النفس والتعامل الندّي مع الآخر وبثّ روح العمل المنتج كي نصبح رقما مهمّا ومعتبرا بهدف المساهمة في بناء صرح حضارة انسانيّة حديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.