انسحبت الكتلة الديمقراطية من أشغال المجلس الوطني التأسيسي وسط استغراب رئيس المجلس وعديد الملاحظين السياسيين للأسباب التي دفعت هذه الأخيرة للإقدام على هذه الخطوة رغم أن جميع الظروف كانت مهيئة لإدارة هذا النقاش استجابة لمقترح الكتلة بتقسيم وقت تدخل النواب بالمناصفة بين الأغلبية والمعارضة. استغراب عبر عنه رئيس المجلس الوطني التأسيسي بأن المنسحبين لا يريدون الحوار بل يريدون الفوضى وعبر عنه بعض الملاحظين السياسيين بانسحاب المعارضة العدمية التي عوض أن تفكر في تقديم الاضافة والمشاركة البناءة داخل المجلس, تفكر في اصطناع الفوضى وخلق مناخ توتر داخل المجلس تشفيا في الحكومة ومحاولة اظهارها في موقع الضعف والعجز. فرغم أن الجلسة كانت حوارية بالأساس الى أن بعض النواب يعتبرونها جلسة مسائلة للحكومة وللكلمتين ابعاد سياسية وقانونية مختلفة فبالرجوع الى خلفيات الانسحاب سبق للكتلة الديمقراطية أن أعلنت انسحابها يوم قبل انعقاد الجلسة وهذا ما تم فعلا رغم تلبية رغباتها. اذن الانسحاب كان بالضرورة مبرمجا وممنهجا سواء لبى المجلس المطالب أو لم يلبيها وهذا ما يطرح أكثر من تساءل ويؤيد القول بعدمية المعارضة التي تختلف مع الأغلبية حتى في الوقت المبرمج لتدخل النواب. فمن المفروض أن تكون الاختلافات والانسحابات حول مضامين المشاريع الدستورية المقدمة وحول تضمين مطالب الثورة في الدستور القادم لا حول ترهات لا تستغرق دقيقتين من أجل تجاوزها دون احداث بلبلة أو هالة اعلامية تزيد من حالة الاحتقان السياسي التي تعيشه البلاد. فمن المنتظر في المرة القادمة أن ينسحب نواب احتجاجا على نوع الغذاء المقدم للنواب أو حول نوع القهوة المقدمة أو حول مدة الاستراحة؟؟؟. لما انسحب الحزب الديمقراطي التقدمي في فترة سابقة من حضور أشغال المجلس احتجاجا على قانون المالية حيا فيه الجميع هذه المبادرة باعتبار صواب رؤية الحزب في الاعتراض على هذا القانون وباعتبار أن الحكومة قد عجلت وفرضت المصادقة سريعا على هذه الميزانية, أما هذا الانسحاب الأخير يعتبر انسحاب سياسي قد يستغله نواب الترويكا الحاكمة في التأكيد على أن المعارضة داخل المجلس التأسيسي تعارض الحكومة نفسها لا مشاريع قوانين نوابها المقترحة وهذا ليس في صالح معارضة يعول عليها الكثير من التونسيين في تبليغ مطالبهم والذود عنها.