احتفلت بلادنا مع سائر البلدان العربية الاسلامية بالذكرى العطرة لمولد النبي الأكرم عليه ازكى صلاة وأسمى تسليم اعادها الله على كافة المسلمين في مشارق الارض ومغاربها باليمن والخير والبركة، وبهذه المناسبة الكريمة عودتنا إذاعتنا الوطنية مشكورة ببث الأغنية الدينية التي طالعها «نزاد النبي وفرحنا بيه». وقصة هذه المديحة النبوية تعود الى اقدام المرحوم البشير الرصايصي (19071977) باعث صناعة الاسطوانات في بلادنا على تسجيل تلك المديحة على اسطوانة شركته التي تعرف باسم «أم الحسن» على غرار بيضافون في مصر وفهمي فون في ليبيا نسبة الى الفنان الراحل البشير فحمة شهر فهمي وقد جمع المرحوم البشير الرصايصي عدة اصوات تونسية لذلك التسجيل الذي انجز بمنزله بنهج الباشا بالمدينة العتيقة وهي صليحة (19141958) ونعمة وبشيرة التونسية هذه المطربة التي لا نسمع صوتها الا «في السنة مرة» كما تقول فيروز في اغنية سيد درويش «زوروني كل سنة مرة» (18931923) ولا ادل على ذلك من ان الاذاعة لم تسجل تلك المديحة النبوية وانما تبثها من خلال اسطوانة المرحوم البشير الرصايصي مؤسس صناعة الاسطوانات (19071977) التي كان يروجها من دكانه الكائن بنهج القصبة سابقا. كما اعتقد جازما ان السادة الممتعين قد تكون اختلطت لديهم النفقة بالحضانة بشأن تميز الأصوات. لذلك كتبت هذه المقولة حتى يتبين لديهم الخيط الابيض من الخيط الاسود، ذلك ان المطربة الراحلة بشيرة التونسية كان صوتها يشبه كثيرا صوت صليحة من حيث متانة النبرات ودقة الاداء ورقة الانشاد. فقد اتى حين من الدهر كانت فيه هذه الفنانة الراحلة ملء السمع والبصر وكانت المنافسة الوحيدة لصليحة التي لم تخلفها الا ابنتها المرحومة شبيلة راشد زوجة الشاعر المرحوم علي عامر مؤلف الأغنية الشهيرة «يا خليلة» لكن المؤسف ان تتحول تلك المديحة النبوية الى «تعليلة» يغنيها الفنانون في عوادات الافراح والليالي الملاح. كما انه من المؤسف ان يتغافل اهل صناعة الغناء والالحان من المحترفين من الشبان المعاصرين عن الترحيبة الحقيقية التي كانت المطربة اليهودية التونسية (لويزة) تغنيها في العوادات التي كانت تحيي الاعراس في ذلك العهد وهي بعنوان «يا مرحبا بأولاد سيدي طلوا جماعة سلوا سيوفهم لماعها.. قعدوها فوق قعود..سالف ممدود.. شيعوها بالبارود.. قعدوها فوق جحفة ..عروسة تحفة.. ما احلى قدها في اللحفة قعدوها فوق سرير.. محارم احرير..يادار بوها تبقوا على خير فأين نحن اليوم من تلك الترحيبة التي تفتتح بها سهرة حفل الزفاف من هذه المهاترات الشبابية مثل «ست العرايس يا ماشاء الله عليها..قاعدة في الكوشة والزهور حواليها..) وهي تعليلة مصرية لأن الكوشة في اللهجة المصرية لا تعني المخبزة او الفرن في لهجتنا العامية ومازلت أذكر في حديث الذكريات والحديث ذو شجون كيف استشاط غضبا استاذي في الصحافة المرحوم الهادي العبيدي رئيس تحرير جريدة «الصباح» منذ انبعاثها على يدي المرحوم الحبيب شيخ روحه في فيفري 1951. وهكذا اقلع «العوادجية» عن غناء تلك الاغنية المستعارة من التراث المصري واتخذوا من المديحة النبوية (تعليلة) اججت سخط الهادي العبيدي الذي تساءل كيف يدنس القوم موكب تلك الزيجة الميمونة من خلال تحويل منزل الفرح الى مسلخ بلدي او بطوار (abattoir) على حد قوله وفعلا لما تأملت المتن الزجلي لتلك المديحة وقفت على صواب موقف الهادي العبيدي: في مولده نذبح بقرة.. هزوا البنادر يا فقرة سيد النبي واصحابه العشرة.. وابن عمه علي في مولده نذبح عاصي.. هزوا البنادر يا ناسي سيدي النبي عصابة راسي..قلبي شايش ليه فما ضر لو يقلع الفنانون الشبان عن تدنيس تلك المديحة النبوية واحترام العريسين واعفائهما من تلك المذابح الخاصة بالباطوار او المسلخ البلدي ويعودون الى الاصول بأداء الترحيبة في افتتاح حفل العرس واختتامه بالتعليلة. لا إله إلا الله والفرح واتانا.. كل من عادانا، جانا وهنانا واخيرا، لا آخر ، فان تلك المديحة النبوية قد اوردها المؤرخ عثمان الكعاك 1903 1976 في كتاب ألفه عن خاله الفنان احمد الوافي 1850 1921 ونسبها اليه زرياب لحنها في حين انه في حل عنها ومنها براء وكل عام والقراء الاوفياء لجريدتنا الصبحاء بألف خير بهذه المناسبة العطرة، اعادها الله على الجميع بموفور الصحة وجزيل اليمن والبركات.