منذ بداية الأسبوع الماضي، دخل أعوان وعمّال مقاولات «يوسف اللطيّف» في اعتصام مفتوح في المقر الاجتماعي للشركة بالعاصمة وذلك للمطالبة بتسوية ملف التغطية الاجتماعية ودفع مستحقات المسرّحين والأجور المتخلدة بذمة الشركة لفائدة الأعوان والموظفين. «الشعب» تحوّلت إلى مقر الاعتصام ونقلت التصريحات التالية للعمّال... شكاوي البؤس يقول حسن الطريفي إنّ المقاولات قد وقع افراغها من قوى العمل والانتاج, نتيجة سياسة التسريح العشوائي والتخلّي المجاني عن مئات العمّال باختصاصاتهم المتعدّدة، وذلك على رغم أقدميتهم في العمل، والتي تتراوح ما بين 20 و25 سنة. ويضيف أنّ الباقين من العمّال لم يحْصُلوا على رواتبهم منذ شهر أفريل الماضي، فضلا عن عدم تسديد صاحب العمل حصّته من المساهمة في التغطية الاجتماعية. ويذهب مختار الطرودي العامل المختص وصاحب الأقدمية التي وصلت هذه الأيّام إلى عقدين إلى ان العَرْف قد عمد الى ايقاف أنشطة المشاريع الموزعة بين عين زغوان وسكرة، وتولّى بيع أغلب المعدّات والتجهيزات والآليات في خطوة متقدّمة نحو تسريح آلاف العمّال ومن ثمّة إيقاف الأشغال عامّة. ويرى مختار الطرودي أنّ العَرْف قد كدس ثروته منذ سنة 1992على حساب عرق العمال وجهودهم ومن خلال عدم التصريح لدى مؤسسات الضمان الاجتماعي بحقيقة أجور العمال والاطارات ورواتبهم الفعلية. وللتدليل على القدرة الفائقة للعَرف في التحيّل على عمّاله وسرقة مجهوداتهم وكذلك نهب المال العام وعدم دعم خزينة الدولة، يقول صالح المزليني إنّ صاحب العمل نفسه قد سعى إلى نقل كافة العمّال من سوسة ومن بقيّة مواقع العمل إلى تونس، ومن ثمّة قام بتغيير اسم الشركة وبعث شركة أخرى بوثائق جديدة وبشهادات خلاص مختلفة لا تتضمّن جداولها الحقوق والمكاسب التي كان العمّال يتمتّعون بها. ومن جانبه يؤكد بصيري العكرمي العامل المختص وصاحب الأقدمية التي تصل الى 25 سنة، انّ الزيادة في الأجور قد توقفت منذ سنة 2011 وانّ عموم العمّال لم يتمتعوا ببقيّة حقوقهم ومن بينها زيّ الشغل. بل لقد تولّوا رفع قضيّة لدى ادارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي حول عدم تطابق مساهمة العَرْف وتصريحاته المالية مع حقيقة رواتبهم مثلما تؤكده شهادات الأجور. ويتساءل الأسعد النفزي الذي يعمل نجّارا بمقاولات يوسف اللطيّف منذ سنة 1986 عن كيفية تلبية احتياجات أبنائه وهم على أبواب العودة المدرسية، فضلا عن مصيره بعد غلق المؤسسة التي لم تصرّح لدى مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحقوقه في التغطية الاجتماعية منذ سنة 2000! ويقرّ رابح القذقاذي الذي يعمل سائقا منذ ربع قرن وأب لخمسة أطفال، بأنّ صاحب العمل في الوقت الذي لم يصرّح فيه بمساهمته في التغطية الاجتماعية على مدار تسع سنوات يقوم هذه الأيّام بتمويل أحد الأحزاب! خدعة التغطية الاجتماعية وبمرارة كبيرة وحسرة موجعة، تحدّث إلينا كمال التونسي البالغ من العمر 53 سنة والأب لثلاثة أطفال والعامل المختص بمقاولات يوسف اللطيّف لمدّة ثلاثين سنة، موضّحا أنّه قد فوجئ بأنّ قيمة تقاعده لا يمكن أن تتجاوز مائة وثلاثين دينارًا، الشيء الذي دفعه إلى تقديم قضيّة عدلية ضدّ صاحب العمل. وبدت ملامح الفقر مرتسمة بين تجاعيد وجهه الشّاحب، مثلما اختفت عظامه وأضلعه وراء جلدته حتّى انّه قد خيّل اليّ أنّ الرجل لم يذق الطعام منذ أمد طويلٍ، إنّّه الشيخ الزاهي الغريبي البالغ من العمر 60 سنة والأب لأربعة أطفال، والذي بدأ يعمل بهذه المقاولات منذ سنة 1980 حسب الساعة التي لا يتجاوز مقدارها المالي دينارًا وخمسمائة مليم؟! كان الشيخ يشتكي بؤسه وظلمَهُ في حين شرد ذهني في متاهات الظلم ودرجات القهر التي قد تنال من البشر في عصر صارت فيه حقوق الانسان الايديولوجيا الكونية. أسعفه الحظ ونال منه العمل وفي حالة لا تقلّ بؤسا عن الشيخ الزاهي، تقدّم إلينا الشاب سامي السلامي البالغ من العمر 40 سنة والذي يعمل بمقاولات يوسف اللطيّف بنّاءً منذ 15 عاما بمقدار دينارين لساعة العمل الواحدة. هذا الشاب الذي أسعفه الحظ بالزواج في سن النبوءة، فاجأته مؤسسته بعدم تمتيعه بالتغطية الاجتماعية!! وفي حقيقة الأمر، إنّ صاحب العمل لا يترك قطرة عرق واحدة تجفّ دون أن يمتصّ ملحها ولا يفرّط في مثقال ذرة من الجهد دون استغلالها والقرينة تتعلّق بإعادة عمّ الطاهر النصيري الى العمل بالساعة بعد أن تمّت احالته على التقاعد منذ زمن. وطأة الحاجة وحيف الزمن القبيح يقفان وراء قبول عمّ الطاهر العودة إلى العمل بهذه الصيغة، فهو أب لأربعة أطفال لم تكن قيمة التقاعد كفيلة بتلبية احتياجات عائلته الممتدّة عددًا والمتوسعة فقرًا. عمل عمّ الطاهر لمدّة 17 شهرًا دون مقابل مادي ودخل في اعتصام مفتوح لأنّه لا يقبل العودة إلى أبنائه بخفّيْ حُنين والعود ة المدرسية على الأبواب. شأنه في ذلك شأن محمّد بن مبروك صاحب 49 شتاء أسود وقارص ومن المتوقع ألاّ يدخل الربيع حديقة عمره مادام بؤس الحياة يلاحقه ويتبع خطواته من سوسة إلى تونس ومن حظيرة إلى أخرى. محمد بن مبروك أب لثلاثة أطفال عمل طويلا في مؤسسات شقيق صاحب العمل وتمّ إلحاقه مؤخرا بمقاولات يوسف اللطيّف ليتذوّق ألوانا من العذاب وأصنافًا من الجوع والشقاء.