المدارس الابتدائية هي هيكل راجع بالنظر إلى المندوبيات الجهوية للتربية التي تخضع بدورها إلى إشراف وزارة التربية، المدارس الإبتدائية لا تعتبر مؤسسات عمومية وبالتالي لا تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي ونظرا لعدم وجود إمكانية لتمتيع كل مدرسة ابتدائية بميزانية مستقلة ملحقة ترتيبيا بميزانية وزارة التربية جاء المنشور الوزاري عدد200 المؤرخ في 2 سبتمبر 1988 استجابة لحاجة بعث هيكل موحد يجمع كل الطاقات من أجل تنمية تربوية شاملة و يقضي على تشتت الجهود الناتج عن وجود جمعيات متقاربة الأهداف في صلب المدرسة الواحدة فتم بعث جمعية وحيدة أطلق عليها اسم جمعية العمل التنموي بكل مدرسة ابتدائية يعمل بها مدير و ثلاثة معلمين فأكثرو بعض الأولياء و حتى لا يقع إثقال كاهل أعضاء الهيئة المديرة بوثائق عديدة و متنوعة و عسيرة الاستعمال تم وضع وسائل بسيطة في متناول غير المتخصصين في التصرف . وان استحسنت بعض الأطراف هذا التوجه لتخفيف الأعباء عن الدولة فإننا نرى فيه انحرافا عن المسار التربوي وجرما في حق المؤسسة التربوية بعد أن نادت في أكثر من مرة بالاستقلالية المالية حتى تقدر لوحدها على مجابهة مصاريفها بعيدا عن الروتين الإداري وتأخر القرارات الفاعلة وغياب الإرادة الحقيقية للنهوض بمثل هذه المؤسسات و من المفارقات العجيبة نجد أن عدد تلاميذ بعض المدارس الابتدائية يفوق عدد تلاميذ المدارس الإعدادية ولكن الفارق واضح من حيث الميزانية التي لا تتجاوز 500 دينار في أقصى الحالات ومديرو المدارس عليهم أن يتصرفوا في هذه الميزانية الضعيفة لشراء الحبر للآلات الناسخة وكراسات التناوب ولوازم صندوق الأدوية و شهائد وجوائز الامتحانات مع بعض التدخلات الطارئة في إصلاح ما يهم الأبواب والنوافذ والأقفال والبلور وحنفيات الماء وأحيانا يتكفل بتوفير ما يليق باستضافة اللقاءات البيداغوجية… وهذا ما جعل عديد المديرين يطالبون بضرورة تخصيص اعتمادات إضافية لجعل المدرسة الابتدائية فضاء يليق برواده. وهم عاجزون على القيام بهذا الدور ولو بجزء بسيط منه لقلة الإمكانيات إن لم نقل انعدامها . وفي ضوء التسيب الحاصل قبل وبعد 14 جانفي فإن مديري المدارس فقدوا جدية التسيير وتعجب العين مما ترى من وضعيات خاصة يعيش على وقعها مديرو المدارس الابتدائية عند كل عودة مدرسية و تتمثل في جمع التبرعات من الأولياء بتعلة شراء بعض المستلزمات كالدهن أو بناء قسم جديد أو غير ذلك. ومن منطلق خشية الأولياء على أبنائهم، فهنالك من يقدم ما يصل إلى أضعاف معلوم الترسيم دون الحصول على أي وثيقة تثبت تبرعه فتراهم يتساءلون حول الصورة الحالكة التي صارت عليها المدارس الابتدائية لما تداعت بنيتها التحتية ويتهامسون في «التراكن» وأمام أبواب المدارس: «أين أموال المدرسة؟» ثم يواصلون ما شابه الثرثرة: «ماذا يفعل مدير المدرسة بأموالنا و بعضهم يفرض على أولياء التلاميذ دفع مبالغ مالية لنقلة أبنائهم من قسم لآخر تحت مسمى إعانة مدرسية أسئلة عديدة تطرح نفسها بإلحاح: لماذا لا يقدم للمتبرع ما يثبت تبرعه؟ هل تسمح المندوبيات الجهوبة للتربية لمديري المدارس بجمع هذه التبرعات و هل هي على علم بها؟ هل يحاسب هؤلاء عل هذه الأموال أين صرفت؟ و من يضمن أن هذه الأموال قد ذهبت جميعها الى حيث يجب أن تذهب؟ هل بإمكان المدير أن يوفق بين مهامه الحقيقية و هي التربوية و البيداغوجية و غيرها و بين هذه المهام التي لا تستند إلى أي سند قانوني؟ ألا يعلم مديري المدارس أن جمع الأموال من المواطنين في كل الأحوال يجب أن يخضع لترخيص من السلط؟ أن جمعيات العمل التنموي بالمدارس الإبتدائية في علاقة مباشرة بالسلطة التي تتابع أنشطتها و التصرف في أموالها عبر محاضر الجلسات العامة و التقارير المالية فإن المتأمل في الفصل 23 و المتعلق بآجال تقديم التقرير المالي و الأدبي و المحدد بآجال شهر من تاريخ انعقاد الجلسة العامة يتصور أن هناك صرامة في تطبيق القانون. عن أي جلسة عامة نتحدث أهل يجوز القول بأننا أصبحنا نشرع إلى الجمعيات الافتراضية ؟ جمعيات بدون أعضاء و نحن نطالبها بتقديم تقرير مالي و أدبي إلى الإدارة؟ الوضع محيّر يتطلب التدخل العاجل لانقاذ سمعة مدارسنا الابتدائية .