عاجل: هذه تفاصيل الأحكام ضد الموقوفين الثمانية في قضية التسفير    قفصة: افتتاح فعاليات الورشة الوطنية للمشاريع التربوية البيداغوجية بالمدارس الابتدائية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    مع الشروق : ترامب.. مائة يوم من الفوضى !    أخبار الملعب التونسي : غيابات بالجملة والبدائل مُتوفرة    وزير الشباب والرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    عاجل/ من بيهم علي العريض: أحكام بالسجن بين 18 و36 سنة في حق المتهمين في قضية التسفير..    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    في افتتاح مهرجان الربيع لمسرح الهواة بحمام سوسة... تثمين للمبدعين في غياب المسؤولين    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين شرعية انتخابية منتهية وتنامي الشرعيات الموازية
مأساة حزب حركة النهضة : الجزء الأول
نشر في الشعب يوم 05 - 10 - 2013

ثلاث مؤشرات تنبئ بوضع قريب من الانفجار في تونس, الوضع الأمني المتدهور (عكس ما يصرّح به علي العريّض) والتدهور الاقتصادي المتفاقم، إضافة إلى اعتصام الرحيل (المركزي والجهوي) الذي يضيّق الخناق على الحكومة والمجلس التأسيسي، بل إنّه يطالب برحيلهما باعتبار أن صلوحية المجلس التأسيسي انتهى أجلها منذ قرابة السنة - فماهي الجوانب القانونية لانتهاء هذه الصلوحية؟ وماهي بدائل ذلك؟
I- انتهاء الشرعية الانتخابية
لا شكّ في أن عددًا كبيرًا من الناخبين التونسيين صوّتوا يوم 23 أكتوبر 2011 لانتخاب مجلس وطني تأسيسي من أجل وضع دستور جديد للبلاد آخذين بعين الاعتبار التزامين، الأوّل صادرٌ عن مؤسسات الدولة وإن كانت آنذاك وقتية انتقالية، ويتمثل ذلك في الأمر عدد 1086 بتاريخ 3 أوت 2011 والصادر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 59 (السنة 154) بتاريخ 9 أوت 2011، و الثاني أخلاقي سياسي وهو ما يطلق عليه «إعلان المسار الانتقالي» الذي أمضى عليه أحد عشر حزبا خلال ندوة صحافية انعقدت للغرض يوم 15 سبتمبر 2011 بقصر المؤتمرات بالعاصمة هذين الالتزامين يقرّان بأن مدّة عمل المجلس الوطني التأسيسي المنتخب لا يمكن أن تتجاوز السنة الواحدة من تاريخ انتخابه. و قد أثارت هذه المسألة جدلاً واسعًا لا فقط في الأوساط الأكاديمية القانونية بل أفرزت لغطًا شعبيًّا واسعًا بسبب المرحلة الصعبة التي تمرّ بها بلادنا حاليا.
1) الأمر المنظم للانتخابات 3 أوت 2011
لا شك أن التونسيين الذين صوتوا لانتخاب مجلس وطني تأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011 اخذوا بعين الاعتبار الأمر عدد 1086 لسنة 2011 المؤرخ في 3 أوت 2011 والمتعلق بدعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي, خاصة في فصله السادس الذي يؤكد حرفيا «يجتمع المجلس الوطني التأسيسي بعد تصريح الهيئة المركزية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالنتائج النهائية للاقتراع ويتولى إعداد دستور للبلاد في أجل أقصاه سنة من تاريخ انتخابه»(1), إن المهمة التي انتخب من أجلها المجلس التأسيسي هي وضع دستور جديد للبلاد في طرف سنة بعد انتخابه وهي مدة كافية للقيام بتلك المهمة, إلا أن جماعة النهضة انحرفت عن هذا المسار, واختارت الهروب إلى الأمام. إن التفصّي من هذا الالتزام يشكل ضربا من ضروب الغبن والتغرير السياسي المسيء لعلاقة المواطن بالنخب السياسية, فعلينا ألا ننسى أن وجوها سياسية بارزة من أحزاب مختلفة أثثت حملتها الانتخابية بالتشديد على احترام مدة السنة و في مقدمتهم راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تصريح له في قناة حنبعل. بل إن بعضا من هذه الأحزاب وعددها إحدى عشر أمضت على وثيقة تلتزم فيها بهذا الأجل و هي ما يطلق عليها «إعلان المسار الانتقالي».
