لا تزال الاصوات الثقافية التونسية تدور في فلكها القديم... تلوك المعارك الوهمية وتنهش أفقها الابداعي، وهو الذي بات اليوم منذورا بطوفان جارف من الرجعية والردة المعرفية... نمط تقليدي باهت ونظرة كلاسيكية مغلقة على عالمها وتصورات لم تخرج عن المألوف للفعاليات الثقافية والمهرجانات والملتقيات والانشطة. وربما كان الفارق الوحيد بعد 14 جانفي 2011 اضافة كلمة ثورة الى كل شعار قديم او فضاء متهالك معرفيا وثقافيا... المبدع التونسي السينمائي والمسرحي والغنائي والكاتب والشاعر والرسام... كلهم مازالو يحاربون طواحين الهواء كل بطريقته... كل واحد ينهش من لحمه ودمه ووقته ليرسم خيطا في ثوبه الابداعي... ولئن طفت على »السطح الثقافي« بعض المحاولات للترميم وتحسين الواجهات الثقافية فهي لم تبلغ العمق، ولم تطرح ما من شأنه ان يصنع ثورة ثقافية تقطع مع ما سبق من اساليب بالية وتؤسس لأروقة اكثر اشراقا وبناءً. ظلت المعارك بين بعض الهياكل أو بين هذا وذاك وتغذيها طبعا وسائل الاعلام ببساطتها المعهودة جاعلة من كل معركة هامشية او عرضية مسألة مصيرية (افتتاح قرطاج أو مسلسلات رمضان مثلا...). واذا كان الرأس المال المالي له دور رئيسي وحاسم في تحديد طبيعة وأفق الرأس المال الرمزي فان اصحاب هذا »الرأس« الرمزي مازلوا »يحلبون« وزارة الثقافة لكأنها البقرة الحلوب التي لا يشحّ ضَرْعُهَا، في حين كان الاولى بهم ان يوجهوا أعينهم نحو البنوك والشركات الكبرى والمجمعات الاقتصادية والتجارية والضغط على كل الاطراف لحث رؤوس الاموال الطائلة لتبني المبدعين والمثقفين واصحاب المشاريع الفكرية. وبعيدا عن مشروع »التفرّغ« القديم الذي تكرّم به المخلوع على مريديه وبطانته من مثقفي القصر وما جاوره، فإن اليوم حرّي بأهل الثقافة والابداع ان »يُلزموا« رؤوس الاموال بصرف ما تيسرّ لهم من ملايين فائضة خدمة للسينما والمسرح والكتاب والرسم والموسيقى... بل انه من الضروري اليوم ان تلزم الحكومة القادمة كل رجل أعمال تونسي او مستثمر أجنبي ينوي اقامة مشروع على أرضنا، بأن يتبنوا مثقفا او مبدعا شابا او شابة وتأمين كل الوسائل التي تساعده في ابداع انتاج ثقافي ومعرفي دون ان تحتكر جهده وابداعه... على أصحاب الشركات والمصانع ان يتعوّدوا على توفير تذاكر دخول للسينما والمسارح... وان يقتنوا للعمال والاعوان إضمامة من الكتب... عليهم ان يلتفتوا الى اللوحات الزيتية للرسامين التونسيين وان يؤثثوا يوم الشغل 1 ماي من كل سنة بحفل موسيقي لفائدة العمال والموظفين...