قادمة من عمق الذاكرة واعوجاج لسان الأهل الأميين هي كلمة »الأوتوراي« تشير الى آلات الحديد الضخمة الناقلة للناس وسلعهم بإشراف »الشمنديفير«، وكلمة الأوتوراي هي تحريف لساني للكلمة الفرنسية »أوتو راي« أي السيارة السائرة على سكة الحديد وكلمة »الشمنديفير« هي ايضا جمع بين كلمتي فرنسيتين هما: "Chemins de Fer" معجم لغوي يحيل مباشرة الى سنين خلت، كان معه الأهل والشعب بلا تعليم والاستعمار الفرنسي يكبس على قلوب المواطنين ويتحكم في معاشهم ومآلهم... خبزهم ودقيقهم... ولكننا اليوم مواطنون في بلادنا المستقلة التي تراعي حكوماتها المتتالية المقدرة الشرائية للمواطن حفاظا على الأمن والسلم الاجتماعيين... ولكن الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية التي عمدت الى الترفيع في ثمن تذاكر »الأوتوراي« الرابط بين سوسةوتونس بما يقارب الخمسين بالمائة لم تنتبه الى أمر المقدرة الشرائية للمواطن رغم أنها شركة وطنية تحقق فائضا في الأرباح من خلال نقل البضائع ثم الأفراد... لقد عمدت شركة السكة الحديدية الى تحويل نصف عدد القطارات السائرة على الخط المذكور الى ما أسمته »بالأوتوراي السريع« من خلال تخصيص عربات جديدة للركاب. نعم هي عربات جديدة تتسع الواحدة (وهي قطار بأكمله) منها الى 130 مقعد مع كراسٍ واسعة ولكنها غير مريحة فضلا عن الأروقة الضيقة جدا وغياب أماكن لحقائب المسافرين يمكن ان تتسع لحقيبة متوسطة الحجم. هذا شكلا، أما عن الراحة أثناء الرحلة فهي غير متوفرة إذ يفوق حجم الاهتزازات ما يضمن راحة المسافر حتى وهو يمسك قهوته أو كنش ملاحظاته لتدوين ربع كلمة... لقد قفزت أسعار التذكرة أكثر مما قفزت سرعة القطار بين تونسوسوسة إذ كان الثمن 7650 مي في الايام العادية و 8000 مي في نهاية الاسبوع أما مع هذا الأوتوراي فقد باتت الاسعار: 10950 مي في الايام العادية و 11500 مي في نهاية الاسبوع، وذلك دون ان يكون للحريف خيار اختيار الدرجة التي تتناسب مع قدرته الشرائية باعتبار الأوتوراي من درجة الرفاهة (وهو للحق بعيد عنها كل البعد) ثم ان كلمة الأوتوراي قد ألصقت في مصطلحات الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية بكلمة السريع وهو ايضا ليس سريعا باعتبار ان القطار الذي يخرج من مدينة سوسة مثلا على الساعة الثامنة و 40 دقيقة صباحا قد وصل تونس بعد ساعة و 40 دقيقة وحافظ على نفس محطات التوقف العادية في كل سفرة رغم اعتماد السعر الجديد (10950 مي) وهي (سوسة فريقيا النفيضة بئر بورقبة قرمباليةحمام الانفوتونس) مما يعني ان توقيت الرحلة هو نفسه تقريبا. فلم يلحظ المسافر بهذا تغييرا في الخدمات ولا في التوقيت ولا في الراحة داخل العربات... فقط أصبحت التذكرة تقدم له في ظرف أزرق أنيق كتذاكر الطائرة سابقا قبل اعتماد التذاكر الالكترونية... فأي تناسب بين التذكرة وحال الأوتوراي السريع؟ واذا كانت الاقتصاديات الحديثة تقوم في اطار المنافسة على تحسين جودة الخدمات للحفاظ على الحرفاء دون ترفيع في الاسعار فإن شركتنا الوطنية لم تعتمد هذا المقياس (ربما لأنها لا تخشى المنافسة) وربما لأن أمر الحريف لا يهمها (لا في مستوى ماله ولا راحته ولا رغبته)... لقد تركت شركتنا الوطنية الموقرة. بعض القطارات التي تسير على نفس الخط في شكلها القديم ولكنها اختارت لها تواقيت غريبة قد لا تلائم المسافرين... وهي لم تعتمد اعلام حرفائها بهذه الاجراءات والزيادات ولم تُجر استفتاء حول مدى راحة الركاب في العربات الجديدة ولم توضح لهم حجم الزيادة في سعر التذكرة ولم تراع تلازم البعدين الاجتماعي والاقتصادي قبل الترفيع في أسعارها. إذ لم تلحظ مثلا ان حجم الزيادة بالنسبة الى الفئات الخصوصية التي ستجبر على ركوب هذا الأوتوراي غير السريع كالصحافيين قد باتت 350٪ بما ان سعر التذكرة قد انتقل من 1000 مي الى 4500 مي ونسبة الزيادة للحريف العادي هي 30٪ مما يشكل حتما ضربة قاسية للمقدرة الشرائية للمواطن حريف الشركة الوطنية للسكك الحديدية، نقول هذا وننتظر ردّ الشركة علما وأننا قد اتصلنا أربع مرات بالسيد المكلف بالاعلام بإدارة الشركة في مكتبه وعلى هاتفه المحمول لاسفساره عن هذا الأمر فامتنع عن الكلام المباح...