2) إعلان المسار الانتقالي 15 سبتمبر 2011
إن « إعلان المسار الانتقالي» وهي وثيقة كان الأستاذ عياض بن عاشور ( رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي) قد دعا إلى وضعها يوم 15 سبتمبر 2011, يعتبر على درجة عالية من الأهمية, و قد تضمنت التزام احد عشرا حزبا سياسيا بموعد 23 أكتوبر 2011 لانتخاب المجلس الوطني التأسيسي, وتأكيد الالتزام بمدونة سلوك الأحزاب السياسية, والتي يشير البند الثالث ألا تتجاوز فترة أشغال المجلس التأسيسي مدة سنة على أقصى تقديره. إلا أن جماعة النهضة والأحزاب الملتفة حولها, رفضت الالتزام بما أمضت عليه في هذا الإعلان, معتبرة انه مجرد التزام أخلاقي لا غير. إن القوانين في جميع دول العالم تفتح مجال الاتفاقات والالتزامات غير المنظمة بالنصوص لإرادة الأطراف في التعاقد ما دامت غير مخالفة للقوانين الجاري بها العمل. وقد جاء في الفصل 62 من مجلة الالتزامات والعقود التونسية أنه «ما لم تصرح القوانين بمنع التعاقد فيه يصح التعامل فيه» وكذلك الفصل 242 من نفس المجلة «ما انعقد على الوجه الصحيح يقوم مقام القانون فيما بين المتعاقدين ولا ينقضي إلا برضائهما أو في الصور المقررة في القانون», وفي هذا السياق يندرج «إعلان المسار الانتقالي» وذلك خاصة لتفادي اللجوء إلى الاستفتاء حول المدة عمل المجلس التأسيسي. غير أنه وبمجرد انعقاد أول جلسة داخل المجلس التأسيسي حول القانون المنظم للسلطات العمومية تنكرت حركة النهضة ومعها حزب التكتل لما سبق أن التزما به حول المدة المحددة, مستغلين الأغلبية لتمرير نص يمنح المجلس التأسيسي أجلا غير محدد.
إن التنكر لتلك المدة من قبل الأغلبية داخل المجلس التأسيسي لا يعني أن ما تمّت المصادقة عليه له العلوية على باقي النصوص والاتفاقات, لأنه يعتبر انقلابا على الشرعية النيابية الحقيقية المحددة مسبقا بسنة واحدة, فالأغلبية داخل المجلس ليس لها تغيير ما سبق الاتفاق حوله كأنْ يغير الطرف القوي في مباراة رياضية قواعد اللعبة أثناء المباراة. إن الدفع بعدم إلزامية « إعلان المسار الانتقالي» لكونه التزاما أخلاقيا يؤدي إلى الاعتراف من هؤلاء السياسيين (النهضة والتكتل) بأن لا أخلاق لهم بل أكثر من ذلك فهم لا يمانعون في التصريح بذلك أمام الشعب الذي انتخبهم ومنحهم الثقة (2). لقد اغتنم البعض عدم تقييد المجلس بفترة زمنية محددة لإتمام مهمته, فبدؤوا يتحدثون عن ثلاث سنوات على الأقل وخمس سنوات ... إن في ذهن هؤلاء أن ما انتخبناه ليس مجلسا تأسيسيا, بل هو قوة بيدها الحل والعقد و لديها السلط الكاملة, أي أنه بحسب هذا التوجه سنصبح في حلّ من انتخابات جديدة يحدد ملامحها الدستور المنتظر, وذلك بالتدقيق ما نجحت في وضعه حركة النهضة عند مناقشة الدستور الصغير أو ما يسمى التنظيم المؤقت للسلط العمومية.
3) الدستور الصغير أو الانقلاب الخطير
اعتبر أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور أن مصادقة المجلس الوطني التأسيسي يوم 16 ديسمبر 2011 على «الدستور الصغير» أو ما يسمى «القانون المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلطات العمومية» وفيه أنه «... تنظم السلط العمومية بالجمهورية التونسية تنظيما مؤقتا وفقا لأحكام هذا القانون إلى حين وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها...» وهو ما يعني أن المجلس الوطني التأسيسي وضع دستورا مؤقتا ينتهي نفاذه عند صدور دستور جديد مما يعني أنه لم يكن هناك سقف زمني ينتهي به عمل المجلس الوطني التأسيسي مما يتعارض مع ابسط القواعد الديمقراطية ويحتم ضرورة العودة إلى كل النصوص القانونية التي نظمت الانتخابات حتى وإن كانت تتعارض مع فصول القانون المنظم للسلط العمومية, وأن مقولة المجلس سيّد نفسه لم يعد لها أي معنى أخلاقي أو دستوري أو سياسي.
