من غرة 2026: خلّص ''الفينيات'' من دارك ...شوفوا التفاصيل    تحب تخلّص فاتورة الستاغ على أقساط؟ هاذم الشروط    عاجل/ وضع حدا لحياته: انتحار هذا الممثل شنقا..    ماتشوات كأس أمم افريقيا: شوف شكون ضدّ شكون..الوقت والقنوات    التوقعات الجوية لهذا اليوم..أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    الاطاحة بعناصر اجرامية وحجز مخدرات..#خبر_عاجل    عاجل/ بسبب "القريب": وزارة الصحة توجه نداء هام للمواطنين..    الاحتلال يداهم عددا من المنازل في بيت لحم ويوزع مناشير تهدد المواطنين بالاعتقال    اليابان تستعد لإعادة تشغيل أكبر محطة نووية في العالم    تونس : نحو إرساء مرجعية وطنية لتمويل التنوّع البيولوجي    كاس افريقيا للأمم ( المغرب- جزر القمر 2-0) المباراة كانت صعبة ولكن الفوز جاء عن جدارة واستحقاق    بداية من اليوم: الستاغ تفتح باب جدولة الديون لفائدة حرفائها    جريمة شنيعة بالقيروان: براكاج يُنهي حياة سائق تاكسي    فرنسا: تفاصيل صادمة عن سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    وزارة الصحة تحث على التلقيح وتحذّر: النزلة الموسمية قد تشكّل خطرًا على الفئات الهشة    بطاقة ايداع بالسجن في حق سائق حافلة بشركة النقل بنابل لسرقة البنزين من خزان الحافلة    لقطات "مخيفة" و"مرعبة" لإبستين وهو يحضن ويقبل فتيات صغيرات في وثائقه الجديدة!    إندونيسيا: مقتل 15 وإصابة 19 في حادث مروري مروع    محكمة ماليزية تصدر قرارا بشأن عقوبة رئيس الوزراء السابق نجيب رزاق    أحدهما من مصر وآخر من الجزائر.. إدارة ترامب تستدعي نحو 30 دبلوماسيا في الخارج    وزيرة المرأة تدعو إلى مضاعفة الجهود لتكريس الدور الاجتماعي للدولة    المغرب يهزم جزر القمر 2-صفر في افتتاح كأس الأمم الأفريقية    وزارة الصحة تطلق حملة "شتاء بلا نزلة...يبدأ بالتلقيح"    فضلات في كل مكان والبنية التحتية مهترئة في غياب الصيانة .. قُربة مملكة «الفراولة» والحرف اليدوية... مهملة    أولا وأخيرا: الولي الصالح سيدي المعلم    من قبلي إلى الأردن...الفنانة التونسية تتأهّل للدور النهائي لذي فويس    «شروق» على الملاعب العالمية ...مبابي يُعادل رقم رونالدو وغوارديولا يُثير «الرّعب»    يشغل حوالي نصف مليون تونسي: «معجون» الطماطم... قطاع على صفيح ساخن    تشريعات داعمة للاستثمار والتنمية    النوم الهادئ لا يبدأ من الدماغ.. بل من الأمعاء... كيف ذلك؟    رسميا: المغرب يفتتح كأس أمم أفريقيا 2025    الكرة الطائرة (الكاس الممتازة 2024-2025): الترجي الرياضي يفوز على النجم الساحلي 3-1 و يحرز اللقب    عاجل/ وزارة المالية تعلن عن اجراء جديد لخلاص معلوم الجولان..    الليلة: أمطار والحرارة تتراوح بين 6 و9 درجات    بنزرت/ اكثر من 70 مؤسسة صغرى ومتوسطة تشارك في الدورة ال11لمعرض التسوق ببنزرت    "أنقذتني الكتابة" لآمال مختار: محاولة في كتابة السيرة الذاتية والتشافي من آلام الماضي    القطاع التصديري لتونس يستعيد زخمه في ظل التطلع الى دعم مرتقب خلال سنة 2026    دراسة: أكثر من 80 بالمائة من الأمهات يرفضن تلقيح بناتهن ضد فيروس الورم الحليمي البشري    اليوم: أقصر نهار في العام    ''توكابر''...