- اعتبر المؤرّخ والمحلّل السياسي عبد اللطيف الحناشي أن الأزمة السياسية التي تعيشها تونس تصاعدت إثر تعليق رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي المفاوضات حول وثيقة قرطاج 2 وتفاقمت أكثر إثر كلمة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، مساء امس بخصوص الحزب الحاكم (نداء تونس ) مؤكّدا انّ المسألة اليوم أصبحت "مزعجة أكثر ممّا كانت عليه". وقال في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للانباء اليوم الأربعاء انّ الوضع في تونس هش ولا يحتمل استمرار أزمات سياسية عميقة وطويلة المدى مبيّنا انّ "البلاد تعيش أزمة متداخلة بين الاجتماعي والاقتصادي بالاضافة الى الجانب السياسي والحزبي الذي برز بقوة على الساحة منذ انبعاث فكرة وثيقة قرطاج 2 للقيام بالإصلاحات اللازمة . ولفت إلى أنّ الأزمة التي يعيشها نداء تونس من الداخل منذ فترة انعكست اليوم على الحكومة وعلى الحياة السياسية مضيفا انّ هذا الحزب يشكّل الزاوية الأساسيّة للتوازن السياسي في البلاد الا ان الخلافات التي يعيشها سواء بين اعضائه أو بين مديره التنفيذي حافظ قايد السبسي ورئيس الحكومة ستزيد من تعميق الأزمة. وأكّد أنّ إقالة الشاهد اليوم لم تعد بالمسألة البسيطة لوجود من يتشبّث به داخل حركة نداء تونس من جهة وتمسّك كتل برلمانية ببقائه من جهة أخرى على غرار كتلة حركة النهضة (68 مقعدا) تماشيا مع موقف حزبها ، متابعا القول إنّ تونس تعيش أزمة سياسية متعدّدة الزوايا وعلى عدّة مستويات لكن يمكن معالجة هذه المسألة بالإنطلاق في حسم المعركة داخل حزب نداء تونس عبر قرارات حاسمة من رئيس الجمهورية من جهة وعبر تكاتف جهود عدد من المنظمات وإيجاد التوافق كما جدّ سابقا خلال اجتماعات أطراف الحوار الوطني من جهة أخرى. وأوضح انّ الشاهد أصبح يمثل تيارا قويا داخل الحزب وتجلى ذلك من خلال تحميله حافظ قايد السبسي مسؤولية تدهور الحزب وتراجع دوره في الفترة الأخيرة. وكان رئيس الجمهورية قد قرّر الاثنين الماضي تعليق المفاوضات بشأن وثيقة قرطاج 2 التي تضمّنت برنامجا إصلاحيا بسبب عدم الحسم في النقطة المتعلّقة بالتحوير الحكومة وتباين المواقف بين من يرغب في تحوير جزئي على الحكومة ومن يريد تغيير جذري يشمل رئيس الحكومة . تعليق المفاوضات بشأن وثيقة قرطاج 2 أحال الرأي العام إلى خلافين اثنين الأولّ بين المنظّمة الشغيلة التي طالبت برحيل الشاهد وحركة النهضة التي عارضت ذلك وتمسّكت بموقفها . وفي هذا الصدد أكد أمين عام المنظمة الشغيلة نورالدين الطبوبي، أن "الإتحاد لم يعد ملزما بشيء" في حين لفت رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، إلى أن " الإصلاح يتم في إطار استمرارية الحكومة على اعتبار أنّ التغيير لا يمثّل مصلحة لتونس وأنّ البلاد تحتاج إلى إصلاحات وتمر بظرف دقيق نتيجة وضعها الاقتصادي والمالي الذي لا يتحمل الإطاحة بالحكومة". أما الخلاف الثاني فقد برز بين المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد حيث طالب الأول برحيل الشاهد وقال في تدوينة على صفحته " يهمنا أن نؤكد بأن موقفنا من مسألة التغيير الحكومي الشامل فرضه الوضع الاقتصادي المتأزم وما تراكم من احتقان اجتماعي وتراجع في منسوب الثقة السياسية" في حين حمّل رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطابه ليلة أمس حافظ قايد السبسي مسؤولية تدهور حزب نداء تونس وذكره بالاسم اضافة إلى بعض المحيطين به . فقد ذكر الشاهد في كلمته أن " المسيرين الحاليين لحزب نداء تونس وعلى رأسهم حافظ قايد السبسي والمحيطين به دمروا الحزب ودفعوا عددا كبيرا من المناضلين الصادقين والكفاءات لمغادرته" وأكّد أنه حان الوقت اليوم لمسار إصلاحي داخل الحزب ليستعيد ثقة التونسيين ومكانته كفاعل أساسي في خدمة المصلحة الوطنية دون ان يكون عبءا عليها. ولفت إلى ان نداء تونس لم يعد يشبه الحزب الذي انضمّ إليه في سنة 2013 والذي آمن به عدد كبير من التونسيين، قادوه من هزيمة إلى أخرى، انطلقت بفقدانه لموقعه كأول كتلة في البرلمان وآخرها الهزائم الانتخابية في ألمانيا والانتخابات البلدية التي خسر فيها الحزب قرابة مليون صوت". واعتبر رئيس الحكومة " وجود المسيرين الحاليين على رأس الحزب، عائقا امام توحيد العائلة الوطنية والديمقراطية ويرجع التشتت الذي برزت نتائجه في سنة 2011 وهدد التوازن السياسي" مؤكدا أن كل هياكل الحزب متعطلة اليوم والبعض منها لم تجتمع لأكثر من سنتين، " وأرجع الشاهد تطرقه إلى أزمة حزب نداء تونس في الظرف الحالي لأنها لم تعد شأنا داخليا بل تسربت لمؤسسات الدولة وأصبحت تمثل خطرا عليها مضيفا ان "موضوع النداء ليس حزبيا بحت بل أمسى موضوعا وطنيا بامتياز لانه بضعف نداء تونس يختل التوازن السياسي وهو ما يهدد المسار الديمقراطي". يذكر انه تم الإتفاق حول 63 بندا من وثيقة قرطاج 2 تعلقت بالإصلاحات لكن الخلاف وقع بسبب النقطة 64 التي تعلقت بالحكومة التي ستنفّذ هذا البرنامج ومسألة التحوير الجزئي او الجذري وهي مسألة لم تحسم وتسبّبت في تعليق المفاوضات حول الوثيقة من قبل رئيس الجمهورية. كما يشار إلى أنّ وثيقة قرطاج 2 دعا إليها رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي شهر مارس الماضي لتحديد جملة من الأولويات وتدارس الجوانب المتعلقة بالإصلاحات الضرورية وذلك لتحيين وثيقة قرطاج 1 التي تجاوزتها العديد من المسائل وتعطّل العمل بها . ووثيقة قرطاج 1 هي وثيقة سياسيّة وقعتها تسعة أحزاب (نداء تونس وحركة النهضة والإتحاد الوطني الحر وآفاق تونس وحركة مشروع تونس وحركة الشعب وحزب المبادرة الوطنية الدستورية والحزب الجمهوري وحزب المسار الديمقراطي الإجتماعي) وثلاث منظمات (الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري) في جويلية سنة 2016 وتضمنت خطوطا عامة للسياسات الإقتصادية والإجتماعية وأولويات في عدد من المجالات الوطنية وعلى قاعدتها تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة يوسف الشاهد لكنها سجّلت فيما بعد انسحاب عدد من هذه الأحزاب (الجمهوري ومشروع تونس وآفاق تونس وحركة الشعب) والتحاق الاتحاد الوطني للمرأة التونسية.