ببادرة من الاتحاد العام التونسي للشغل ووزارة الثقافة انعقدت صباح الاربعاء 29 أوت 2012 بنزل الهناء الدولي، ندوة أدبيّة مخصّصة لتجربة الشاعر الكبير محمود درويش في ذكراه الرابعة. كانت الندوة بعنوان «مازلت حيا في مكان ما» ترجمة لما في قلوب التونسيين عموما والنقابيين خصوصا من محبّة تجاه الشاعر محمود درويش وتجاه القضية الفلسطينية. انطلقت أشغال الندوة بكلمة الأخ فتحي هويملي (الدّبك) منسّق الثقافة والتكوين الذي رحّب بالضّيوف ترحابا خاصّا ثمّ أحال المصدح إلى الأخ محمد المسلمي الأمين العام المساعد المسؤول عن التكوين النقابي والتثقيف العمالي الذي أكّد من جهته أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل راهن على الثقافة والآداب والفنون لإيمانه بأنّ الثورة الحقيقيّة تبدأ من الانفتاح على الابداع والثقافة ومواجهة كلّ المظاهر السلبيّة ومجابهة الظلاميّة والجهل وفقر الرّوح خاصّة أنّ الذكرى الرابعة لرحيل محمود درويش تتزامن مع الذكرى الثلاثين لقدوم الفلسطينيين المهجّرين إلى تونس في أوت 1982. ثمّ كانت الكلمة لسعادة سفير فلسطين سلمان الهرفي الذي كان ممتنّا حقّا بهذا الحبّ التونسي إيمانًا بالشعر والقضيّة الفلسطينية. رأست الجلسة النقديّة الاعلامية رشا التونسي التي تحدّثت عن مسيرة محمود درويش وأكّدت أنّ محمود درويش كان يعتبر نفسه قد وُلدَ عام 1995 في ملتقى ڤفصة بتونس ولادة حقيقيّة، فانطلقت تجربته الشعريّة نحو الكونيّة بعد تفكيكها نقديّا في تونس. ثمّ قدّم الأستاذ والناقد السوري صبحي حديدي مداخلة هي عبارة عن شهادة حول تجربة صديقه الراحل محمود درويش فأكّد على ملامح الكونية والخصوصيّة في تجربة الشاعر، وأنّه كان مسكونا بالتحدّيات الجماليّة إذ أنّ عناده كان متواصلاً بقراءته لقصائد جديدة تصدم القرّاء والسامعين في كلّ مرّة يواجه فيها جمهوره... إذ أنّه كان حريصًا على كسر أفق انتظار القرّاء لأنّهم يطلبون دومًا قصائد معيّنة (أيقونيّة) معروفة كتبها في بداياته. لقد نقل محمود درويش والقول لصبحي حديدي مفهوم الحق الفلسطيني إلى مستوى كوني وجماليّ أرقى كي يُخرج المحلّي إلى آفاق جديدة. ولعلّ وعي الشاعر كان حادًا بالشعر والقضيّة فقد كان يرى دومًا أنّه يسعى إلى أن يكون شاعرًا جيّدا لأنّ ذلك خدمة للقضيّة الفلسطينية. وخلص الأستاذ حديدي الى أنّ الفلسطيني في تغريبته الطويلة يتماهى مع أيّ تراجيديا وأنّ التاريخ مسرح للشعر. أمّا المداخلة الثانية فقد كانت للأستاذ والشاعر فتحي النصري الذي قدّم تعريفات لمفهوم الكونية.. وكان ذلك مدخلاً جادًّا لتناول الكونيّة في شعر محمود درويش، فالشعر كونيّ بطبعه. ورأى الأستاذ النصري أنّ محمود درويش مرّ في تجربته الشعرية بثلاث مراحل كبرى وأثبت أنّ مسيرته الطويلة كانت منذ بداياتها تنزع إلى كلّ ما هو كونيّ (كلّي) ولكنّها منطلقة من الخصوصيّ أساسا. والحداثة الشعرية قائمة على الفردي والخاصّ ولكنّها تتخفّف لدى محمود درويش من وطأة التاريخي. وذلك لأنّ التجربة الجمالية للشاعر مرتبطة بتحوّلات النظرية الشعرية غربيّا وعربيّا، ويتجلّى ذلك في حدّة وعي الشاعر بتحوّلات الكتابة وقلقه الدائم إزاء هذه التحوّلات. وبعد المداخلتين فُسح المجال للنقاش وإثارة الأسئلة التي أجمعت كلّها وأنّ سؤال الخصوصيّة والكونيّة سؤال شائك ملغوم ويأتي ذلك في صراع الشاعر الراحل مع شكل القصيدة، وانخراطه المطلق في البحث عن جماليات جديدة عبر مسيرته الطويلة. فقد مرّ محمود درويش من شعر القضيّة الى قضيّة الشعر، تحت هاجس أساسي هو إثبات الهويّة... وبمناسبة الذكرى الرابعة لرحيل محمود درويش كان فضاء المتحف الأثري بقرطاج مساء الاربعاء مفتوحًا لسهرة موسيقية وشعرية أثثها الفنانون جمال ڤلّة ونوال بن صالح ومراد جاد ولينا عليبان ولبنى نعمان ومهدي شقرون وعازف البيانو سامي بن سعيد. والشعراء: ابراهيم جابر ابراهيم (فلسطين) وفاطمة بن فضيلة وريم السلامي (تونس).