وشدد ابن عاشور في تصريح لأحد الإذاعات وقناة تلفزية على أن المجلس تم انتخابه من أجل القيام بصياغة الدستور وأن سنة كاملة كفيلة بهذا الإنجاز وأن تحويل المجلس إلى برلمان غير مقيد ومطلق واستبدادي شيء لم يكن مبرمجا في مطالب المنتحبين مشددا على أن أبشع وجه للبرلمانية هو النظام المجلسي. إن الذي اعد الفصل 27 من الدستور الصغير, رتب عن قصد الإلغاء القطعي لكل النصوص والأوامر السابقة لتاريخ 23 أكتوبر 2011, فقد تضمن هذا الفصل إلغاءا صريحا للأمر عدد 1086 الذي حدد مدة إعداد الدستور بسنة بدليل انه تضمن ما يلي «يقر المجلس الوطني التأسيسي ما تم من تعليق العمل بدستور الأول من جوان 1959 ويقرر إنهاء العمل به بصدور هذا القانون الأساسي. وينتهي العمل بكل القوانين التي تتعارض مع هذا القانون الأساسي, مما يعني أن المرسوم عدد 14 الصادر في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية تم إلغاؤه وتعويضه بالقانون التأسيسي عدد 6 الصادر في 16 ديسمبر 2011, ويعتبر هذا في حد ذاته مؤشرا بفراغ تشريعي أو صراحة انقلابا للمجلس التأسيسي على شرعيته الغير محددة بسقف زمني. بل الأخطر من ذلك أن هذا القانون لا يفتح الباب لفراغ تشريعي فحسب, بل وكذلك لفراغ سياسي عندما يقول في فصله الثالث انه في حال لم تتم المصادقة بأغلبية الثلثين على مشروع الدستور يتم اللّجوء إلى الاستفتاء الشعبي الذي في حال أتى برفض المشروع سيفتح الباب لتنظيم انتخابات جديدة, أي العودة إلى نقطة الصفر.
لقد اغتنم البعض عدم تقييد المجلس بفترة زمنية محددة لإتمام مهمته, والأخطر من ذلك عدم تقييد مهام المجلس, فبدا الجماعة يتحدثون عن ثلاث سنوات على الأقل وخمس سنوات, وآخرون قالوا إن مهمتهم ليست إعداد دستور جديد بل بناء دولة جديدة بالكامل. المرشد الأعلى للنهضة «الشيخ»... ! راشد الغنوشي بدا يتصرف وكأنه الحاكم بأمره, فها هو من قطر يطالب بطرد السفير الروسي (وذلك ما نفذه لاحقا رئيس الجمهورية المؤقت المنصف المرزوقي), وها هو يستدعي أمير قطر لحضور الجلسة الافتتاحية للمجلس التأسيسي (المعارضة من داخل المجلس ومن خارجه اعترضت عن ذلك مما أبطل عملية حضور الأمير.) ويعني ذلك كله أن ما انتخبناه ليس مجلسا تأسيسيا تنحصر مهمته في إعداد دستور جديد, ولكن ما انتخبناه هو برلمان بيده الحل والعقد ولديه كل السلط, بل هو بصفة أدقّ نظاما مجلسيا كما يسميه أهل القانون,
إن منظومة 23 أكتوبر كانت قد انتهت قبل أن تبدأ أصلا, باعتبار أن جماعة الأغلبية حولتها مند اللحظة الأولى إلى منظومة برلمانية مجلسية أطلقت يد الترويكا وخاصة حركة النهضة لتفعل ما تشاء, ولكن ها إنها بعد قرابة العامين لم تقدر على الإيفاء بوعودها.
لقد فقدت هده الحكومة شرعيتها الانتخابية بما أنها انقلبت عليها منذ اللحظة الأولى عند احتكارها في صياغة الدستور الصغير, لكنها فقدت كذلك شرعية الانجاز وهي ذاهبة بالبلاد إلى الهاوية, معوضة شرعيتها الانتخابية المنتهية, بشرعيات موازية من قبيل «الكبسان» والتكفير والتعصب والشتم وممارسة العنف ومنع الخصوم من التجمعات, وإرهاب النخب, ومنها من يخطط للفوضى عبر ما يسمونه «التدافع الاجتماعي» الذي سبق أن مارسته أعتي النظم الفاشية في التاريخ.
