عندما تبتعد عن مقاعد الدراسة لمدة 17 سنة، بعد 3 مرات مع دورات المراقبة وتتفرغ نهائيا الى الحياة الزوجية والانجاب والتربية والسهر والاعتناء بالابناء وعندما تغيّب المنية الزوج لتترمل بطفلين في الكفالة وتتزوج ثانية وتتعكر صفوة الحياة بينهما ليحصل الطلاق بطفل ثالث ومع مصاريف الدراسة فهل بعد هذه الاستثناءات يمكن للمرء ان يفتح كتابا او كراسا؟ للوهلة الاولى نقول ان ذلك مستحيل نظرا لتعدد الالتزامات المنزلية وفقدان نكهة النهل والارتواء من المتنبي الى المسعدي الى الحروب العالمية التي تبتعد سنة وراء اخرى ولكن بالارادة والتحدي بالامكان الوصول الى المبتغى. نحن اردنا ان نبدأ هكذا في توصيف حالة خاصة صدّت امامها الابواب للحصول على «خدمة» ،، لم تقابل الا بمطّ الشفاه وحتى الباكالوريا معندكش وتحب تخدم صدمتها الاجابات وتحاملت وقبلت العمل كمنظفة لا لشيء الا للاستجابة لحاجيات الاولاد وخلاص معلوم كراء المنزل، لم تعمّر في العمل طويلا اذ سرعان ما باغتوها بالايقاف وزادت إصرارا ولم تنضب ذاكرتها ولم تنقطع البسمة عن محياها، ولم تهزم وتحبط عزيمتها بل زادها الإيقاف، عن العمل اعتزازا بالقدر والمكتوب وتحت الحاح صديقتها، فتحت دفاترها المهترئة البالية وانطلقت في رحلة البحث عن نفسها، عن خيط سميك تتشبث به، عن قشة تؤمن لها حياة افضل، حياة أسعد، ام لثلاثة ابناء كانت تقسم يومها بكل دقة في شؤون البيت وشؤون الاطفال والمراجعة، ثم المتنبي وشعراء الجاهلية، وافلاطون والحروب والتفكير الاسلامي.. وحتى الرياضة لعلمكم فانها لم تدخل اي مدرسة حرّة في الكاف، ولم تستلطف اي استاذ أو تلميذ لكي يراجع معها مواد «الباك». الشعب التقتها صدفة بعد لقاء النجم والافريقي حين طلبتني مستفسرة عن مسألة خاصة بها على الانترنات وكيفية التسجيل عن بعد للسنة الجامعية 2008 2009 وفاجأتني بصورة مع السيد رضا التويتي وزير التجارة في يوم العلم وهو يكرمها في يوم التحدي، وقالت هذا رصيدي بعد 17 سنة من الصبر والتحدي انها المواطنة الكريمة منية ابراهيم. انساب كلامها عن اخر يوم في الدراسة بمعهد بمدينة قلعة سنان في السابعة آداب سنة 1991 بما انها كانت «عدّت الباك 3 مرات» لكنها في كل مرة تسقط في دورة المراقبة ثم تحولت الى الكاف وكانت كل سنة وبنشوة تتقدم حرّة للباك ولم تصل الى مبتغاها الا في دورة المراقبة لسنة 2008 تقول ضيفتنا «عديت 13 مرّة وكل مرّة تزيد فيّ اصرارا للحصول على الباك لاني اراها المفتاح الوحيد للعمل او الدراسة العليا». تصور يوم نجاحي عن طريق الارسالية القصيرة ذهلت للخبر، فالجيران لم يصدقوا ام الثلاثة اطفال أميمة شعبة اعلامية، علي 7 أساسي، وخليل 4 إبتدائي وسار الخبر في حي عين مناخ الذي اسعد اهله لفرحتي التي تقاسمتها مع فلذات اكبادي واحسست ان الارض لن تتحملني لاهمية النجاح، ام الاربعين سنة تحرز «الباك» بعد 17 سنة لا يهم المعدل بل كلمة مبروك كانت كافية بما انها فتحت لي ابواب الامل وتضاعف الاصرار فقطفت أفضل ثمرة أنستني اني ارملة.. مطلقة... وفي كفالتي 3 ابناء وقطار العمر بلغ المحطة رقم 40. الظروف التي مرّت بها هذه المناضلة المجتهدة المثابرة تدوّن في السجلات فتحية لكل الذين ساعدوها ووفروا لها شغلا عن طريق آلية 2121 مع «شهرية» محترمة كبداية في انتظار مساعدات اخرى تنتظرها للتسجيل في كلية بمدينة الكاف.. أملها ان تواصل الدراسة الجامعية الى جانب العمل لكي تستعيد ما غاب عنها لسنوات وبالتالي تسعد عائلتها.