من بين قضايا الفساد الكثيرة التي نفض عنها الغبار بعد ثورة الحرية والكرامة قضيّة التعويضات للجالية التونسيّة التي كانت تقيم بالعراق أثناء عدوان 1991، القضية عادت إلى السطح من جديد بعد أن كادت تطوى ملفاتها نهائيا أمام إصرار المتضررين على نيل حقوقهم كاملة وكشف المسؤولين عن التلاعب بمستحقاتهم البالغة 15 مليون دولار تمّ تحويلها إلى البنك المركزي التونسي من قِبَل اللجنة الأممية لتسلم تعويضات للمتضررين وفق القائمات الاسمية التي سلمت لوزارة الخارجيّة. لمزيد إضاءة هذه القضيّة انتقلنا إلى مقرّ الجمعية التونسيّة لخريجي المؤسسات التعليمية بالعراق التي تكفلت بنيابة المتضررين في هذه القضيّة لإجراء هذا الحديث مع رئيسها السيّد علي الحمروني. لو تعرفنا بالجمعية التونسية لخريجي المؤسسات التعليمية بالعراق ؟ هي جمعية ثقافية واجتماعية تعنى بتوطيد أواصر التضامن والتقارب بين أعضائها ومحاولة خدمتهم في كافة المجالات المدنيّة كما تعنى بتنظيم المجال التعليمي والثقافي الذي يشغلونه خاصة ان اغلب أعضاء الجمعية من خريجي المؤسسات التعليمية والمعاهد عاشوا في العراق في مراحل مختلفة منذ خمسينات القرن الماضي. قامت الجمعية بمؤتمرها التأسيسي يوم 25 مارس 2012 وانتخبت هيئة اداريّة تضمّ 11 عضوا لتسيير أعمالها وهي اليوم منكبة على تكوين ناد ثقافي به ورشات للغات والفنون المختلفة وللأنشطة الترفيهية لأعضاء الجمعيّة وأبنائهم وقامت بتوسيع النظام الداخلي ليشمل عضويّة العمّال وأبنائهم بحكم عدم وجود فوارق كبيرة بين العمال والطلبة الذين عاشوا في العراق لتفاعلهم مع بعضهم بعضا. وماذا عن دور الجمعيّة في ملف التعويضات للعائدين من العراق ؟ يعتبر هذا الملف مزمنا منذ سنة 1991 تاريخ حرب الخليج الثانية حيث غادر آلاف التونسيين الذين تضررت أعمالهم وحياتهم وعائلاتهم عندما عادوا بشكل فجائي وقسري وخسروا ممتلكاتهم وكل ما لديهم في العراق والكويت ، وتحت برنامج النفط مقابل الغذاء قررت الاممالمتحدة تعويض المتضررين وكافة الأجانب الذين كانوا موجودين في العراق أو الكويت في تلك الفترة، ووقع تحويل الأموال إلى الدولة التونسية عبر وزارة الخارجية وقدرت بأكثر من 15 مليون دولار وضعت بالبنك المركزي التونسي لتقديمها إلى مستحقيها من خلال قائمة اسمية بالمتضررين قدمت إلى مصالح الوزارة بقرابة 1500 متضرر. وقد شكلت الجمعية لجنة لمتابعة هذا الملف فيها عديد المتضررين وبعض نواب المجلس التأسيسي ممن كانوا بالعراق مثل السيد إبراهيم القصّاص، وتقوم هذه اللجنة بنيابة المتضررين الذين قاموا بعشرات الوقفات الاحتجاجيّة سواء أمام المجلس التأسيس أو وزارة الخارجية ووقع تسويفهم - هذا بعد الثورة - أما قبلها فقد كان كل مطالب بمستحقاته يتعرض للهرسلة والتهديد والاستدعاء لوزارة الداخلية. بعد الثورة تمكن بعض المتضررين الذين لا يتجاوز عددهم 47 من نيل بعض مستحقاتهم ووقعت التعمية الكاملة عن البقيّة. وماذا كان ردّ وزارة الخارجيّة؟ آخر الاتصالات مع وزارة الخارجيّة كان يوم 22 مارس 2012 حيث التقى وفد من الجمعية وأعضاء من المجلس التأسيسي والأستاذ المحامي وبعض المتضررين بالسيد وزير الخارجيّة بمعية أحد مستشاري الديوان ومدير الاتفاقات القنصليّة والنزاعات والدراسات وطرحنا هذه الملفات على طاولة النقاش ومنها ملف السيد المنصف بن إبراهيم بن أحمد الشريف الذي له بذمة الوزارة مليار من الدولارات تعويضا له عن أضرار مثبتة بحكم محكمة عراقيّة، وقد تفاعل معنا الوزير ايجابيا واستغرب عدم تناول هذه المواضيع في ابانها، فأبلغناه أننا وفي الصائفة الفارطة حملنا إذنًا بعريضة للوزارة لتكشف لنا قائمة المتضررين لكنها رفضت الانصياع لقرار القضاء وقامت بتسويفنا. وطالبناه بالكشف عن القائمات خاصة أن الوزارة ادعت أنّها قامت بتسليم المبالغ إلى 1300 حالة ولم يبقَ إلا شخصان لم يحصلا على حقوقهما، في حين أننا طعنّا في هذا العدد إذ أنه لا يتوفر لنا إلا 47 متضررًا فقط تمتعوا بالتعويضات وإلا لما كان كل هذا الاحتقان.. وتمّ الاتفاق مع السيد الوزير على ضرورة التسريع بتسليم هذه القائمات وتكوين لجنة مشتركة تقوم بالبتّ في كل هذه الإشكاليات . والى ماذا توصلتم بعد هذا اللقاء؟ الوزير تفهم الموضوع وكلف أحد المسؤولين لمتابعة الملف غير أن الأمور جرت على غير ما توقعنا فعند تحولنا يوم الخميس 19 أفريل 2012 لمقابلة المسؤول عن الملف اعتذر وضرب لنا موعدا آخر يوم السبت 21 أفريل 2012 ولكن عند عودتنا في الموعد مع عضوين من المجلس الوطني التأسيسي والمحامي وأحد المتضررين قيل لنا إنّ السيّد المدير في اجتماع وأنه أحال الموضوع إلى كاهيته الذي رفض مقابلتنا ثم تعلل بأن الموعد مع شخص واحد وهو ما اعتبرناه التفافًا وعودة إلى أسلوب الإدارة في النظام السابق من تسويف وإرجاء في حق ثابت خاصة أننا لا نطلب منّة وإنما نطلب حقنا. كما لاحظنا من خلال الوثائق المرفقة في ملف القضيّة أن الوزارة تجيبنا بطريقة مضحكة كأن تقول إننا نتباحث وأرسلنا طلبًا إلى السفارة العراقية في حين أن الموضوع ليس له علاقة بالسفارة أو الدولة العراقية لأن الأممالمتحدة هي التي سهرت على اقتطاع هذه الأموال من برنامج النفط مقابل الغذاء حولتها الى المتضررين مع العلم أن الأموال موجودة في البنك المركزي الذي أعلمنا بأنه لا يزال جزء كبير منها على ذمة المتضررين مما يعني أن الموضوع يحل مع وزارة الخارجية بحسب صنف كل متضرر وهي أصناف ثلاثة: (أ) في حدود 2500 دولار أمريكي كمنحة سفر ومغادرة، (ب) ما بين 2500 و10 آلاف دولار أمريكي كجبر للأضرار البدنيّة أو فقدان أحد أفراد العائلة، (ج) ما بين 2500 و 100 ألف دولار أمريكي لتعويض فقد الوظائف والممتلكات، (د) يتعلق بجبر أضرار تفوق 100 ألف دولار أمريكي. وقد استعرضنا حالة مع السيد الوزير لمتضرر في صنف (ج) يستحق مائة ألف دولار في حين سلمته الوزارة «شاك» يحتوي على 17 ألف دولار تونسي بتبرير أن التعويض من 10 آلاف إلى 100 ألف في حين أنه لم يحصل احد من المتضررين على أقل من 50 ألف دولار في مثل هذه الحالة، كما وجدت حالات استلما فيها بعض الأشخاص 100 ألف دولار في حين أن الشخص المعني لا يعلم بذلك وهو ما يعتبر جريمة خيانة مؤتمن بأتم معنى الكلمة. وماذا عن التهديدات التي تعرضتم لها من قِبَل ميليشيات أمام الوزارة ؟ عندما كنّا بصدد التباحث أمام الوزارة فوجئنا بمجموعة سلفيّة تكرر ظهورها في عديد من الأماكن تهددنا وتتوعدنا، ثمّ باشرت بسبّ عضوي المجلس التأسيسي وشتمهم والتهجم على أعضاء الجمعيّة، ووصفتنا بأزلام بن علي و جماعة 7 نوفمبر وبأننا خونة وسرّاق علينا أن ندع الحكومة تعمل ونكفّ عن مضايقتها، وقد تم كل ذلك في شكل استعراضي قمعي على مرأى ومسمع من أعوان الأمن وقد اصدرنا بيانا للرأي العام بتاريخ 21 أفريل 2012 لتوضيح ملابسات ما حدث، ورغم ذلك فإننا لا نزال نتابع ملفنا مع المجلس التأسيسي ومع وزارة الخارجيّة كما قمنا بمراسلة وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في هذا الغرض وسنتابع الموضوع معها. كلمة أخيرة كما تلاحظون الموضوع شائك له جانب اجتماعي وسياسي وثقافي، لان الاستهداف الذي تعرض له خريجو الشرق بصورة عامة والعراق بوجه خاص كان استهدافا سياسيا وثقافيا وحضاريا بشكل واضح وكأن النظامين السابقين يريدان طمس وقمع الصوت العربي في تونس وهو ما كان ممكنا في ظلّ تحالف بعض الفئات الفرانكفونية المرتبطة بالمراكز الغربية ولكننا نُفاجأ بتواصل مثل هذا التمشي بعد الثورة التي ردت الاعتبار إلى العمق التونسي والهوية العربية للتونسي والى كرامة التونسي. كما لا يفوتنا أن أوّل الشهداء في الثورة في تالة أو منزل بوزيان هم من خريجي العراق. من هنا نؤكد أن الجمعية مجندة لخدمة أعضائها وللمساهمة في بناء نسيج مدني يقدم لتونس من خلال تصور للدستور ولمجتمع مدنيّ مبني على المواطنة والشفافية وإعطاء كل ذي حقّ حقّه.