-IIالشرعيات الموازية أو تسليط الإرهاب على الشعب
لقد حبكت حركة النهضة بكل براعة صياغة الدستور الصغير, حتى تتمكن من السيطرة على كامل مفاصل الدولة, إلا أنها كانت واعية منذ اللحظة الأولى أن ذلك غير كاف للسيطرة على المجتمع, فخلقت لنفسها شرعيات موازية تدرجت في إنشائها من أجنحة عسكرية موازية إلى إصدار قوانين وحملات إعلامية تشويهية لعلها تتمكن من استقطاب المناصرين وإرهاب المعارضين المتعنتين ويمكن حصر هذه الشرعيات الموازية فيما يلي:
1. شرعية الإرهاب الموازي
تدخل في خانة شرعية الإرهاب عدة فروع أهمها شرعية المرجعيات الموازية وشرعية العنف الموازي وشرعية العسكرة الموازية وشرعية ما يسمى وزارة شؤون النهضة (الدينية خطأ).
إن المرجعية الفكرية الحقيقية لحركة النهضة ليست حزب العدالة والتنمية التركي, وإنما هو النموذج السوداني الاخواني بامتياز, هو النموذج الذي يشكل قدوة النهضويين بوصفه أول تجربة للإسلاميين في الحكم, ويبرز ذلك خاصة في سعي لحركة النهضة التوفيق بين الشريعة ومقتضيات الديمقراطية (تصريحات الغانوشي واقتراحات حبيب اللوز والصادق شورو وغيرهم في المجلس الوطني التأسيسي) وعلى عكس ذلك, لا نجد الإسلاميين الأتراك يدعون إلى التعبئة السياسية في المساجد وهم لا يستخدمون رجال الدين لحشد الأنصار, والأهم من ذلك أن «العدالة والتنمية» التركية لم تقع أسيرة التيارات السلفية, في حين انه ثبت لدى المتابعين للشأن العام في تونس إن السلفيين هم في الحقيقة أعضاء «النهضة» وقواعدها, وليسوا جسما غريبا عنها, والدليل على ذلك أن استعراض القوة الذي قام به السلفيون في مدينة القيروان سنة 2012 قدر عددهم ما بين خمسة آلاف وسبعة آلاف عنصر, في حين أن عدد السلفيين الذين سجنوا في عهد الرئيس المخلوع لا يتجاوز 1400 شخص, فمن أين ازداد عدد هؤلاء في هذا الظرف القصير؟ لم يأتوا من «تورا بورا», أنهم «أبناؤنا الذين نرى فيهم شبابنا» كما صرح راشد الغنوشي في مناسبات عديدة, مع الإشارة انه بعد أن انتقدهم إثر غزوة السفارة الأمريكية يوم 14 سبتمبر 2012 عاد واعتذر لهم علنا.
ومن ناحية أخرى وخلافا للمرجعية التركية, فان ما يلفت النظر في نشاط حركة النهضة هو عملها داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية وذلك ما كشفه شريط الفيديو الشهير الذي يحوي حوار راشد الغنوشي مع الشباب السلفي عن ضرورة اختراق المؤسستين العسكرية والأمنية, وللتاريخ وجب التذكير بقصة النهضة مع الجهاز السري الذي تم كشفه في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي وهو جهاز كان يضم ضباطا عسكريين ومسؤولين أمنيين, وبالتالي فإن قراءة بسيطة للصراعات التي تخوضها «النهضة» ضد المعارضة منذ تسلمها السلطة, تبين أنها كانت تدعو دائما لاسلمة المجتمع, وتبين كذلك أن نموذج تطبيق الشريعة في السودان هو قدوتها ومثلها الأعلى, خاصة أن راشد الغنوشي لا يتردد عن إبداء إعجابه بنظريات مفكر الحركات الإسلامية حسن الترابي, ويأتي شريط الفيديو الشهير ليؤكد أن خيار الانقلاب الإسلامي على الطريقة السودانية ليس مستبعدا, وفي هذا السياق أتى قرار السطو على «لجان حماية الثورة» التي تشكلت في الأصل عفويا بعد الإطاحة بالمخلوع لحماية الأحياء والمرافق العمومية, وكانت تضم مختلف التيارات السياسية, إلا أن حركة النهضة وقبيل موعد الانتخابات بقليل أعادت هيكلتها وحولتها إلى ذراع سياسي وعسكري لها.