الزيت التونسي الأفضل عالميا: وين موجود ووقتاش يتم جنيه؟    عاجل: ممرضة تحترق داخل مستشفى بالرديف خلال مناوبة ليلية    تونس: وضعية السدود في خطر    مرصد المرور: ارتفاع قتلى الحوادث ب 6,27 بالمائة    اليوم: التوانسة يعيشوا الإنقلاب الشتوي    المنتخب التونسي لرفع الأثقال يتحول إلى الدوحة للمشاركة في البطولة العربية وكأس قطر الدولية    قابس/ آفاق واعدة لقطاع السياحة الاستشفائية بالحامة    كاس امم افريقيا 2025 - مصر تبحث عن انطلاقة قوية امام زيمبابوي الاثنين    مهرجان المنصف بالحاج يحي لفنون العرائس ومسرح الطفل من 21 إلى 28 ديسمبر 2025    السواسي: يخرب جسد قريبه طعنا بسكين حتى الموت !    القيروان؛ مقتل سائق تاكسي فردي في "براكاج"    ثلاثة فائزين في المسابقة الشّعرية المغاربية لبيت الشّعر بالقيروان    عاجل/ "براكاج" ينهي حياة سائق "تاكسي"..    اختتام الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية: الفيلم المصري "القِصص" يتوج بالتانيت الذهبي (الجائزة الكبرى)    وداعًا وليد العلايلي.. النجم اللبناني يغادرنا عن 65 سنة    الليلة هذه أطول ليلة في العام.. شنوّة الحكاية؟    عاجل : وفاة الفنانة المصرية سمية الألفي    خطبة الجمعة ..طلب الرزق الحلال واجب على كل مسلم ومسلمة    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الغنيمة وتآكل الرّأسمال الرّمزي للثورة التونسية ( الجزء الأول )
نشر في الشعب يوم 16 - 06 - 2012

صرّح أحد جرحى الثّورة موجّها كلامه إلى الشعب التونسي قائلا «ألا يخجل هذا الشعب من نفسه» هذه العبارة المربكة جعلتني أطرح سؤالا علميّا وهو تأثير الحراك الثوري في سلّم القيم المرتبط بثقافة المجتمع التونسي؟
لقد مثّلت المرحلة الثورية التي عاشها المجتمع التونسي اختبارا حقيقيّا لتشخيص ثقافة المجتمع من جهة ولدور النّخب في تجاوز اضطراب المعايير وصيانة نظام القيم من جهة أخرى. غير أنّ الباحث المنخرط بالضرورة في الأحداث العاصفة لا يمكنه في المرحلة الراهنة إلاّ تسجيل ملاحظات أوّلية قد تمكّنه في مرحلة لاحقة من مقاربة علميّة للديناميكية الرمزية التي أنتجها الحراك الثوري في تونس.
لعلّ المكسب الثابت الوحيد الذي حقّقه الحراك الثوري في تونس يتمثّل في ذلك الرأسمال الرّمزي الذي حقّقه الشعب التونسي باعتباره صانع الربيع العربي الذي ولئن اتخذ في بعض البلدان العربية منحى تراجيديا إلاّ أنّه مازال يتمثّل نموذجا لتحرّر الشعوب وانعتاقها. كان للفعاليات النضالية التي قام بها أجيال المناضلين ضدّ دولة الاستبداد في تونس الأثر الكبير في تهيئة الشروط الموضوعية لاندلاع حراك 17 ديسمبر 2010 غير أنّ نجاح هذا الجيل في خلع الرئيس السابق بتلك الطريقة المتفرّدة ومن خلال تلك الشعارات الأصيلة جعله يهدي إلى تونس رمزيّة الشعب الفاتح ويكرّس أسبقيّته التاريخية في مسار التحرّر والكرامة في المنطقة.