لقد تضمنت وثيقة البيان التأسيسي لحركة الاتجار الإسلامي التي صدرت في 6 جوان 1981 عرضا لبرنامج الحركة وأهدافها ووسائل العمل التي ستتبعها, وهي مازالت تعبر عن روح وفلسفة الحركة إلى اليوم, إذ جاء في توطئة البيان التأسيسي شرح لأسباب قيام الحركة الاتجاه الإسلامي بكونها حركة إحيائية, وأن العالم الإسلامي - وبلادنا جزء منه – يشهد أبشع أنواع الاستلاب والغربة عن ذاته, وإلى اليوم مازالت حركة النهضة ترى بان استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع يرسخ لدى الإسلاميين شعورهم بمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية على أسس الإسلام العادلة ل في ظل نهجه القويم وهذا ما عبر عنه حمادي الجبالي في اجتماع شعبي بعد انتصار النهضة في الانتخابات بأنها «لحظة ربانية» وهي عبارة مستمدة من أدبيات جماعة الإخوان المسلمين وهي أدبيات تركز بصفة خاصة على ضرورة إقامة مشروع الدولة الإسلامية وتطبيق شرع الله, ومن السهل إثبات ذلك من خلال المناورات التي يمارسها نواب حركة النهضة في المجلس التأسيسي لتمرير مشروعه الشريعة برؤية اخوانية, أو من خلال مشاركة رئيس حركة النهضة في المؤتمرات الاخوانية العالمية مثل اجتماع مكتب الإرشاد الدولي لحركة الإخوان المسلمين في إسطنبول بتاريخ 12 و13 و14 جويلة 2013, أو من قبله مؤتمر علماء الأمة لدعم الشعب السوري الذي انعقد في القاهرة في منتصف جوان 2013.
واعتمادا على هذه المرجعيات أنشأت حركة النهضة شبكة موازية تنظر لتنمية العنف الموازي من أجل تثبيت وجودها في السلطة آجلا وعاجلا, وتنشط هذه الشبكة يتناغم ملحوظ مع وزارة الشؤون الدينية, التي من الأفضل تسميتها وزارة شؤون النهضة, سواء من خلال فشلها في ضبط الانفلاتات التكفيرية وعريدة الكثير من الأئمة وترويجها لخطاب تحريضي موغل في التطرف وتشجيع تجارة الدين من خلال إرسال شبابنا للجهاد في سوريا, وكذلك من خلال استضافية دوريا دعاة الوهايية العالمية المتطرفة وآخرهم الذين سيشرفون على المسابقة الدولية لحفظ القران وتجويده وهم على التوالي يوسف الحامدي من ليبيا ومحمد جمعة من اليمن وتقي الدين عبد الباسط من فلسطين ومحمد الترابي من مصر, وهم دعاة وهابيون متشددون قدموا إلى تونس في مهام مشبوهة تحت غطاء مسابقة القران الكريم, والحقيقة الخطيرة بالنسبة إلى هذه الوزارة هي أن الوزير المكلف بها يبدو قادرا على بلورة خطاب سياسي على غاية من انفصام الشخصية, إذ تراه تارة من أشد المدافعين عن مبدا تحييد المساجد, وفي الوقت ذاته لا يتوانى عن إمامة الناس في صلاة الجمعة بجامع الفتح بخطاب وهابي تحريضي ظاهره تسامح و باطنه تكفير, بل إن وزير الشؤون الدينية يستعمل هذا الجامع وبقية الجوامع التي تحت تصرف وزارته لتمرير أفكاره السياسية وبرامج حزبه, الامر الذي جعل نسبة كبيرة من التونسيين تهجر المساجد خوفا من العنف اللفظي والجسدي الذي أصبح يهدد أغلب مساجدنا. التي أصبحت منابر للتهجّم على المعارضين والنقابيين, بل وصل الأمر ببعض المساجد في صفاقس إلى دعوة بعض أئمتها الى التصويت لفائدة قائمة اسمية ضد أخرى في احدى المؤتمرات الأساسية للاتحاد العام التونسي للشغل وعندما فشلت هذه القائمة دعى هذا الامام عموم المنخرطين في هذه النقابة الى سحب انخراطا تهم منها – هل هناك جريمة أبشع من تحويل دور العبادة من قبل هولاء الأئمة المتحزبين, الى أوكار لاخفاء الأسلحة والارهابيين, وتحويلها الى محاكم سياسية بامتياز. وأخيرا وليس آخرا برز هذا الوزير بكل قوة على هامش الأزمة المصرية, مستبقا كل مؤسسات الدولة التونسية ولم يتردد في السطو على صلاحيات زميله في الحكومة وزير شؤون الخارجية فأصدر بيانا مشحونا يخصّ الأحداث الأليمة في مصر داعيا فأصدر بيانا مشحونا داعيا إلى التصدّي إلى الفوضويّين الانقلابيين كما يدعو إلى التضامن مع الإخوان في مصر، وهو ما لم يحصل في تاريخ تونس المعاصر ويعتبر سابقة دبلوماسية خطيرة تتنافى مع أبسط قواعد العلاقات بين الدول- ودائما في علاقة بالعنف الموازي الذي هو تمهيد للعسكرة الموازية، ينبغي الإشارة إلى استعانة حركة النهضة ببعض البهلوانيين المتطرّفين سواء من أجل إفساد الاجتماعات أو تشويه المعارضين الشّرسين، ونذكّر من هؤلاء الجاهل بأمر الله عادل العلمي رئيس ما تسمّى الجمعية الوسطيّة للتوعية والإصلاح (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) الّذي لا يفرّط في أي فرصة للتدخل بأمر من أسياده النهضاويين، وأهمّ من هذه التدخلات تلك التي قام بها في المؤتمر الوطني لمناهضة العنف، إذ قوبل حضوره بالرفض من قبل شباب طالب بخروجه، والتفّ حوله مجموعة من الشباب وحصل تدافع، فانتهز الفرصة و انبطح أرضا مُوهِمًا بأنه تعرّض إلى العنف وتلقّى ضربة قاضية أسقطته، وخرج بعد ذلك لوسائل الإعلام مصرّحًا بأن حمّة الهمّامي وعبد الستّار بن موسى بأنّهما حرّضا بالاعتداء عليه بالعنف حتى الموت وهو إدّعاء لا يصدّقه حتّى المجنون خصوصا لما صدر عن شخص مارس العنف في وقت سابق عندما قام بتجييش أتباعه بأمر من أسياده، وقاموا بعمل لا تقوم به إلاّ العصابات الإجرامية، وذلك عندما قام بطرد مديرة إذاعة الزيتونة إقبال الغربي من مقرّ عملها وهي المعيّنة من قبل الحكومة، والغريب أن هذه العصابة، عصابة عادل العلمي تحالفت مع بقايا صخر الماطري في تلك الإذاعة لمنع السيدة إقبال من الدخول إلى الإذاعة.
إنَّ تعمّد عادل العلمي حضور المؤتمر المناهض للعنف رغم عدم تلقّيه دعوة رسمية، لم يكن إلا عملية استفزازية لعلمه بأن هناك من يرفض حضوره. والأكيد أن الأطراف التي وفّرت له الحصانة في الاعتداء على إذاعة الزيتونة هي التي حرّضته لإفساد مؤتمر مناهضة العنف وتشويهه وتوفيرها الحجّة للانسحاب منه وعدم إمضاء ميثاق مناهضة العنف، وهي نفسها التي دفعته إلى القيام بحملة المفطرين في رمضان حيث أعلن أيّاما قبل انطلاق شهر رمضان الكريم أنّه سيقوم بتصوير المفطرين و التشهير بهم وسيكون لهم بالمرصاد، أمّا فيما يتعلّق بالسباحة في رمضان فقد أفتى العلمي بأنّها محرّمة على الرجل والمرأة - ولم يفرّط هذا الجاهل بأمر الله في حضور الوقفة الاحتجاجيّة يوم 5 جويلية 2013 أمام السّفارة المصرية مساندة للرئيس المصري المقال محمد مرسي مصرّحًا برفضه لتدخّل الجيش والمساس بالشرعية في مصر وتونس محذّرًا أنّ كلّ من يشترك مع الخارج في مؤامرة المساس بالشرعية هو صهيوني كافر حسب تعبيره.
المختار بوسنينة (أستاذ مبرز في التاريخ)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.