هذه الأسبقيّة التي يبرّرها التاريخ السياسي والاجتماعي الحديث بدءًا بقرار عتق العبيد سنة 1846 مرورًا بإصدار أوّل دستور مكتوب في العالم العربي سنة 1861 وصولا الى مجلّة الأحوال الشخصية في سنة 1956، هذه المنعرجات الكبرى هي التي نحتت تاريخانيّة متمايزة عن المحيط الإقليمي بالرّغم من عدم النجاح في الوصول إلى مرحلة الحداثة السياسية بالمعنى الفلسفي والحضاري.
كما أنّ نجاح الحراك الثوري 17 ديسمبر قد مكّن كذلك من تأكيد ما يمكن وصفه بكاريزما الشعب التي لا يبرّرها شعار «الشعب يريد» فحسب بل أساسا قدسيّة بيت أبي القاسم الشّابي.
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابدّ أن يستجيب القدر
هذه الأيقونة الشعريّة التي كثيرًا ما ردّدناها في نشيدنا الوطني وردّدها معنا ملايين البشر التائقين إلى التحرّر كشفت كلّ أسرارها في تلك اللحظة أي لحظة 14 جانفي.
غير أنّ تلك اللحظة نفسها هي التي أعلنت عن بداية سرقة الحلم وكان الفصل 56 من الدستور أولى الأدوات المعتمدة، كان وذلك الظهور الأوّل عبر الشاشة هو الصورة الأولى التي شوّهت المشهد وأجهضت هستيريا فرحة الشعب والحقيقة أنّ استمرارية الدولة ما كانت لتبرّر هذه العمليّة الاجهاضيّة حيث أنّ الاعلان المباشر عن اعتماد الفصل 57 كان سيؤكّد عمليّة الخلع التي تجسّم وحدها استمرار الدولة بإرادة الشعب الفاتح...
لقد كانت الفعاليات الاغتناميّة الصورة الأولى للمشهد الاجتماعي والسياسي الذي أعقب خلع الرئيس السابق يوم 14 جانفي 2011 حيث عاثت العصابات الإجراميّة فسادًا ونهبًا وترويعًا للمواطنين منذ اللحظات الأولى لنسائم الحريّة ووجد المواطن التونسي نفسه في مواجهة تحدّيات لم يتعوّد عليها مجبرًا على حماية نفسه من خلال لجان أحياء وبمعاضدة المؤسسة العسكرية في ظلّ غياب شبه كلّي لقوّات الأمن التي فقدت في تلك المرحلة كلّ معاييرها ومرجعياتها.
غير أنّ تلك الفعاليات الاغتناميّة التي قامت بها العصابات الإجراميّة لم تكن لتثير اهتمام الباحث بفعل منطق الأشياء ولكن المثير فعلا هو اغتناميّة النّخبة ولاسيّما النّخبة السياسيّة التي يفترض فيها أن تكون صمّام الأمان الوطني.
تترجم مأساة عائلات شهداء الثّورة وجرحاها وصمة عار حقيقيّة ليس على جبين الطبقة الحاكمة فحسب بل على جبين كلّ فعاليات المجتمع المدني وتجدر الإشارة إلى أنّ أقصى درجات الانتهازيّة تتجلّى في هذا المستوى عندما وظّف ملفّ الشهداء والجرحى في الدعاية الانتخابيّة ثمّ يقع التنكّر بل تشويه رموز الثّورة بعد النجاح في الانتخابات.
إنّ ما وقع من محاولات اندساس حقيرة في قائمات الشهداء والجرحى لا يمكن أن يبرّر البتّة التلكؤ في معالجة هذا الملفّ الذي يمثّل ملفّا مركزيا في المحافظة على الرأسمال الرمزي للثّورة التونسية بل وفي تغيير نظام القيم الذي يكرّس الخنوع والانتهازيّة والذي غذّته الطبيعة المليشيوية لنظام بن علي، إنّها فرصة تاريخيّة كي يتمكّن أحفادنا من احترامنا ومن الوقوف خاشعين في مقبرة ليترحّموا علينا لا باعتبارنا جيل الفاتحين فحسب بل باعتبارنا الجيل الذي عمل على تكريس نظام قيم يمجّد التضحية في سبيل الآخرين وينبذ الخنوع والانتهازيّة ويقدّس قيم الحريّة والانعتاق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.